خبير أمريكي في حوار: العنف سوف يستمر حتى مع اعتماد الدستور الجديد.. كتابته الأصعب والأعقد

كلارك لومباردى Clark Lombard أستاذ مساعد للقانون بجامعة واشنطن وخبير في الشريعة الإسلامية والقانون الدستوري. وخلال الشهور القليلة القادمة يقترب الكاتب من الانتهاء من كتابة كتاب جديد له عن "دور الشريعة الإسلامية في القوانين المصرية المعاصرة". وهذا نص مقابلة أجراها معه برنارد جويرتزمان من مجلس العلاقات الخارجية نشرها تقرير واشنطن .

 

سؤال: ماذا تعتقد بخصوص ما تم إنجازه حتى الآن بشأن الدستور العراقي؟

لومباردي: واجهت لجنة إعداد مسودة الدستور الكثير من العثرات في طريق إعداده، منها تغيب الأعضاء السنة عن المناقشات التي كانت تعقد بصفة دورية. وبصفة عامة تعتبر عملية صياغة الدستور عملية عسيرة. والدستور الذي نحن بصدده يمر بظروف بالغة الصعوبة وتحت ضغوط زمنية وسياسية غير عادية. والأمر يتطلب تدخلا من المجتمع الدولي لتوفير المساعدة اللازمة. وأتوقع أن تكون هذه العملية "كتابة الدستور" هي الأصعب من نوعها مقارنة بحالات الأخرى في ظروف مغايرة. ويمكن اعتبار ان هذه المرحلة من صياغة مسودة الدستور قد مرت بشكل جيد في ظل هذه الظروف الصعبة.

سؤال: إذا ما وافق الشعب العراقي على مسودة الدستور، هل سيكون لذلك أي تأثير على المتمردين؟

لومباردي: من الصعب التكهن بذلك، فالأمر يعتمد جزئياً على مدى قوة الاتفاق الذي توصلوا إليه وإذا كان ذلك الدستور – هو نتيجة ضغط كبير ولا يعكس دعما حقيقيا من الفئات العراقية المختلفة، فسوف تستمر الانقسامات موجودة في المجتمع العراقي. وإذا افترضنا وجود المساندة وجميع العوامل الأخرى فلابد من إجراء استفتاء شعبي في أكتوبر القادم. وسوف تكون الفرصة مواتية للمتمردين لأحداث خلل في قيام الدولة العراقية وأعتقد انهم سيبذلون قصارى جهدهم لأحداث الفوضى في أكتوبر القادم.

وسواء أعتمد الدستور أو لم يعتمد، فلابد من عقد انتخابات أو عدة انتخابات لمجلس جديد في ديسمبر/كانون اول وهذا الوقت الذي يمكن فيه إحداث الفوضى أيضاً وهذا احتمال قائم لأن الدستور سيطرق على العديد من القضايا الصعبة.

ونحن لا نعلم بالضبط صيغة هذا الدستور ولكننا نعلم أنه سوف يتطرق لبعض القضايا الصعبة ويترك حلها للتشريع القادم في المستقبل.

وبكل بساطة سوف يقول الدستور الجديد أن هناك قضايا هامة لابد من حسمها بواسطة القانون في البرلمان العراقي والذي سينتخب في البرلمان – إذا افترضنا سير الأمور على ما يرام سوف يكون له أكبر تأثير في مستقبل العراق. وبرغم أهمية هذه الانتخابات بالنسبة للعراقيين أرجح أن تصبح مصدراً آخرا للصعاب لتركيز المتمردين عليها، ولذلك فإنني أرى أن العنف سوف يستمر في العراق للأسف الشديد لفترة من الوقت ليست بالقصيرة.

سؤال: ماذا عن القضايا الرئيسية التي نعرف أنها موجودة في مسودة الدستور؟

لومباردي: على مدار الفترة التي تم فيها كتابة مسودة الدستور وخاصة الأسبوعين الآخرين منها، ظهرت تسريبات من المشاركين في صياغة المسودة تركزت على وجود ثمانية عشرة قضية مفتوحة للمناقشة. وهذه القضايا بعضها أكثر أهمية من غيرها، وهناك قضايا رمزية وقضايا آخري لها عواقب حقيقية، وعلى هذا الأساس لا تتساوى الثمانية عشرة قضية.

سؤال: هل تم الاتفاق على الاسم الرسمي للبلاد (العراق)؟

لومباردي: حسب أفضل المصادر التي أستقى منها معلوماتي فإن هذا الاسم الرسمي للبلاد تم الاتفاق عليه، وإن لم يعلن بعد. وترجع أهميه موضوع الاسم أكثر للناحية الرمزية، واسم الدولة رغم كونه قضية هامة لم ولن يمنع العراقيين من الجلوس لمناقشة القضايا الرئيسية الأخرى.

بعض القضايا المثارة من العمق والاتساع بمكان، أستدعت ضرورة إدخالها كأجزاء أساسية في الدستور. ولهذا لابد من صياغة الدستور بما يتفق مع الحلول التي توصلت إليها اللجنة بخصوص تلك القضايا.

سؤال: ما هي هذه القضايا الرئيسية ؟

لومباردي: الدين هو أحد هذه القضايا، وبعض الناس يعتقدون أن المهم في هذه المرحلة هو الصيغة المحددة التي بواسطتها تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للقانون. ومن الواضح أن الدستور العراقي سوف يجعل من الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر القانون أو المصدر الرئيسي للقانون. وبكل صراحة أعتقد أن اللغة التي يختارونها ليست بالأهمية بمكان، ولكن هناك بعض النواحي التي سوف يعتبر دور الإسلام فيها في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع العراقي. هناك على سبيل المثال نزاع حول قانون الأسرة أو ما يعرف بقانون الأحوال الشخصية، وهذا النزاع يدور حول كيفية تعامل محاكم القضاء مع قضايا الأسرة وتطبيقها لمنظومة من القوانين تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية أو تطبيقها لأحكام تتفق وحالة كل عراقي، كل حسب تقاليده الإسلامية أو المذهب الذي ينتمي إليه أو المدرسة التشريعية التي ينتمي إليها ولهذا قد توجد اختلافات جوهرية.

سؤال: بمعنى آخر هل سيجد الشيعي العلماني نفسه يعيش في ظل قوانين دينية صارمة؟

لومباردي: هذا صحيح، ولكن قد تسير الأمور في الاتجاه الآخر حيث يوجد شيعة يرغبون في الخضوع لنظام شيعي صارم، بينما القانون المطبق هو مجموعة من الشرائع الإسلامية الوسطية التي تتفق مع كافة المسلمين بغض النظر عن كونهم شيعة أو سُنة. لذلك سيجعل هذا القانون من الشخص الملتزم شخصا تعيساً وهو يشبه الحالة التي تكلمت عنها بالنسبة للشخص العلماني الذي يعيش في ظل قوانين إسلامية صارمة. المناظرة الحقيقية تكمن في وجود فريق يرغب في أن يؤسس البرلمان قانوناً موحداُ للأحوال الشخصية، وان يتم تشكيله طبقاً للمبادئ الإسلامية بصورة عامة وان يتم تطبيقه على كل فرد وذلك بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي إليها. وهناك فريق آخر يريد إنشاء محاكم قضائية تختص بمشاكله الأسرية وذلك طبقاً لشرائع الطائفة التي ينتمي إليها أو المدرسة التشريعية التي يخضع لها، وسوف تسفر هذه القوانين عن وجود مواقف مختلفة في البلاد.

سؤال: ونحن لا نعلم كيفية توصلهم إلى اتفاق بهذا الشأن؟

لومباردي: نعم نحن لا نعلم ذلك فعندما يتكلم الناس عن الإسلام كقضية للمناقشة فإن السؤال العام: هل يجب أن يكون الإسلام مصدراً للتشريع، ليس هذا هو السؤال الأوحد في هذه المسألة بل توجد قضايا آخري يجب أن يتضمنها الدستور مثل قانون الأسرة، وسوف يلتزم الدستور بصيغة محددة حول نوعية القوانين التي سوف تطبق في مجال الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة.

سؤال: وماذا عن الفيدرالية؟

لومباردي: الفيدرالية هي أحد القضايا الصعبة في أي دولة بما فيها أمريكا، وفى العراق لابد من وجود خيار يتم الاتفاق عليه. وأي خيار له عواقب ضخمة ليس على المدى القريب وحسب، بل على المدى المتوسط والبعيد كذلكً. وبالنسبة للعراقيين وإلى حد ما فإن إمكانية تماسك العراق تعتمد على صياغة هذه الشروط والتدابير في الدستور العراقي بعناية.

سؤال: ما هى القضايا الرئيسية الأخرى؟

لومباردي: هناك عدد من القضايا، فهناك بعض الفئات الصغيرة وبالتحديد الأكراد يريدون أن يكفل لهم الدستور حق الانفصال (عن العراق)، ولقد صرح السفير الأمريكي زلماى خليل زاد zalmay khalilzad بأن هذه المسألة ليست قضية حرجة وأنه يستطيع أن يرى بواطن الخلاف في مسألة كهذه ويستطرد قائلاً: "سوف تكون مسألة خطيرة إذا كان لبعض المناطق أو الأقاليم في العراق الحق في الانفصال إذا كانت غير راضية عن التطورات الجارية للبلاد"

ولكن قضايا الفيدرالية أكثر عمقا ً وأكثر تشعباً وتتضمن كيفية تشكيل المجلس الوطني. والنواحي التي تستطيع الحكومة الفيدرالية أن تصدر فيها تشريعاً. وهناك موضوع آخر يتطلب قدراً كبيراً من البراعة وهو سلطة التشريع الإقليمي والنواحي التي يمكن فيها إصدار تشريع ما، وكذلك العلاقة بين المحاكم القومية والمحاكم الإقليمية والسيادة.

وطريقة تعيين القضاة الإقليميين وكيفية استبعادهم.

كل هذه القضايا سوف تحل بمجرد التوصل إلى اتفاق أساسي بخصوص قوة الحكومة الفيدرالية التي يريد العراقيون أن يكونوها.

ويرجع أحد أسباب الوقت الطويل الذي تأخذه هذه المسائل حتى مع وجود اتفاق أساسي بشأن المبادئ العامة إلى مقدار البراعة والحرفية التي يجب أن تصاغ بها هذه التدابير والشروط.

سؤال: وبالطبع يدخل النفط ضمن هذه القضايا ؟!!

لومباردي: هناك بعض المنازعات الخطيرة حول كيفية توزيع عائد النفط، فالعراق يعتبر أحد أكبر البلاد المنتجة للنفط وبالطبع فإن المصادر الطبيعية تعتبر من حق الدولة، وعلى صعيد أخر فإن الدولة العراقية تمتلك النفط الموجود بالبلاد ولها الحق في استخدام العائد الناتج من بيعه، وسوف يتضمن الدستور الجديد للعراق بعض التدابير والشروط التي تشرح كيفية توزيع العائد الناتج من بيع النفط وهناك بعض الجماعات المحدودة في العراق التي تطالب بأن يكفل لها الدستور الجديد نسبة معينة من هذا العائد.

سؤال: أتقصد في الأساس الأكراد والشيعة في الجنوب... أليس كذلك؟!!

لومباردي: تمثل هاتان الطائفتان الغالبية العظمى من العراقيين وأنا اعتقد أن كل العراقيين يساورهم القلق الشديد بخصوص هذه القضية، فنجد مثلاً أن السنة يتمركزون في مناطق من البلاد لا تحتوى على كثير من النفط ولذلك فهم خائفون أن يوزع الدستور – على الأقل في المرحلة الأولى – معظم الثروة النفطية العراقية على جماعات ومناطق آخري ولذلك يحكم عليهم بالفقر منذ البداية.

سؤال: هل قيام دولة كردستانية جزء من هذه القضية؟

لومباردي: قضيتا كردستان والفيدرالية هما نفس القضية تقريبا،ً فهناك العديد من الأسئلة حول طبيعة اللغة القومية للبلاد وهناك أشياء ذات أهمية رمزية بالنسبة للأكراد. الكثير من الناس يعتقدون أنهم علمانيون أو مسلمون معتدلون وأن قضية الإسلام في كردستان لا تمثل نفس الشيء كما في مناطق الشيعة والسنة في العراق. فالأكراد لهم اهتماماتهم الخاصة في كل قضية تتعلق بالدستور وتكون محل مناقشة. غير أن اهتمامهم الأكبر هو الفيدرالية، يريد الأكراد دولة قومية تفسح مجالاً للأقاليم لكي تحكم نفسها وأن تتمتع بسلطة الاستفادة من عائدات النفط الموجود في أراضيها وكذلك القدرة على الانفصال في أي وقت.

سؤال: قضية كركوك هي جزء من نفس السؤال؟

لومباردي: قضية كركوك قضية كبيرة ومعقدة جداً وتحتاج لفهم شديد، وهى أحد القضايا التي يهتم الأكراد بها كثيراً ، لأنهم يعتبرون كركوك مدينة كردية. كل ذلك يجعل كركوك مسألة صعبة، كما توجد بها جماعات كثيرة متعددة، معظم المناقشات تدور في العراق حول جماعات الأكراد والسنة والشيعة، ولكن كركوك بها عدد كبير من السكان التركمانيين والكلدانيين المسيحيين وهي جماعات لديها أصدقاء و حلفاء في الدول المجاورة للعراق.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 9/ تشرين الأول/2005 -  5/ رمضان/1426