المزيج الطائفي المضطرب في كركوك اختبار لدستور العراق

تأمل الحكومة العراقية والامريكيون المساندون لها في أن يساعد الاستفتاء المقرر يوم السبت المقبل على الدستور الجديد في توحيد البلاد لكن تحدي معالجة التوترات العرقية والطائفية في مدينة كركوك يبدو أكثر وضوحا منه في أي مكان اخر.

والمدينة التي تطفو فوق أحدى أكبر بحيرات النفط في العالم يتنازع الاحقية بها ثلاث جماعات عرقية وهم الاكراد والتركمان والعرب.

وقبل يومين من الاستفتاء يقول كثير من الناخبين في كركوك انهم سيدلون باصواتهم على اسس عرقية وطائفية بحتة كوسيلة لتأمين مصالح جماعاتهم.

ومثل هذه النتيجة لا تبشر بخير لمستقبل كركوك التي نحي الحديث عن وضعها النهائي جانبا حتى بعد المصادقة على الدستور والتي يقول مراقبون ان الخصومات الطائفية تجعل منها منطقة محتملة لاشعال حرب أهلية .

وقال زمان خورشيد وهو معلم كردي ان جميع الاكراد سيصوتون لصالح هذا الدستور ومنهم هو نفسه لانه نتيجة كفاحهم.

واضاف ان هذا الدستور سيضمن حقوق الاكراد وانه هو أفضل انجاز للحركة الكردية التي قال انها قدمت مئات الالاف من الشهداء في طريقها للوصول الى هذا اليوم.

ويريد الاكراد الذين يتهمون الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بتعريب كركوك بتوطين مهاجرين عرب من الجنوب أن تكون المدينة جزءا من منطقة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي والتي تبدأ حدودها بعد 20 كيلومترا فقط من شمال وغرب المدينة.

وفي المقابل يتهم العرب الاكراد بتكديس المدينة بأبناء عرقيتهم للتحايل على احصاء منتظر وباجبار غير الاكراد على مغادرتها. ويرفض العرب بشدة المزاعم بان كركوك جزء من كردستان.

وعكس محمد خليل مخاوف كثير من العرب السنة في انحاء العراق من ان الدستور سيقسم البلاد وقال انه سيصوت ضد الدستور الذي يدعمه الشيعة والاكراد.

وقال خليل ان العرب سيشاركون بكل تأكيد في الاستفتاء وانهم دعوا الناس الى المشاركة ولكنه اضاف انهم سيرفضون هذا الدستور لانه يدعم الطائفية وسيقسم العراق.

وقال المهندس التركماني طارق الصيرفاتشي انه سيصوت ايضا "بلا". ويزعم التركمان أيضا أن لهم حقوق تاريخية في المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة.

وأضاف الصيرفاتشي انه سيشارك ويقول "لا" الف مرة وأن ذلك يرجع لكون الدستور لا يلبي طموحات ثالث أكبر مجموعة عرقية في العراق وهم التركمان.

وقال ان التركمان سيرفضون هذا الدستور.

وفي الوقت الذي يعتزم فيه اغلب السكان في كركوك المشاركة في الاستفتاء الا ان البعض يقولون انهم سيقاطعونه تماما. ويرى بهمان عبد القدير وهو طالب بمدرسة دينية تابعة للعرب السنة انه لا طائل من وراء الاستفتاء بسبب التدخل الاجنبي في العراق.

وقال انه لن يشارك في هذا الزيف ما دام على قيد الحياة. واعتبر ان "المحتل" هو من كتب الدستور ثم دعا العراقيين للتصويت عليه.

واضاف ان "المحتلين" سيمررون ما يريدونه سواء أصوت العراقيون "بنعم" أم "بلا".

ويبذل زعماء الشيعة والاكراد قصارى جهدهم لإظهار صورة من صور الوحدة الوطنية بعد أن نجحوا في ضم حزب واحد من الاحزاب السنية لتأييد الدستور.

وسارع سفراء دول غربية بالاشادة بالاتفاق الجديد الذي تم التوصل اليه في اللحظة الاخيرة قبل بضعة أيام من الاستفتاء على الدستور المقرر اجراؤه يوم السبت القادم.

ولكن الابتسامات والاحضان والكلمات المفعمة بالتفاؤل حجبت توترات طائفية وسياسية تعتمل تحت السطح.

لكن في بلد لطخته الدماء يستعد لمواجهة استفتاء على دستور جديد ومحاكمة صدام حسين واجراء انتخابات جديدة يبدو واضحا ان التعديلات التي ادخلت على الدستور لن تغير موقف المسلحين الذين يقاتلون الحكومة.

على السطح يبدو الوضع مشجعا داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين التي تحميها جدران ضخمة من هجمات المفجرين الانتحاريين.

وجلس الرئيس الكردي جلال الطالباني بجوار رئيس الوزراء الشيعي ابراهيم الجعفري على منصة وتبادلا الابتسامات بقاعة شاسعة كانت يوما مخصصة لحزب البعث المنحل.

ولكن الرجلين مثلهما في ذلك مثل كثير من القادة الاخرين الذين جمعهم في باديء الامر معارضتهم لصدام كانا قد تبادلا الاتهامات علنا في خضم الجهود المطولة التي بذلت لكسب تأييد السنة لمسودة الدستور في محاولة لاخماد التمرد السني.

وحتى الان لم تفلح التنازلات التي قدمها الشيعة والاكراد سوى في الفوز بدعم الحزب الاسلامي العراقي. ومازالت باقي الجماعات السنية الاخرى تعارض الدستور بشدة وحتى اذا خففت موقفها ليس من الواضح مدى تأثير ذلك على غلاة المتمردين.

وقبل اعلان تعديلات الدستور أقيمت وجبة افطار رمضانية لاعضاء البرلمان. واستمتع نسوة شيعة يرتدين الحجاب ورجال يرتدون بزات رسمية ووجهاء قبائل مسنين بأطباق السمك واللحم والدجاج.

وقال طبيب الاطفال الشيعي تكليف دانه انه يأمل ان يؤدي الاتفاق الى كسب تأييد السنة. ولكنه شدد على أن الاجراءات الصارمة فقط هي التي يمكن أن تحقق نتائج ضد المتمردين السنة.

وقال دانه بينما جلس الى جواره أحد زعماء القبائل الشيعية وهو ينفث دخان سيجارته "لابد من قتلهم. حتى هؤلاء الموجودين بالسجن لابد أن يقتلوا لا أن يعاقبوا (فقط)."

وعلى بعد عدة طاولات جلس مجموعة من النسوة قلن انهن من السنة وقد بدت عليهن البهجة والتفاؤل تجاه الدستور وقلن ان هويتهن الدينية لن تمنعهن من الرغبة في عراق موحد.

ولكن هؤلاء النسوة اعترفن في وقت لاحق بأنهن من الاكراد السنة وليس من طائفة العرب السنة التي تشعر بارتياب كبير تجاه الدستور. وما ان تحول الحديث الى الطالباني حتى جلجلت ضحكاتهن في بهجة وأبدين تأييدهن لنفوذ كردي قوي في العراق الجديد.

وقالت احداهن وتدعى منيرة "هناك رجل واحد يمكن أن يكون رئيسا للعراق وهو جلال الطالباني".

ومع ذلك يبقى هناك مجال للتفاؤل. فقد جلس أحد الموظفين بمبنى الجمعية الوطنية طوال الكلمات التي ألقاها ستة مسؤولين وبجواره ابناؤه الثلاثة الصغار.

وقال ناصر عبد المسيح "جئت بهم الى هنا لاني أريدهم أن يعرفوا أن أمامهم مستقبل مشرق ... لايوجد ارهاب داخل هذا المبنى."

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 14/ تشرين الأول/2005 -  10/ رمضان/1426