يرى كتاب أمريكيون أن السياسة الخارجية لبلادهم تعاني سلسلة
متصاعدة مما يعتبرونه فشلا وأن مواطنيهم منذ انتهاء "الاعراض
الفيتنامية" لا يؤيدون التدخل الخارجي في شؤون الدول الاخرى كما يرفضون
دور واشنطن كشرطي العالم.
جاء ذلك في كتاب (السياسة الخارجية الامريكية ومصادرها الداخلية..
رؤى ومشاهد) الذي أعده أستاذا العلوم السياسية الامريكيان تشارلز كيجلي
ويوجين ويتكوف وقالا فيه ان أمريكا استفادت من "التورط الطويل والكئيب
في (منطقة) الهند الصينية والذي استغرق فترة الخمسينيات والستينيات ومن
أهم هذه الدروس أن القوة العسكرية الامريكية وحدها لا تستطيع أن تحقق
أهداف السياسة الخارجية الامريكية."
وأضافا في الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية عن المجلس الاعلى
للثقافة بمصر أن بلادهما التي وصفاها بأنها أكبر ديمقراطيات العالم
وأقدمها اكتسبت قناعة من صميم ما يسمى "بالاعراض الفيتنامية وهي مجموعة
من المعتقدات أدت بالساسة الامريكيين في السنوات التي تلت الانسحاب
الامريكي من فيتنام في عام 1973 الى استنتاج أنه لا الشعب الامريكي ولا
ممثلوه في الكونجرس كانوا يؤيدون التدخل... واذا كان المجتمع الامريكي
أبدى ذات مرة تأييده لدور الدولة كشرطي العالم فان هذا التأييد لم يعد
له وجود."
وغزت الولايات المتحدة فيتنام في منتصف الستينيات ولكن المقاومة
بوسائل محدودة كبدت القوات الامريكية خسائر دفعت ادارة الرئيس الاسبق
ريتشارد نيكسون (1969 - 1974) الى سحبها تحت ضغط الرأي العام المعارض
للحرب.
والكتاب الذي ترجمه عبد الوهاب علوب الاستاذ بكلية الاداب جامعة
القاهرة يقع في 472 صفحة من القطع الكبير ويضم 20 دراسة لعدد من
الباحثين حول قضايا منها (المثلث الحديدي.. خفايا السياسة الدفاعية)
و(المشاركة في لعبة السلطة.. الاعلام المكثف والسياسة الخارجية
الامريكية) و(الرئيس وتوجيه السياسة الخارجية.. الاساليب والانماط)
و(لماذا تعجز الخارجية عن القيادة؟) و(ما ثغرات النظام الدفاعي
الامريكي).
وأشار معدا الكتاب ويتكوف وكيجلي الى ان السياسة الخارجية الامريكية
تواجه ما اعتبراه سلسلة مطردة من الفشل فما تكاد تواجه أزمة حتى تبدو
كأنها "تسقط في حالة من الفوضى تخرج عن سيطرة الحكومة التي تعجز عن
التعامل معها بصورة ناجحة."
وقال توماس كرونن أستاذ المؤسسات والادارة الامريكية بجامعة كلورادو
ان هناك توترات بين الكونجرس والرئاسة التي "تحولت الى مؤسسة ملكية
نتيجة لسوء استغلال السلطة من جانب الرؤساء خاصة سوء استغلال سلطة
اعلان الحرب والسرية في الستينيات والسبعينيات وحتى أواسط
الثمانينيات... ويؤكد نقاد نيكسون أنه أضفى على الرئاسة سمة استبدادية
واضحة."
وأشار في دراسة عنوانها (الرئيس والكونجرس والسياسة الخارجية) الى
استمرار الكثيرين "في قلقهم من الرئاسة الاستبدادية في المستقبل ومن
اغتراب الشعب عن قادته" حيث ان الرئيس الامريكي هو القائد الاعلى
للقوات المسلحة.
وفي دراسته بعنوان (كيف حدثت فيتنام؟) قال جيمس طومسون الاستاذ
بجامعة بوسطن ان التاريخ يتم تشويهه واستغلاله ومن هذه الزاوية "أعيدت
كتابة تاريخ فيتنام وجنوب شرق اسيا والشرق الاقصى على يد الساسة
الامريكيين ومتحدثيهم الرسميين لكي يتفق مع الضرورة المزعومة للتواجد
الامريكي بفيتنام."
وفي دراسة عنوانها "تأثير جماعات الضغط على السياسة الامريكية في
الشرق الاوسط قال أستاذ السياسة الخارجية بجامعة كاليفورنيا ميتشل بارد
ان اللوبي الاسرائيلي يضم أفرادا ومنظمات تؤثر بصور مباشرة وغير مباشرة
على السياسة الامريكية "لنصرة اسرائيل".
وأضاف أن "اللوبي الاسرائيلي ليس وحده على الساحة فهناك جماعة ضغط
تنافسه وهي اللوبي العربي. فيعد الاتحاد القومي للامريكيين العرب جماعة
ضغط مسجلة... اللوبي العربي يحتوي على عناصر من غير العرب."
ونفى أن يكون اللوبي العربي في أمريكا ممثلا للعرب الذين وصفهم
بالتشرذم والتفكك العام في العالم العربي الذي يضم أكثر من 20 دولة
مدللا على ذلك بوجود "ما لا يقل عن ثلاثة ملايين عربي بالولايات
المتحدة 80 بالمئة منهم تقريبا لبنانيون مسيحيون لا يتعاطفون مع قضايا
اللوبي العربي."
وفي مقابل ذلك فان النشاط السياسي الذي يمارسه اليهود يدفع النواب
الطامحين الى الرئاسة الى تأييد اسرائيل "وهو ما يعزز تأييد اسرائيل
داخل الكونجرس. وعلى المرشحين الفعليين أن تكون لديهم حساسية خاصة تجاه
اهتمامات الناخبين اليهود."
وقال بارد ان (اللجنة الامريكية الاسرائيلية للشؤون العامة)
المعروفة باسم ايباك تمثل اللوبي الاسرائيلي الرسمي الذي تأسس عام 1951
"وهناك منظمات لا تشارك في الضغط المباشر كمنظمتي بناي بريث وحاداشاه.
بل تقوم بنشر المعلومات وتحث أعضاءها على المشاركة في العملية السياسية.
"عادة ما يطوف رجال اللوبي بردهات الكونجرس في محاولة للفت أنظار
المسؤولين التشريعيين... واللوبي الاسرائيلي لا يلجأ لاساليب ضغط
تقليدية فهو يعتمد على الشبكة التي أقامها لتوجيه الجالية اليهودية
لاتخاذ اجراء ما في العمل السياسي وتضم الشبكة 75 منظمة مختلفة تؤيد
اسرائيل بصورة أو بأخرى."
وأشار الى أن "التكتل الدبلوماسي النفطي" يشكل اللوبي العربي في
أمريكا لكن "معظم المؤسسات القومية الكبرى لا تؤيد اللوبي العربي حتى
الان... هناك فارقان أساسيان بين اللوبي العربي ونظيره الاسرائيلي
أولهما أن اللوبي العربي دائما ما يمارس أنشطته بصورة سلبية أي بالوقوف
ضد التشريعات الموالية لاسرائيل وليس لصالح تشريعات موالية للعرب.
والاختلاف الاساسي الاخر بين الفريقين يتمثل في الاستعانة بعملاء أجانب
يتلقون أجورهم من اللوبي العربي. ويمكن لموظفي الحكومة الامريكية
الموالين للعرب أن يتطلعوا الى مناصب مربحة كعناصر ضغط أو كمتحدثين أو
مستشارين للقضية العربية."
وفي تصدير الكتاب أشار مترجمه علوب وهو حاصل على الدكتوراه من جامعة
ميشيجان بالولايات المتحدة عام 1988 الى تعدد المصادر المحلية للسياسة
الخارجية الامريكية الا أن أشهرها جماعات الضغط التي تستطيع أن تحشد
قطاعا كبيرا من الرأي العام للدفاع عن رأي معين أو لدفع قضية محددة الى
الساحة.
وأضاف أن هذه الجماعات أو اللوبي ظاهرة "تكاد تميز النظام السياسي
في الولايات المتحدة الامريكية عن غيرها من النظم."
وقال ان "اللوبي الصهيوني الموالي لاسرائيل يعد أقوى كتلة سياسية
بالولايات المتحدة. ويرجع الى هذه الجماعات اليهودية القوية الفضل في
مسارية السياسة الامريكية لنظيرتها الاسرائيلية على طول الخط حيث لا
يقابل هذا الضغط اليهودي العنيف ضغط مواز من جانب الامريكيين العرب."
وأضاف أن الساحة خالية أو تكاد أمام الجماعات اليهودية التي قال
انها تمارس ابتزازا وتهديدا وترهيبا على الدوائر السياسية الامريكية
والصفوة الحاكمة فلا تجد مصادر اتخاذ القرار "قوة دفع موازية تصدها عن
مسايرة الاطماع الاسرائيلية... أي مسؤول أمريكي أو حتى الامريكي العادي
لا يجد أمامه على الساحة سوى المدافعين عن المصالح الاسرائيلية."
وقال ان الامريكيين على اختلاف مستوياتهم سينقلبون تلقائيا الى
النقيض لو وجدوا في دعم السياسة الاسرائيلية تهديدا لمصالحهم "فالمسألة
عندهم تتصل بالمصالح أولا وأخيرا ولا شأن لها بالدين ولا بالعرق ولا
بالاضطهاد ولا حتى بالمباديء."
المصدر: رويترز |