إيران و أمريكا، والرأي العام

حسن طهران*

إن الإعلاميين والمرتبطين بوسائل الإعلام، يعرفون إن صناعة صورة الحدث في أذهان الرأي العام، أمر تتمكن منه وسائل الإعلام العالمية المعتبرة بشكل كبير وهي التي تحاول أن توسع من تأثيرها على الساحة السياسية.

قبل فترة عرضت شبكة الـ"سي إن إن" تقريرا تلفزيونيا إستطلعت من خلاله آراء الأمريكيين حول القضايا السياسية. في هذا الفيلم وجه مراسل التلفزيون سؤالين إلى المارة في الشارع، أولا أين يقع الشرق الأوسط؟، وثانيا كيف هو؟

جواب الأميركيين على السؤال الأول كان جوابا غريبا، فمن ثلاثة وعشرين شخص  لم يرد أي منهم بالرد الصحيح.

 ثلاثة أشخاص قالوا إيران، أما الباقي فقالوا كوبا، و البرازيل، و حتى كندا، و فرنسا، وإيطاليا، و كوريا، و المكسيك.

الرد على السؤال الثاني أيضا كان عجيبا من بعيد، الجميع دون إستثناء وصف الشرق الأوسط بصفات مبالغة جدا: منطقة الأعداء، النقطة الخطيرة، مصائب، مشاكل، ويلات، ومن هذا القبيل.

بعد ذلك امسك المراسل خارطة العالم  بإحدى يديه، و في الأخرى علامات طلب من المارة أن يضعوها في نقطة في الخريطة توجد فيها إيران، كان الأمر غريبا، من أولئك المعنيين كان يوجد شخص واحد وضع العلامة في نقطته الصحيحة، وذلك أيضا بعد النظر الطويل والتأمل و التفحص الدقيق في الخارطة.

في تلك الخريطة، وضعت علامة إيران في مناطق كمثل أفريقيا و شمال أمريكا، و سواحل أستراليا، و اليابان!

إذا كان هذا الفيلم يعتبر مؤشر للدراسة و التحقيق، يتبين من خلاله إن المتصدين للسياسة الأميركية قد نجحوا في رسم هذه الصورة في أذهان مجتمعهم، إن الشرق الأوسط يعني إيران، و إيران تعني المعاداة و المصائب و الويلات.

هذا الأمر يعتبر إنتصارا كبيرا لفريقين و هما حسب الظاهر مختلفان و متضادان، لكنهما عملا و فعلا، متناسقان و متجهان نحو هدف واحد، و هما  جماعة المتشددين الإيرانيين والمحافظين الجدد في البيت الأبيض الأميركي و جماعات الضغط.

هاتان الفئتان سعيتا خلال الربع القرن الأخير إلى جعل إيران و أمريكا في ساحة المواجهة والعداء ، و من خلال هذه المواجهة تكمن المصالح و المنافع لديهما.

بناء على هذا يمكن أن نتساءل ماذا سيحصل؟ كما يبدو إن كانت الحسابات الإقتصادية والسياسية  سواءا طويلة المدى  أو القصيرة داخل أركان حكم الولايات المتحدة – كما بدى عدة مرات خلال القرن العشرين- إن كانت تلك المحسابات تنبؤهم بضرورة إشعال حرب آخر، فهذه المرة ستكون إيران هي الهدف الأول. و التقارير الموجهة من وسائل الإعلام  طوال الليل و النهار داخل الولايات المتحدة، قد أعدت الرأي العام الأمريكي الذي يمكن للإعلام أن أن يسيرها بسهولة  بسبب سرعة التصديق وبساطة الفكر عند الأمريكيين.تبقى حسابات مراكز القرار و دراسة ظروف الزمن.

من إحدى الأمور المؤثرة في مراكز القرار في طرحها للبرامج الزمنية هو ما تبقى من آثار المعركة الأخيرة، والتي تعتبر هنا حرب العراق. و يمكن قبول هذا الأمر مادام ان العراق لم يصل إلى نقطة الإطمئنان في جدول المحاسبات الأميركية، أي إلى الهدوء المطلوب، لم يكن الزمن مناسبا لتحرك عسكري آخر.

لكن هذه تعتبر فقط إحدى الفواتير، فإذا أعلن الجهاز العسكري ان مع وجود ظروف العراق، يمكن شن هجوم آخر، أو إن أعطت إيران ذريعة تقنع بقوة الرأي العام الأمريكي بإشعال حرب، و ارتفع هذا الإقناع من 30% إلى 45% مثلا، أو إن وصلت الضغوط الإقتصادية داخل أمريكا إلى نقطة تثير المخاوف بحيث لايوجد خيار لرفعها إلا بإشعال حرب آخر، أو إن و إن و إحتمالات أخرى، حينئذ يمكن القول إن الفاتورة الأولى ستفقد لونها و أثرها الزمني.

التعامل الإيراني:

النظام الإيراني خلال الأعوام الأخيرة كان يواجه مشكلة  في تعامله مع الحدث العراقي. في البداية مع سقوط صدام، و تهيئة الأجواء لشيعة العراق للوصول إلى حقوقهم، حصلت فرصة مناسبة لإيران لتوسع نفوذها هناك. حسب الظاهر، هذا الأمر لم يكن صعبا  إن كانت إيران تتخذ سياسة صحيحة،  ذلك بسبب العلائق و المشتركات المذهبية، لكن الصعوبة تحدث حينما تكون هذه السياسة أمام سياسة أخرى تتخذها طهران للحفاظ على مصالحا.

المسئلة تكمن هنا، إن كانت إيران تبدي تعاونها لإستقرار الحكم في العراق، و تسعى لتهدئة الوضع كما تريد أمريكا، حينئذ سيأتي الزمن المطلوب للمتشددين الأمريكيين لتشن معركة أخرى.

الظرف المزدوج الذي يحصل دائما في الساحة السياسية، و أساسا السياسة ليست كما يتصورها المتشددون الإيرانيون انها إختيار بين الخير و الشر، بل هي الوقوع في هذه الظروف وهي تشبه مريضا ابتلي في زمن واحد بمرضين متضادين، والدواء الذي يصفه الطبيب لإحداها يسبب في تشديد الأخرى، حينئذ يضطر الطبيب أن يراقب مريضه في المشفى كي يدقق في تأثير الأدوية ويحاسب مقدارها بشكل دقيق لكي لايزيد المرض الآخر.

بعد الحادي عشر من سبتمبر إستطاعت الولايات المتحدة أن ترسم صورة للرأي العام العالمي كانت أمنية بعض الأجنحة داخل الإدارة الأميركية و كذلك بعض الأوروبيين.

واليوم صورة أخرى يحاول أن يرسمها الأمريكيين إضافة إلى المتشددين الإيرانيين، وهما  يتجهان نحو هدف واحد.

قبل الحادي عشر من سبتمبر كان التيار الإصلاحي يتصدى الأمر في إيران، و  هو قد جعل الحوار و نبذ التشنج و العداء في رأس برامجه  في السياسة الخارجية، وفي الولايات المتحدة كان الديمقراطيون بقيادة كلينتون يمسكون زمام الأمور، هذا الظرف الإستثنائي أعطى للطرفين فرصة للتقارب،  فخطى خاتمي خطوة صغيرة و محتاطة، و في مقابله خطى كلينتون خطوتين كبيرتين، لكن المتشددين داخل إيران أبدوا شدة قلقهم و مخاوفهم في فقدان "الشيطان الأكبر"، وإنقضاء شعاراتهم، حيث حينذاك سيفقدون ذرائعهم في القمع و البطش وتغطية النواقص وعدم أهليتهم للحكم، لذلك سعوا بكل إستطاعتهم أن يفوتوا تلك الفرصة التي لو استمرت لما كان يصف الأمريكيون اليوم في ردهم على مراسل الـ"سي إن إن" إيران أنها منطقة ذات مصائب و ويلات لهم. كما ان ملف الحرب على إيران لم يكن ليبقى على طاولة وزارتي الدفاع و الخارجية الأميركية، و لم يبقى يتراوح مابين أوروبا و أمريكا أيضا.

اليوم في طهران و واشنطن، جاءت حكومتان مختلفتان تماما مع ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، و رغم أن حكومة طهران تحاول أن تلعب في العراق على حبلين و بسياستين مختلفتين، لكن كيف يمكن أن تستمر بعد هذا؟

في زمن حكومة خاتمي، بعد أن عرقل المتشددون خط الإصلاح وترك المخاصمة مع واشنطن، سعت الحكومة أن تحفظ الحوار مع أوروبا تحت ذريعة الأزمة النووية، لكن اليوم وبعد مجئ المحافظين، إنتهت هذه اللعبة أيضا في صالح المتشددين في إيران والمحافظين الجدد في أمريكا.

المظاهرات التي نظمت أمام السفارة البريطانية في طهران، و توجيه التهمة إلى لندن  في تورطها لأحداث إفتعلتها الشرطة الإيرانية في قمع المتظاهرين في الأهواز من قبل حكومة طهران، ومن جانب آخر توجيه التهمة من قبل لندن إلى الحكومة الإيرانية  في قتل القوات البريطانية بأسلحة مرسلة من إيران ، كل ذلك يعتبر إستعدادا عند الطرفين لرسم الصورة أمام الرأي العام للمواجهة الجديدة.

أما أي الطرفين له القوة العظمى لرسم هذه الصورة داخل بلدانهم، يرتبط بقوة تأثير كلامهم في المجتمع. الولايات المتحدة استطاعت من خلال صنع إشاعة تقول ان أحمدي نجاد متورط في قضية أزمة الرهائن عام 1980 أعدت المجتمع الأمريكي للمواجهة المحتملة، لكن حكام طهران رغم صنعهم لإشاعة تقول إن أمريكا قدمت 40 مليون دولار لقراء الموشحات الدينية في الداخل لتشويه صورة الدين ما استطاعت ان تعد المجتمع الإيراني لهذه المواجهة، لأن الحاكمين هم من شوهوا الصورة، و بذلك ستكون المواجهة المحتملة من قبل المجتمع ضدهم.

لا يبقى إلا أن ننتظر لنرى من يستطيع أن يرسم صورة ذات تأثير أقوى لتوجيه الرأي العام.

*باحث في الشؤون الايرانية

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 17/ تشرين الأول/2005 -  13/ رمضان/1426