الشيعة يروجون للدستور العراقي والسنة يخشون التغيير

في عمق معقل الشيعة في جنوب العراق لا يكاد يكون هناك أي شك في أن الاستفتاء المقرر الاسبوع المقبل على الدستور الجديد سيؤكد الصعود السياسي للاغلبية الشيعية في البلاد.

ولا يهم أن كانت قلة فقط من سكان السماوة هي التي اطلعت على نسخ من الدستور الجديد المعقد الذي بدأ توزيعه الان فقط على الناخبين قبيل الاستفتاء المقرر يوم 15 أكتوبر تشرين الاول الجاري.

وبالنسبة للزعماء المحليين في محافظة المثنى حيث يمثل الشيعة 97 بالمئة من السكان فان الطريق الى الامام بات واضحا سواء أرادت الاقلية السنية العربية في العراق التي كانت من قبل تهيمن على البلاد المشاركة فيه أو لم ترد.

وقال الشيخ ريسان الزياد وهو زعيم محلي قبلي دعا اتباعه للتصويت لصالح الدستور رغم أنه لم يقرأه بنفسه "العديد من اشقائنا السنة تعلموا الشر من صدام حسين لذلك يخشون التغيير."

واضاف "نريد حكومة تتصدى للارهاب والدستور يضمن ذلك."

وانهمرت على مسؤولين من بغداد يزورون السماوة للترويج للدستور أسئلة عن الري والاسمدة وشق طرق سريعة وهي قضايا تتعلق بعودة الحياة الى طبيعتها بعد اراقة الدماء اليومية شمالا.

وشهدت السماوة اعمال عنف واراقة للدماء قبل شهرين فيما يشير الى مدى الاستياء من الافتقار للانتعاش الاقتصادي على الرغم من انتخاب حكومة يقودها الشيعة هذا العام وبسبب توترات بين جماعات شيعية مسلحة.

ورغم الظلام المؤقت الذي حل على الاجتماع بانقطاع التيار الكهربائي وهو أمر معتاد في العراق بعد الحرب مما ترك المسؤولين متجمعين في حلقات صغيرة حول ضوء هواتفهم المحمولة الا ان المسؤولين بدوا متفائلين.

وقال ليث كبة المتحدث الرئيسي باسم الحكومة العراقية الذي وصل الى السماوة في طائرة هليكوبتر أمريكية للاجتماع بالسلطات المحلية السياسية والدينية والقبلية "هذا موضوع قصة اخبارية جيدة."

واضاف "ايا كان ما قمنا به فهناك مجال للقيام بالمزيد. هذه هي المرة الاولى التي نحاول فيها توعية الامة بشأن تحمل مسؤولية قراراتها."

وتسعى الحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الشيعة وحلفائهم من الاكراد للترويج للدستور قبيل الانتخابات المقررة في ديسمبر كانون الاول المقبل لتشكيل برلمان يستمر اربع سنوات.

ويعد تمرير الدستور المتوقع على نطاق واسع أمرا مهما كذلك بالنسبة لخطط واشنطن في العراق ومنها في نهاية الامر سحب أكثر من 149 الف جندي أمريكي يتزايد استياء الناخب الامريكي من نشرهم في العراق.

وانضم العرب السنة الذين يمثلون 20 بالمئة من سكان العراق لكنهم هيمنوا عليه في عهد صدام الى مقاتلين اسلاميين أجانب في حملة تفجيرات وهجمات انتحارية وخطف لتعطيل هذه الخطط.

وهدد زعماء السنة بمقاطعة الاستفتاء اذا لم توقف القوات الامريكية عملياتها الكبيرة في غرب العراق حيث تشن قوات تقودها الولايات المتحدة حملة على جماعات المسلحين والمتشددين الاجانب.

لكن المناطق الشيعية مثل المثنى الواقعة على الحدود مع السعودية والمناطق الكردية في الشمال شهدت أعمال عنف أقل فيما يقول المسؤولون أنه يدل على أن أجزاء من العراق تتماسك على الرغم من المعارضة السنية.

وقال الكولونيل البريطاني هيو بلاكمان المكلف بأقرار النظام في المحافظة من قاعدة خارج السماوة على مسافة 270 كيلومترا جنوبي بغداد "انها محافظة تظهر فيها أكثر من اي محافظة أخرى ارادة لاقرار الامن."

ولم تنج السماوة تماما من الاضطرابات التي تسود العراق. ففي أوائل أغسطس اب أطلقت الشرطة النار على حشد من مئات المتظاهرين مما أسفر عن مقتل شخص واصابة 40 بجروح وسط توترات بين جماعات شيعية متنافسة وشكاوى من سوء ادارة الحكومة.

ورغم التأكيدات البريطانية بان المحافظة من اكثر محافظات العراق امنا رافق وفد بغداد قافلة من الدبابات.

وكان من المقرر ان يعقد كبة وكبار الشخصيات اجتماعا في مقر البلدية مع سكان السماوة بشأن الدستور كبادرة تدل على التزام حكومة ما بعد صدام بالحوار.

لكن من الصعب التخلص من العادات القديمة. فقد الغي الاجتماع العام في حين تجمع المسؤولون المحليون حول زائريهم للتشاور معهم.

وهون محمد الحساني محافظ المثنى واحد زعماء المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق احد اقوى الاحزاب الشيعية في العراق من شأن المخاوف من ان تمرير الشيعة والاكراد للدستور دون موافقة السنة قد يفتح الباب أمام المزيد من أعمال العنف.

وابلغ الصحفيين ان الشعب الشيعي يتبع زعماء متزنون لن تضر قراراتهم السنة باي شكل او تدفعهم الى حرب اهلية.

لكن الشيخ الزياد الذي تحدث على ضوء هاتفه المحمول في قاعة بلدية السماوة المظلمة بدا أقل ثقة في ان العراق يسير على الطريق الصحيح للعودة الى الحالة الطبيعية بسرعة وقال "المشاكل لا تحل في يوم."

هذا وبدأ في العراق توزيع ملايين النسخ من مسودة الدستور الذي يفترض ان يجري التصويت عليه منتصف الشهر الجاري بينما يواصل الجيش الاميركي عملياته العسكرية في غرب البلاد حيث قتل ستة من جنود مشاة البحرية (المارينز).

ويأمل المسؤولون عن عملية التوزيع ان يسلموا العراقيين لغاية 15 تشرين الاول/اكتوبر خمسة ملايين نسخة من الدستور الذي اثار نقاشات وخلافات واسعة بين قادة مختلف القوى والاحزاب السياسية في البلاد. وقد رفضه قادة العرب السنة في العراق ووعدوا باسقاطه.

وقال مسؤول رفيع المستوى يعمل على عملية التوزيع التي تشرف عليها الامم المتحدة "في الايام القليلة القادمة ستتوسع العملية (التي بدأت في بغداد) لتمتد الى بقية المحافظات"العراقية الاخرى.

واعتبر ان توزيع خمسة ملايين نسخة امر صعب تحقيقه خصوصا "بسبب ضيق الوقت الباقي". واضاف "قد نصل الى (توزيع) 3,5 ملايين" نسخة باللغة العربية ومليون باللغة الكردية بالاضافة الى 400 الف نسخة باللغة السريانية والتركمانية.

وتابع المسؤول نفسه "يجب ان نكون واقعيين. لن تحصل كل عائلة على نسختها من مسودة الدستور".

وبعد مناقشات شاقة خصوصا بسبب تحفظات العرب السنة على مبدأ الفدرالية الذي تم تبنيه في الدستور انجزت الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) النسخة النهائية من مسودة الدستور في الثامن عشر من ايلول/سبتمبر الماضي.

واكد المسؤول نفسه انه من المؤمل ان تقوم الحكومة العراقية بتوزيع مليوني نسخة من مسودة الدستور في الوزارات والمؤسسات والدوائر العراقية والمستشفيات والجامعات.

واشار الى ان ثلاث منظمات غير حكومية اخذت على عاتقها عملية توزيع مليون نسخة من مسودة الدستور في المحافظات السنية خصوصا في الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى.

وفيما يتعلق بعدد من المناطق مثل الجنوب الشيعي او مدينة الموصل السنية في شمال العراق فقد تم تكليف المشرفين على توزيع الحصص التموينية الشهرية بهذه المهمة.

وقال المسؤول "لدينا عدد هائل من الطلبات والعراقيون يريدون قراءة الدستور سواء اكانوا ضده او معه" مشيرا الى ان "الكثير من الاشخاص توجهوا مباشرة الى المطابع في بغداد ليتسلموا منها نسخا عن الدستور".

وتجري عملية توزيع الدستور في اجواء من الخشية من ان يقوم المتمردين بشن هجمات من اجل منع الناس من الادلاء باصواتهم يوم الاستفتاء.

وكان رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري اعرب الخميس عن ثقته بان الهجمات المحتملة لن تمنع العراقيين من الادلاء باصواتهم في الاستفتاء مشيرا الى الانتخابات الماضية التي جرت في 30 كانون الثاني/يناير الماضي وشارك فيها العراقيون بقوة على الرغم من الهجمات.

وكان الجعفري اكد الاسبوع الماضي ان الحكومة العراقيين ستتخذ كل الاجراءات الضرورية من اجل منع الهجمات المحتلمة خلال عملية الاستفتاء على الدستور ووعد بتعزيز الاجراءات الامنية لهذا الغرض.

ومن المقرر ان يدلي العراقيون في الخامس عشر من هذا الشهر برأيهم حول مسودة الدستور الذي تمت صياغته الشهر الماضي بعد اسابيع من الاخذ والرد بين مختلف الاطراف رغم اعراب زعماء السنة عن عدم رضاهم على الوثيقة.

ويتوقع ان يشارك اكثر من ثمانين بالمئة من العراقيين في الاستفتاء وفقا لاستطلاع نشر الاسبوع الماضي.

ويشهد العراق هجمات يومية وحذر الرئيس الاميركي جورج بوش الشهر الماضي من وقوع المزيد من اعمال العنف قبيل الاستفتاء والانتخابات المرتقبة في كانون الاول/ديسمبر.

شبكة النبأ المعلوماتية -السبت 8/ تشرين الأول/2005 -  4/ رمضان/1426