حميمية الأم مع طفلها

كتب: قسم المتابعة

لا توجد (امرأة والدة) في الكون تشعر أن وليدها ليس بضعة منها.

وعلاقة المرأة مع طفلها القادم هو أمل فطري قديم يعشعش في عقلها وهي بنت صغيرة حين تشعر وهي ما تزال في عمر مبكر سابق لزواجها أنها ستكون يوماً ما (أماً) لطفل وعلى اعتبار أن الزواج منها من قبل (فارس الأحلام) هي مسألة وقت في حين لا يعيش الشاب على تحقيق الأمل لاستحصال طفل من امرأة ستكون زوجته بنفس القوة عند المرأة وربما كان أحد أسباب ذلك التعلق من قبل المرأة مع وليدها (الحلم) يعود إلى كونها تحمله في بطنها مدة ليست قصيرة منتهاها المحسوب في الحالات العادية هو (9) أشهر تكون المرأة فيها في حالة ترقب وقلق.

والمرأة الأم باعتبارها تعايش يوميات طفلها دقيقة بدقيقة فإن وشيجة العلاقة الحميمة بينهما باعتبارها الطرف القوي وطفلها يمثل الطرف الضعيف تكون على أشدها من ناحية حمية الفطرة الإنسانية ولعل الزوجان الوالدان هما وحدهما الفاهمان ما ينبغي أن تكون عليه تلك العلاقة من بذل وعطاء لطفلهما.

وأثناء الخلاف العائلي بين الزوجين يلاحظ كم هو مغالاً به تمسك كل من الأم ثم الأب بطفلهما فإذا ما حالت أسباب صعبة لاستمرار العلاقة الزوجية بين الأب والأم ومثل هذا يحدث عادياً لدى العوائل فإن ما ينبغي التأكيد عليه أن علاقة الطفل مع أمه تكون خلال السنوات الأولى من عمره أقوى من علاقته مع أبوه من ناحية المداراة بعموم جوانبها ولكن إذ ما استكملت مسيرة العائلة على نبع الإخلاص والتفاهم بين الزوجين فإن لا مشكلة يمكن حدوثها لصالح غير العيش العائلي المشترك بين الزوج والزوجة وطفلهما العزيز على قلبيهما.

وحميمية العلاقة بين الأم وطفلها تتدرج في الاهتمام من قبلها بحسب مراحل نمو الطفل فإذا ما لاحظت عليه أنه يضع أصابعه في فمه ويقضم أظافره فتراه تمنعه من تلك العادة السيئة التي يمارسها الكثير من الأطفال ولكن الأم الذكية العارفة أو المثقفة تعلم جيداً أن وراء قضم الأظافر خلل ما (غالباً ما يكون نفسياً) وقد أخذ مأخذه من الطفل فتحاول وتحاول خطوة خطوة حتى تستطيع أن تجعله يهجر هذه العادة اللامستحسنة وهكذا فالأم تتابع شؤون طفلها الوليد حتى يقوى عوده وطبيعي فإن هذا الطفل لا يشعر بإحساس حب مماثل لأمه (أي من نفس الدرجة التي تحب بها الأم طفلها) إلا بعد كبره وثم زواجه واستحصاله من زوجته على أطفال فعند ذاك فقط يشعر ما معنى قيمة وحب (الأبوة) و(الأمومة) للطفل وينطبق هذا الصورة متساوية على الجنسين.

وإذا كان الأصل في العلاقة بين الزوجين هو تكريم أحدهما للآخر فإن هذا ما ينعكس بكل إيجابية على حياة طفلهما أو أطفالهما بصورة اعتيادية جداً ممكن الاعتماد عليها في تماسك العائلة أكثر بالمستقبل ولذا يلاحظ أن أكثر الأطفال تأديباً هم أولئك المطيعون لوالديهم.

لقد منحت الطبيعة قدرة الأبوين على طفلهما ولكنهما ومن جانب فطري لا يهملانه فهما أي الأبوين يتعاملان مع طفلهما تعاملاً عظيماً يشعرانه بكل وقت أنه مهم جداً لدى أي منهما ولعل توجه قوانين الأحوال الشخصية في بلدان الحضارات القديمة كـ(مصر) و(العراق) تؤكد على ضرورة إبقاء الأطفال مع أمهاتهم ولو خلال مرحلة من الطفولة التي تتطلب معرفة العلاقة الاجتماعية على مستوى أكثر عملية هذا في حال الخلاف الزوجي طبعاً واستحالة أن يستمر الزوجان بالعيش المشترك بينهما.

ومسألة حميمية العلاقة تبقى هي ابعد مما يمكن أن يقال ولعل من الثوابت المتفق عليها في حقل المشاعر بين الأم ووليدها أن نظرتها إليه كـ(طفل) كان يوماً يعيش في أحضانها ويرضع من صدرها حتى لو أصبح رجلاً يشار له بالجاه والوجاهة والبنان فهي بعد أن عايشت مراحل عمر طفلها فإن المتغيرات عنده من طفل إلى صبي وإلى مراهق ثم رجل وبالنسبة لما تمر به طفلتها أيضاً من مراحل عمرية حتى تصبح فتاة ناضجة يبقى عند الأم ذلك الشعور إلى أساس أول ما رأتها فيه وهما طفلان يحظيان بـ(حنانها وعطفها) ومثل هذا الشعور الدائم عند الأم نحو أولادها فيها أكثر من سر إلهي وعلم التفسير لا يوصف ذلك بأكثر من فطرة تلازم البشر بأمر من الخالق سبحانه وتعالى.

أما في حالة الشعور الذي على ما يرام بين الأم ووليدها – إذا ما حدث – فهذا يعني أن هناك خللاً سببه الأم أولاً لأن الطفل الوليد غير واعٍ على واقعه وهو أضعف وأعجز من أن يعرف ما يحيط به حقاً. كما ويندر أن يلعب المزاج السلبي عند المرأة دوراً تخريبياً ضد حياة الطفل في الظروف الاعتيادية والإشكالية هنا تأتي بسبب قلة نسبة (التدني) عند المرأة أو نقص تعانيه في جانب مشاعرها الإنسانية اتجاه محيطها العام ومنه المحيط العائلي أو الاجتماعي فالمرأة مثلاً التي عانت من تصرفات أم قاسية أثناء عهد طفولتها ليس من السهولة أن تتعامل مع أولادها بحمية فائقة إلا إذا كانت واعية أو توّعت بأن أمها السيئة لا ينبغي أن تؤخذ كـ(نموذج) للاقتداء أو التقليد.

أن الأخلاقيات السمحة هي التي ينبغي أن تهيمن تماماً على علاقة المرأة بوليدها وبغض النظر عن تعقيدات الحياة المعاصرة التي أضحت تضعف الكثير من العلاقات الاجتماعية ومنها العلاقات العائلية داخل سياج العائلة الواحدة. ومما يمكن أن يعنيه كل ذلك أن أي تأجيج للصراعات مع الحياة ما ينبغي أن تبعد المرأة عن مصداقية فطرتها العاطفة والراعية لوليدها فتلك هي أول سنّة من ذخيرة الفطرة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 21/ تشرين الأول/2005 -  17/ رمضان/1426