مؤسسة الجامعة العربية افتقرت لآليات عمل متينة توصلها للعب دور
إيجابي في مختلف القضايا والمنعطفات الخطيرة التي حلت بالأمة العربية،
الأمر الذي عزل هذه الجامعة عن قضايا الشعوب العربية المصيرية وسجلها
في أحسن الأحوال كمؤسسة حكومية تخضع لإرادة الحكام والرؤساء العرب ولا
يمكنها أن تحيد عن رغباتهم..
قد يرى البعض أن الجامعة العربية هي من صنع الحكومات وبالتالي
لايمكن لها أن تلعب أي دور خارج إطار الرغبات السامية لملوك وقادة
الأمة العربية.. وقد يقول آخر أن الشعوب تريد من الجامعة أكثر مما تقدر
على القيام به، وهنا يمكن التوصل إلى منطق مقبول لمعرفة هذه الجامعة..
هل هي جهة لتنسيق المواقف العربية والوصول بها إلى خيار مشترك، أم هي
مرآة تعكس رغبات كل حكومة. أم هي جهة مستقلة تضم خبراء في مختلف
المجالات يهتمون بأكاديمية بالغة بمختلف القضايا الحساسة التي تهم
الدول والشعوب العربية؟.
الواضح من معاينة تاريخ هذه الجامعة القريب أنها لم تقو على
المبادرة في أي معترك بل كان أمناؤها العامون يدعون ليتلقون
توجيهاتهم من حكومات الدول المتنفذة في الواقع العربي، ونقصد بالمتنفذة
ماديا ومعنويا كمصر والسعودية وبعض دول الخليج، وهكذا ظلت الجامعة حكرا
لهذه الدول على الرغم من أن ميثاق العمل فيها قد نص على أنها أسست بناء
على رغبة الشعوب العربية في 1945.
لقد ترأس الجامعة العربية منذ نشأتها ستة أمناء وهم بالترتيب حسب
الأقدمية:
1-عبد الرحمن عزام (1945-1952) : هو أول أمين عام لجامعة الدول
العربية. ولد في العام 1893 بمحافظة الجيزة بمصر.
2- محمدعبد الخالق حسونة (1952 -1972) : ولد بمدينة القاهرة (1898.
3- محمود رياض (1972 -1979) : ولد في مصر عام 1917. وتخرج ضابطا في
الكلية الحربية (1936). ورأس الوفد المصري في لجنة الهدنة المشتركة
المصرية-الإسرائيلية (1949-1952).
4- الشاذلي القليبي (1979-1990): ولد بمدينة تونس (1925).
5- د. أحمد عصمت عبد المجيد (1991-2001) : ولد بمدينة الإسكندرية
(1923). وبعد أن تخرج من كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية (1944)
6- عمرو محمود موسى (2001 - حاليا) : من مواليد 3 أكتوبر 1936
بالقاهرة..
كما هو واضح من مراجعة بعض المعلومات العامة حول أمناء الجامعة
العربية يتأكد أن خمسة منهم كانوا من دولة واحدة وهي مصر، وهكذا جسدت
الجامعة العربية أهم صفة في أنظمة الحكم العربية وهي وراثة الحكم،
فسيطرة دولة واحدة على مقعد الأمانة العامة وكأنها حكر على مصر دون
سواها، وبالتالي خضعت الجامعة برمتها لتوجهات الحكومات المصرية لأمرين
هامين الأول: أن أمناءها المصريين كانوا خريجي مدرسة السياسة
المصرية،فتشابه لديهم المتبنى والأداء وثانيا لأن النظام في مصر نظام
شمولي وبالتالي لا يمكن لعمرو موسى أو الذين سبقوه أن يلعبوا خارج
الإطار السياسي الذي تتبناه الحكومات المصرية، بدليل أن الجامعة
العربية لم تجرؤ في يوم ما على انتقاد نظام صدام حسين بجدية رغم خطاياه
ومساؤه لأن لهذا النظام أفضالا على مصر ليس محل تعدادها الآن..
اليوم وقد جاءت الجامعة العربية بحقائبها إلى بغداد بعد خراب
البصرة، فهل تقو على لعب دور مؤثر فيه.. ببساطة لايمكن توقع الكثير من
تدخل الجامعة العربية، للأسباب التي مرت، ولأنها تدخلت بعد دعوات
استغاثة من أطراف عراقية معينة.ز لم تتدخل الجامعة العربية حين بدأ
الدم العراقي ينزف.ز لم يحرك هذا الدم مشاعرها وحرصها المفترض على
سلامة الشعوب العربية.. لم تواس العراقيين بكلمة واحدة وهم يشيعون
شهداءهم كل يوم.. لكنها جاءت بعد انتقادات شديدة وجهت لها من سنة
العراق، وبالتالي يحق للبعض أن يرى في التحرك العربي الجديد مشروعا
لهيئة علماء المسلمين أو الحزب الإسلامي العراقي ..
بالطبع يتمنى العراقيون أن تقوم الجامعة بدور إيجابي لكل العراقيين
وتفتح صفحة جديدة من التواصل معهم وهم بحاجة لهذا الانفتاح، ولكن هل
ستفعل الجامعة ذلك؟!
الأيام القليلة القادمة حاسمة ومصيرية، فإما مودة ووئام ومصالحة
حقيقية مع الجامعة وإما قطيعة طويلة وربما عنيفة.. وعلى السيد عمرو
موسى أن يختار.. |