وزن الرئيس وعيونه العسلية

عباس سرحان

مع اختفاء الصوت والصورة التي رافقت محاكمة صدام حسين عبر الفضائيات، وهي الحالة التي أوحت لكثير من المشاهدين الذين مطوا شفاههم عجبا وغضبا أحيانا.. أوحت لهم بأشياء بعضها خطير.. فقد همس أحدهم بإذن صديقه قائلا: هل أجهزتنا بهذه الهشاشة بحيث تعجز عن توفير تقنية مناسبة لنقل الصوت والصورة عبر الفضاء؟.. فرد الآخر بما هو أخطر: من قال ذلك؟ قبل أيام سمعت أن المحكمة مخترقة.. هناك بعثيون يعملون بالقرب منها.. أغمض الأول إحدى عينيه واستدار بالأخرى ليرى ماتبقى من وجه صدام وليسمع بعض تمتمات الإدعاء العام التي خنقت فجأة..!

ومع هذه الحالة المحرجة للفضائيات التي سارعت لنقل الحدث مباشرة، استعانت هذه الأخيرة بخبراء ومحللين يتحدثون عن المحكمة وصدام وأشياء لها صلة بالموضوع، بينما الفضائيات العراقية منها أعدت مقاطع لصور المقابر الجماعية وهيأت لقاءات مع ضحايا صدام أو من بقي منهم..هنا كانت بقايا عظام ومنشد ينوح على المقابر ويندب الراحلين.. وهنا أيضا دموع على أوجه بعض اليتامى الذين رصدتهم عدسات الكاميرات وأمهات أطل الحزن من وجوههن.. فماذا هناك؟

ماذا كان في تلك الفضائيات التي استضافت محللين ستراتيجيين واساتذة..

بالطبع ليس كل الفضائيات في الضفة الأخرى تقع في الدائرة التي نتحدث عنها ولكن المشهور منها معروف..

بعض هذه الفضائيات كانت تركز في جلساتها الحوارية الإجبارية على وجه صدام حسين.. على عينيه وشعره ونظراته.. ويتساءل معلقوها من وقت لآخر: هل فقد صدام حسين كثيرا من وزنه؟ ويجيب الضيف المعبأ بأفكار استراتيجية: أجل هذا واضح، فهناك تسطح في الخدين واختفاء للـ(لغلغ) وانفتاح واضح في حلقة العينين. ويقاطعه مذيع القناة.. على ذكر العينيين كيف رأيت هذا الانتفاخ تحتهما: ويجيبه الضيف: هي أكياس دهنية يسببها الأرق عادة..

وفي إحدى القنوات، وقفت المذيعة تشير إلى صور الرئيس وهو يطلق العيارات النارية ويقبل الفتيات في أحد أعياد ميلاده، فعلقت: لقد اشتهر صدام بالوسامة وكان يحافظ على هندامه وطلعته دائما.. وتوقفت فجأة قبل أن تقول.. ولكنه الآن بهذا الشكل.. وعرضت صوره بلحيته ونظراته الزائغة..

 أطلقت المذيعة حسرة كبيرة حتى خلتها بكت.. وأعقبها المذيع بموقف مماثل، حتى لو قيل له  إنك تبكي لأجهش بالبكاء..

هذا جانب من مجالس العزاء التي نصبتها بعض الفضائيات على صدام حسين في جلسة محاكمته، وقبل أن يقول له أحد على عينك حاجب، فماذا لو صدر الحكم بإعدامه؟.. تذكروني عندها سترتدي مذيعات الفضائيات المعروفة السواد..

بالطبع حين نكون موضوعيين يجب أن نعطي الحق لبعض الناس وهم يتألمون على رئيس كانوا يرونه عبر شاشات التلفاز يلقي الخطب ويعيش البذخ.. ولكن هل هناك عذر لأولئك الذين يتحرقون أسفا على صدام  بعد الذي انكشف من الحقائق .. المفروض أن يتعاطف البشر مع المظلومين.. مع الذين دفنوا في الصحارى وأحواض الاسيد وقضوا في الحروب، لا مع القتلة والسفاحين الذين أبكوا ملايين الناس وتسببوا بكوارث لاحصر لها.. فليس من المعقول ان ينظر إلى صدام كرئيس عربي يجب أن لا يحاكم كما قال مواطن أردني، فهل يصح هذا المنطق مع الله يوم القيامة.. هل سيقول هذا المواطن ومحبو صدام : لاتعاقبه يا إلهي لأنه كان رئيسا عربيا في الحياة الدنيا؟!

وهل أولئك الذين قضوا بجرة قلم من الرئيس لا مشاعر لهم ولا أبناء ولازوجات ولا أحبة تألموا من أجلهم.. غريب هو عقلنا العربي..

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 21/ تشرين الأول/2005 -  17/ رمضان/1426