يتوجه ملايين العراقيين الى صناديق الاقتراع بعد ستة أيام للادلاء
بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور الجديد فيما قد يكون أهم اختبار
للمشروع الامريكي في العراق منذ عام 2003.
ويلوح في أفق الاستفتاء الذي يجرى يوم 15 اكتوبر تشرين الاول سؤالان
يتعلقان باحتمال رفض الوثيقة كما يخشى قليلون في بغداد وواشنطن وبما
سيترتب من نتائج بعد التصويت على الدستور الذي يهدف الى توحيد الدولة
المنقسمة وتغيير شكلها.
ويجرى حاليا اتخاذ اجراءات امنية مشددة منها حظر التجوال ليلا
وإغلاق الحدود الدولية كما سيقوم اكثر من 200 الف من قوات الجيش
والشرطة العراقيين وقوات الامن الاجنبية بحماية ستة الاف من مراكز
الاقتراع.
واتخذت اجراءات مماثلة في يناير كانون الثاني عندما تحدى اكثر من
ثمانية ملايين عراقي تهديدات المسلحين وادلوا باصواتهم في اول انتخابات
تشهدها البلاد بعد صدام حسين. وشهدت فترة الاستعداد للاستفتاء موجة
مماثلة من عنف المسلحين.
ومن المتوقع ان يخرج الشيعة والاكراد اللذين يسيطرون على الحكومة
ويمثلون معا نحو 80 في المئة من السكان باعداد كبيرة للتصويت والموافقة
على الوثيقة التي اقترحها قادتهم وصيغت بحيث تلائم مطالبهم الى حد بعيد.
وعلى الجانب الآخر يتوقع ان يقوم العرب السنة الذين يمثلون 20 في
المئة من السكان والذين وجدوا أنفسهم الان مهمشين سياسيا بعد ان قاموا
بدور مهيمن ابان حكم صدام حسين بكل ما في وسعهم لاسقاط الدستور الذي
يعتبرونه منحازا ضدهم.
وسيعتمد الدستور اذا قال اكثر من نصف الناخبين "نعم" واذا لم يرفضه
ثلثا الناخبين في ثلاث على الاقل من المحافظات العراقية وعددها 18
محافظة.
وأضيف البند الخاص برفض ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات الى الدستور
المؤقت بناء على طلب الاكراد الذين ارادوا ان يكون لهم حق اسقاط
الدستور الدائم اذا لم تسر المحادثات وفقا لما ينشدون.
لكن العرب السنة هم الذين سيحاولون الان استخدام هذا البند لهزيمة
الدستور الذي يقولون انه يكفل صلاحيات كبيرة للاكراد في الشمال والشيعة
في الجنوب حيث توجد الثروة النفطية وهو ما يترك للسنة بقايا دولة في
الوسط.
وكتب المحلل ادم ولف اخيرا في باور اند انترست نيوز ريبورت
"الاحتمالات الخاصة بمستقبل العراق تتوقف الان الى حد بعيد على رد فعل
العرب السنة بشأن الدستور."
واضاف "قرار الشيعة والاكراد طرح الدستور للاستفتاء دون تأييد قادة
العرب السنة اتخذ على اساس الافتراض ان السنة لن يتمكنوا من هزيمته."
وثمة احتمال لكنه غير مرجح لان يتمكن العرب السنة الذين يتمتعون
باغلبية كبيرة في ثلاث محافظات على الاقل من اسقاط الدستور بفارق صغير
اذا اقبلوا باعداد كبيرة على التصويت مع ضعف اقبال الشيعة والاكراد في
تلك المناطق.
ويسود الانقسام بين السنة انفسهم حول تحديد افضل السبل للتصدي
للاستفتاء. ودعت بعض الجماعات يوم السبت الى مقاطعة كاملة على أمل نزع
صفة الشرعية عن الاستفتاء.
وقالت جماعات أخرى تمثل الاغلبية بين السنة انه ينبغي تشجيع
الناخبين على المشاركة والتصويت "بلا". وفي النهاية اتفق الجانبان على
حث اتباعهما على معارضة الدستور بالطريقة التي يعتقدون انها الافضل
لتحقيق ذلك.
أما اللغز الغامض فيتمثل في رجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر.
ويعارض الصدر كثيرا من بنود الدستور حيث يرى انها تعهد بسلطات كبيرة
للمناطق وتضعف الدولة وقد تفتت البلاد الى دولتين صغيرتين كردية
وشيعية.
وحث أنصار الصدر في مساجد البصرة أتباعهم يوم السبت على التصويت
"بلا" يوم 15 أكتوبر تشرين الاول لكن الصدر نفسه لم يعلن عن موقفه اذ
يخشى فيما يبدو اهتزاز وضعه اذا أيَد التصويت "بلا" وتم إقرار الدستور.
واذا تلقى الملايين من اتباعه في بغداد ومحافظة ميسان وهي أفقر
محافظات العراق وتقع في جنوب شرق البلاد على الحدود مع ايران رسالة
تطلب منهم التصويت "بلا" فقد يعزز ذلك كثيرا امكانية هزيمة الدستور.
واذا اعتمد الدستور فسيتم التصديق عليه وتجرى انتخابات لاختيار
حكومة لفترة كاملة بحلول 15 ديسمبر كانون الاول.
وفي حالة عدم اقراره فسيتم حل البرلمان وتجرى انتخابات لاختيار
برلمان جديد بحلول 15 ديسمبر كانون الاول. وسيتعين على البرلمان الجديد
وقتها العمل على اعداد دستور جديد لطرحه في استفتاء عام في اكتوبر
تشرين الاول 2006.
ويتوقع بعض المحللين ان يتفاقم التمرد السني اذا لم يتمكن السنة من
اسقاط الدستور في الاستفتاء وتم تجاهل اعتراضاتهم.
وقال ناثان براون الخبير في الدساتير العربية لمجلس العلاقات
الخارجية الاسبوع الماضي "ما نشهده هو حرب اهلية تزحف على البلاد."
واضاف "لا اعتقد ان الاستفتاء على الدستور سيكون دافعا خاصا لتفاقم
الوضع لكنه لن يجعل الامور افضل مما هى عليه باي حال من الاحوال."
بدوره اكد ليث كبة الناطق باسم رئيس الوزراء العراقي ابراهيم
الجعفري الاحد ان الدعوات لمقاطعة الاستفتاء على مسودة الدستور المقرر
تنظيمه في 15 من الشهر الحالي تبدو غير ناجحة.
وقال كبة في مؤتمر صحافي في بغداد "لحد الان لم تنجح اي دعوة
للمقاطعة وهذا امر مريح فبالنسبة للحكومة العراقية المشاركة في عملية
الاستفتاء هي الاساس".
واضاف "نتيجة عملية الاستفتاء + نعم او لا + ليست هي الاهم ولكن
المهم جدا هو ان نفهم ونجعل المواطنين يدركون بانه في الحالتين تعتبر
النتيجة نجاحا للعملية السياسية".
واعتبر انه "يجب التعامل مع اي نتيجة بمسؤولية عالية بصفتنا ابناء
العراق ومصرون على ان يحكمنا قانون يؤمن مصلحة العراق على طريق السلام
واللاعنف".
واضاف "اذا كانت نتيجة الاستفتاء +نعم+ نستمر ونعالج مخاوف الاخرين
واذا كانت +لا+ نعيد كتابة الدستور بطريقة تضمن مشاركة جميع ابناء
العراق".
ومن جانبه اعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في مقابلة مع
مجلة "صنداي تلغراف" البريطانية ان العراق قد يقع في "فوضى شاملة" اذا
ما رفض الدستور الجديد في الاستفتاء المقرر في 15 تشرين الاول/اكتوبر.
وقال "اذا ما تمت الموافقة على الدستور يمكننا ان نجري انتخابات في
كانون الاول/ديسمبر وانتخاب حكومة تمثل الشعب العراقي تمثيلا تاما.
والبديل هو الفوضى الشاملة".
ودعا ممثلو احزاب ومنظمات عراقية معظمها سنية معارضة لمسودة الدستور
الى "رفض الدستور بكافة الوسائل المشروعة".
هذا وقد فشل زعماء السنة في الاتفاق على كيفية معارضة الدستور الذي
تسانده الولايات المتحدة بعد اجتماعهم في مسجد في بغداد يوم السبت حيث
قالوا انهم يأملون ان من يقررون من الناخبين المشاركة في الاستفتاء ان
يصوتوا "بلا".
وكشف غياب الاجماع في هذا الشأن النقاب عن انقسامات في اوساط السنة
اذ تصر بعض الجماعات على مقاطعة الاستفتاء لتجريده من الشرعية وتقول
جماعات اخرى ان تصويت السنة باعداد كبيرة بالرفض هو السبيل الوحيد
لهزيمته بالطرق السليمة.
وقال حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين وهي احدى الجماعات
السنية التي تشارك في الجدال بشأن الاستراتيجية قبل استفتاء 15 من
اكتوبر "نحن لا نحث الشعب العراقي على المقاطعة او عدمها."
واضاف لرويترز "اننا نحثهم على فعل كل ما في وسعهم بطريق شرعي لرفض
مسودة الدستور" تاركا لاتباعه الاختيار بين التصويت بلا او البقاء في
منازلهم.
جاء اجتماع السنة فيما أعلنت القوات الامريكية أنها اتمت عملية
مستمرة منذ أسبوع في أقصى غرب العراق لتأمين المنطقة قبل الاستفتاء على
الدستور وأنها قتلت أكثر من 50 مسلحا اثناء العملية قرب الحدود
السورية.
ويتعرض العراق لحملة مكثفة من التفجيرات والهجمات الانتحارية من قبل
المسحلين في فترة الاستعداد لاجراء الاستفتاء.
وهناك نحو 15 مليون عراقي مسجلين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور
الذي وضعته الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والاكراد.
ويؤلف العرب السنة نحو خمس سكان العراق وهم اغلبية في ثلاث على
الاقل من محافظات البلاد ومن ثم فان لديهم فرصة ضئيلة لهزيمة الدستور
اذا استطاعوا اقناع أتباعهم بالمشاركة باعداد كبيرة في الاستفتاء في
تلك المناطق.
ويعارض السنة الدستور ويقولون انه يمنح الشيعة والاكراد الكثير من
السلطات ويسمح لهم باقامة مناطق فدرالية في الشمال والجنوب حيث توجد
ثروات العراق النفطية.
ومن المقرر ان يشرف بضع مئات من المراقبين بعضهم من الجامعة العربية
على الاستفتاء الذي سيكون أكبر جهد منظم يقوم به العراق منذ انتخابات
يناير كانون الثاني عندما أدلى أكثر من ثمانية ملايين شخص بأصواتهم. |