السياسة محور الحديث على موائد الافطار في العراق

عندما جلست أسرة عبد القادر إلى مائدة الافطار في أحد أيام هذا الاسبوع لم يمض وقت طويل قبل أن يتحول الحديث الى السياسة حتى قبل أن يفرغ الصائمون من حساء العدس.

وقالت سعاد عبد القادر وهي أم لطفلين ومدرسة لغة انجليزية في جامعة المستنصرية في بغداد بعد أن اطمأنت الى أن الجميع يأكلون "لا ارى جدوى من الادلاء بصوتي."

وأضافت "لا أرى أن هذه الممارسة السياسية أو أيا كان ما يطلقون عليها قد أتت بالكثير. في بعض الاحيان افكر انهم جاءوا بهذه الامور مثل الانتخابات والاستفتاء لمجرد أن يقولوا إنها حدثت لكن شيئا لن يتغير."

وجلس والدها وهو طبيب متقاعد يحتسى حساءه في هدوء وبدا أكثر ميلا للانتقال للصنف الآخر الذي تعمر به مائدة الافطار وهو لحم الضأن والارز البرياني. وقالت ابنته في وقت لاحق إنه لن يدلي بصوته في الاستفتاء على الدستور الجديد يوم السبت المقبل.

وقالت "إنه يبلغ من العمر 74 عاما وقلبه ضعيف لذلك لا يحب الخروج من المنزل. ووالدتي لن تذهب هي الاخرى... الذهاب خطر."

ومن المتوقع أن يصوت الملايين في الاستفتاء الذي يمثل الخطوة التالية الضرورية في تحول العراق إلى الديمقراطية الذي تشوبه حالة من عدم التيقن لكن الكثيرين سيفعلون ذلك وهم خائفون من تهديدات بهجمات للمتشددين ومن أثر نتيجته على البلاد.

ويتغلب الخوف على ملايين آخرين ويمنعهم من الادلاء باصواتهم.

وعائلة عبد القادر أسرة ميسورة الحال من الطبقة المتوسطة تعيش في منطقة راقية في غرب بغداد تتسم بالهدوء عادة رغم ان المقاتلين ينشطون احيانا اثناء الليل فيهاجمون القوات الامريكية والعراقية.

وبدخل يبلغ حوالي الفي دولار شهريا أدخلت الاسرة الطفلين مدارس جيدة واشترت كمبيوتر موصل بالانترنت واربعة هواتف محمولة واحد لكل فرد باستثناء الجد والجدة ويمكن اعتبارها اسرة نموذجية في العراق الجديد.

لكن الاضطرابات في الاعوام القليلة الماضية ليس فقط منذ ان أطاحت القوات الامريكية بحكم صدام حسين واندلاع التمرد بل خلال الاعوام الاخيرة من عهد النظام السابق تركتهم وقد أفاقوا من الاوهام بل ووصلوا إلى حالة من اليأس.

وقالت سعاد وهي تحكم غطاء رأسها الازرق الفاتح حول وجهها في حين يعرض ابنها خليل (11 عاما) صورة لجنيفر انيستون نجمة هوليوود على جهازه المحمول الجديد "كل يوم أفكر في أن الامور قد تتحسن لكنها لا تتحسن بل يزداد سوءا."

وتابعت "لا أرى بصيص ضوء في نهاية النفق. كنت اراه لكنني لم أعد اراه. لا يمكن تصور كم أشعر بالقلق على طفلي.. ابني وابنتي. اشياء كثيرة مروعة تحدث حتى للاطفال."

وعندما سافرت الاسرة في الفترة الاخيرة لقضاء عطلة في الاردن في أول خروج لهم من العراق أوقفهم ملثمون بتهديد السلاح على الطريق السريع خارج بغداد. وسرقت أموالهم وحقائبهم وتركوا في حالة من الفزع.

وهذا الاسبوع كانت سعاد وعدد من زملائها في الجامعة يناقشون ماذا سيفعلون بشأن الاستفتاء وهو جزء مهم في خطة واشنطن لاقرار نظام ديمقراطي مستقر في العراق.

وقالت ان أغلبهم سيصوتون بالموافقة على الدستور المفترض ان يوحد البلاد لكن يخشى العديد من الاقلية السنية العربية أن يعمق الانقسامات الطائفية مع الاغلبية الشيعية.

وسعاد سنية ملتزمة لكنها تقول إن ذلك لا علاقة له بمشاعرها تجاه الدستور الذي لم تتح لها فرصة قراءته لانها لم تصلها نسخة منه والذي تعتقد ان قلة كتبته لتخدم مصالحها.

وأضافت "مما سمعت ينطوي الدستور على افكار غير عادلة بالنسبة للمرأة وهناك أمور وضعت فقط لخدمة مصالح جماعات معينة. انه ليس ما سيوحد العراق هذا ما أنا واثقة منه."

ويقول زوجها وليد إنه سيصوت على الارجح خاصة وانه ستكون هناك لجنة اقتراع لا تبعد سوى 200 متر عن منزلهم مما يقلل المخاطر. لكن سعاد ظلت غير مقتنعة.

فقد تخلصت وكذلك زوجها من الاوهام فيما يتعلق بأحاديث السنة والشيعة ذات النبرة التهديدية التي تتردد في البلاد بشكل لم يكن يحدث من قبل.

وعندما تزوجا عام 1990 لم يكن اي منهما يعلم طائفة الاخر. واتضح انهما من السنة لكن شقيقتي الزوج اختارتا الانتماء للشيعة.

وقالت سعاد "في الجامعة العديد من التلاميذ ينقسمون الى مجموعات طائفية فهذه مجموعة السنة وهذه مجموعة الشيعة هذا حقيقة أمر سيء. إنهم لا يركزون على الامور التي يتعين عليهم التفكير فيها.. دراستهم."

ودفع القلق المتزايد من العيش في العراق وخوف سعاد الدائم من التعرض لسيارة ملغومة أو تعرض زوجها طفليها لذلك الاسرة للتفكير في الانتقال للعيش بالخارج.

ويفكرون في قطر أو دبي لكن ليس من السهل الحصول على تأشيرة دخول وليس هناك ما يضمن توافر فرص عمل كما أن تكاليف المعيشة مرتفعة في الاغلب بالمقارنة بالعراق.

وقالت سعاد وهي تقدم الفاكهة والشاي بعد الافطار "هذه هي مشكلة العراق... إنه مكان يصعب للغاية العيش فيه كما تصعب مغادرته."

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 14/ تشرين الأول/2005 -  10/ رمضان/1426