تأسست
جامعة الدول العربية عام 1945 وعين أول رئيس لها السيد عبد الرحمن عزام
(1945 – 1952) وكان طالعها سيئا حيث تأسست الدولة العبرية بعد مضي
ثلاث سنوات على تأسيسها. فماذا فعلت الجامعة العربية للشعب الفلسطيني
في حينه ؟
وبالرغم من كثرة العدد والعدة فشلت الدول العربية والجامعة العربية
في حروبها ضد إسرائيل الواحدة بعد الأخرى والإنتكاسة بعد الأخرى.
وكانت قرارات مؤتمرات جامعة الدول العربية السرية تذاع أحيانا في
نفس اليوم من الإذاعة الإسرائيلية، وكنا في بغداد نستغرب من ذلك.
أما الشعب الفلسطيني المسكين فقد مزقت أحشاؤه وقتل الآلاف من شبابه
ورجاله وشيوخه وأطفاله ونسائه وشرد مئات الآلاف من بيوتهم ومدنهم
وصودرت أراضيهم ومزارعهم.
حتى أن الشعوب العربية الغيورة تظاهرت وقدمت التضحيات تلو التضحيات
من أجل تحرير فلسطين وكان من ضمنها الشعب العراقي بشيعته وسنته وأكراده
وتركمانه وغيرهم.
لم تنفذ وللأسف الشديد جامعة الدول العربية، بالرغم من حسن نواياها،
طموحات شعوبنا العربية منذ ستين سنة.
لا أريد الإطالة على مواقفها السلبية وعدم تدخلها المباشر لإيقاف
نزف دماء المسلمين في الحروب التي نشأت بين مصر واليمن وبين مصر
والسودان وكذلك لم توقف الحرب الأهلية اللبنانية وغيرها. كانت الجامعة
العربية ولا زالت تتعامل بمعايير مزدوجة، على سبيل المثال لا الحصر
عندما هدد المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم باحتلال الكويت أرسلت جامعة
الدول العربية جيوشها إلى الكويت للدفاع عنه، ولكن عندما قام صدام
بغزوه العدواني لدولة الكويت الشقيقة ونهب وسلب واستباح حرائر الكويت
لم تحرك جامعة الدول العربية أي ساكن. وفي اليوم الثالث من أغسطس سافر
سمو الشيخ سعد العبد الله الصباح على رأس وفد كويتي رفيع المستوى إلى
القاهرة طالبا النجدة والتدخل لإرغام صدام على سحب قواته، فإنه لم
يحصل على نتيجة مثمرة. فلماذا لم ترسل جامعة الدول العربية قواتها
لإرغام صدام على سحب قواته العدوانية من الكويت، ألم تكن الكويت نفسها
عندما هدد الزعيم عبد الكريم قاسم في حينه باحتلالها ؟.
سكتت جامعة الدول العربية منذ تأسيسها على جرائم الحكومات العراقية
المتعاقبة المحسوبة على السنة الأقلية والقوميين العرب وآخرها حكومة
البعث العراقي التي إقترفتها بحق الشيعة والأكراد والتركمان وقليل من
الإخوة السنة وغيرهم لأسباب طائفية وعنصرية مقيتة.
فلم تقدم جامعة الدول العربية أية خدمة للشعب العراقي منذ تأسيسها
حتى سقوط طاغية العصر صدام في التاسع من نيسان المبارك عام 2003.
وبعد تحرير الشعب العراقي من أعتى نظام دموي فبدلا من أن تحتضن
جامعة الدول العربية شقيقها الشعب العراقي المنهك من الحروب والقتل
الجماعي والفقر والتهجير والسجون وتمنع حسب إدعائها إيران من التدخل في
الشأن العراقي، شنت هجومها الظالم ضد الشعب العراقي وضد الأحزاب
الوطنية التي ساهمت بانتخاب مجلس الحكم العراقي المؤقت، ولم تعترف
بمجلس الحكم العراقي المؤقت حيث قال السيد عمرو موسى ان المجلس لا
يمثل الشعب العراقي ولا يمكن الإعتراف به تحت الإحتلال الأمريكي.
كما سخرت بعض الدول العربية فضائياتها لإثارة البلبلة وإشاعة الفتن
الطائفية والعنصرية بين فئات الشعب العراقي. وعند قرب موعد الإنتخابات
شنت جامعة الدول العربية حملاتها المضللة ضد الإنتخابات وأنها لا تؤيد
الإنتخابات الديمقراطية تحت ظروف الإحتلال وأن الإنتخابات لا تمثل
أغلبية الشعب العراقي والجامعة أثارت موضوعا طائفيا بأن إخواننا السنة
مهمشون، وكان السيد عمروموسى يدرك أن بعض أفراد السنة هم انسحبوا من
الإنتخابات.
ويكفينا اعتزازا وشرفا بالسيد على السيستاني بأنه طالب إخواننا
السنة بالمساهمة في الإنتخابات وأنه أيد إنتخاب أول رئيس للجمهورية
العراقية من الإخوة السنة العرب ألا وهوالسيد عجيل الياور. وهذا دليل
دامغ ضد تصريحات السيد عمروموسى وكل من قال بأن السنة مهمشون في العراق.
ثم جاءت مرحلة كتابة الدستور العراقي الدائم وإذا بالسيد عمرو موسى
وآخرين يحرضون بعضا من إخواننا السنة على عدم الإشتراك بكتابة الدستور
بحجج واهية.
وقد تمت ولله الحمد كتابة الدستور من قضاة وعلماء القانون العراقي
والدولي، والجميع يعرف التصريحات المريرة والمواقف السلبية التي خاضها
السيد عمرو موسى وما نشرته الصحف وبثته الفضائيات العربية من حملات
وأكاذيب ضد أول دستور يضمن كافة حقوق أبناء الشعب العراقي دون تمييز،
أعد من قبل العراقيين بأنفسهم لأول مرة في تاريخ العراق.
ثم أتى السيد عمرو موسى باسطوانة جديدة ورددها سياسيون آخرون
وروجتها بعض الصحف والفضائيات العربية ألا وهي المصالحة الوطنية.
كثر الحديث عن المصالحة الوطنية العراقية بعد سقوط طاغية بغداد
ونظام حزب البعث في التاسع من نيسان المبارك عام 2003، حيث قامت
القيادة الكردية بعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في كردستان العراق، كما
صرح المسئولون العراقيون أعضاء مجلس الحكم العراقي الإنتقالي في حينه
على لم الصفوف ورأب الصدع بين الأطراف والأحزاب السياسية الدينية
والعلمانية والقومية. وأيضا فتحت الحكومة العراقية الإنتقالية الحالية
أبواب الحوار مع كافة الفصائل السياسية والعشائر العربية لإصلاح ما
أفسده النظام البائد المخلوع. إلا أن فلول النظام ومخابراته وحرسه
الجمهوري وكذلك بعض الحركات الإسلامية المتطرفة وبدعم أيضا من بعض دول
الجوار العربية والإسلامية قامت بعمليات السلب والنهب والإغتصاب
والإختطاف وقتل المواطنين العراقيين والعرب والأجانب وحز رؤوسهم وتفجير
السيارات المفخخة في معظم مدن العراق لا سيما في الأشهر المحرمة عند
المسلمين وفي أيام الأعياد الإسلامية كما حصل في مجزرتي أربيل كردستان
العراق وكربلاء والكاظمية والنجف الأشرف وبغداد وبعقوبة والإسكندرية
والفلوجة والموصل وكركوك والبصرة وغيرها من المدن العراقية ولا زالت
تفعل ذلك.
وفي حكم القوميين والبعثين الذي دام أربعين سنة أي من يوم 8 شباط
1963 وحتى 9 نيسان الأغر 2003 قامت حكومات عبد السلام عارف وعبد
الرحمن عارف وأحمد حسن البكر وآخرها صدام حسين بسجن وتعذيب وإعدام وفي
الحروب قتل أكثر من أربعة ملايين نسمة معظمهم من الشيعة والإخوة
الأكراد وقليل من الإخوة السنة والتركمان وبعض أفراد القوميات الأخرى.
وكان سجن أبوغريب مسرحا للإغتصاب والتعذيب والقتل وكذلك في سجن النهاية
ونقرة السلمان وبقية السجون الوحشية في العراق. إستخدم النظام المقبور
مفرمة كبيرة ضخمة لفرم الإنسان بكامله في سجن الكاظمية ورمي لحمه
وعظامه في نهر دجلة للأسماك.
إستطاع المجرم صدام وبدهاء منقطع النظير إستمالة وشراء ذمم بعض
الحكام ورجال الأعمال والسياسيين والصحفيين العرب وبعض الفضائيات
العربية حتى انه قام بجلب ما يقارب المليون شخص من مصر والمغرب وفلسطين
وغيرهم للعمل في العراق وبعقود مغرية في الوقت الذي زج أبناء العراق
في محرقته أثناء عدوانه على الجارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
طوال ثماني سنوات، أحرقت حربه المجنونة الحرث والنسل وراح ضحيتها أكثر
من مليون ونصف شهيد ومعوق.
لم تحرك جامعة الدول العربية أي ساكنا، بل أن معامل الأسلحة المصرية
كانت تعمل ليل نهار لإنتاج العتاد والأسلحة وبيعها على العراق وعلى
حساب الشعب العراقي.
إستغرب العراقيون من تصريحات الدكتور عمروموسى بشأن المصالحة
الوطنية لأنه لم يذكر بالتحديد المصالحة مع من ؟
لماذا لم يسمي الأمور باسمائها ؟
فإذا كان قصده المصالحة مع بعض البعثيين القتلة الذين ساهموا بقتل
مئات الآلاف من الشيعة والأكراد والتركمان في أكثر من 300 مقبرة
جماعية اكتشفت لحد هذا التاريخ، فلماذا لم يذكر بصراحة المصالحة مع
البعثيين ؟
لا يوجد زعل بين الإخوة العراقيين، وإذا وجد خلاف بالآراء فهذا أمر
يخص العراقيين وحدهم، وهم قادرون على حل الخلافات فيما بينهم إذا
تركوا لوحدهم ولم يتدخل أحد في شؤونهم الداخلية، فانهم ليسوا بحاجة
إلى تدخل أجنبي في شؤونهم ليعلمهم كيف يجرون المصالحة فيما بين الإخوة
العراقيين.
وقد عقد رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني في حينه مؤتمرا
للمصالحة بين الأطراف العراقية.
على السيد رئيس جامعة الدول العربية أن يبقى محايدا في معالجة
الأمور في الدول العربية وإذا طلب منه إبداء النصيحة، باعتباره خبيرا،
من قبل الحكومة العراقية مثلا، فعنئذ يختلف الأمر، وسوف نكون له
شاكرين. أما إذا أراد من نفسه التدخل في الشأن العراقي، فإنه لا يجد من
الشعب العراقي الذي ذاق الأمرين إلا الرفض والإستنكار.
ثم ظهرت اسطوانة جديدة مفادها بأن إيران أرسلت أكثر من مليوني فرد
إلى العراق لإجراء الإنتخابات لصالح الشيعة. فلم تنطلي هذه الأكاذيب لا
على الشعب العراقي ولا على الشعوب العربية، وكلنا يعلم بأن البكر وعبد
السلام عارف وصدام هجروا حوالي أربعة ملايين عراقية وعراقي من
الشيعة العرب والأكراد الفيلية الشيعة إلى إيران بعد أن صادر نظام
البعث هوياتهم وجنسياتهم وأملاكهم. وقسم من المهجرين سافروا إلى دمشق
الشام في عهد المغفور له الرئيس حافظ الأسد. وبعد تحرير العراق من
النظام المخلوع عاد الآلاف من العراقيين الشيعة العرب والإخوة الأكراد
الفيلية إلى مدنهم ومنازلهم وحصلوا على هوياتهم بعد أن قدموا شهادات
الجنسية أو العثمانية أوالولادة وغيرها من المستمسكات الرسمية الباقية
بعد الإعتماد على سجلات مديريات السفر والجنسية والإقامة في المدن
العراقية.
إذن لا يمكن إعتبار المواطنين العراقيين المهجرين الذين عادوا من
إيران إلى وطنهم العراق بأنهم إيرانيين.
إذن هناك مؤامرة رهيبة ضد الشعب العراقي ربما أعدت خيوطها من قبل
السيد عمروموسى وبعض الأطراف العربية من أجل قتل الشعب العراقي
والقضاء على المكاسب الديمقراطية والحرية التي حصل عليها من خلال
تضحياته الجسيمة، لإثارة الحرب الأهلية لا سمح الله بين الإخوة السنة
والشيعة وبين الشيعة والشيعة وربما بين الإخوة الأكراد أنفسهم وبين
التركمان. نستنتج ذلك من خلال نقول أن الحكومة العراقية بصفة
ديبلوماسية ترحب بكل مسؤول عربي رسمي يتوجه إلى العراق بحسن النية
والإخوة، ولكن الشعب العراقي بصراحة لا يرحب بقدوم عمرو موسى إلى
العراق مالم يقدم له وإلى أهالي ضحايا المقابر الجماعية من الشيعة
والأكراد والتركمان وغيرهم إعتذارا عن صمته وأخطائه وتصريحاته
ومواقفه السلبية التحريضية السابقة الجارحة لمشاعر العراقيين.
فالإعتراف بالخطأ فضيلة، وان المسامح كريم.
ألمانيا
adnan_al_toma@hotmail.com |