
تجلس مورين على مائدة من البلاستيك وأمامها كسرة من الخبز وكوب شاي
امام مقهاها المفضل وتروي كيف هوت الى قاع المجتمع.
ومثل الكثير من قصص الفقر في الدول الغنية في بداية القرن الحادي
والعشرين تبدأ قصتها بتفكك اسرتها وهروبها مع اطفالها الثلاثة من زوجها
العنيف. وفشلت محاولتها في الحصول على مسكن تموله الدولة من مكتب
الاسكان المحلي اذ قال لها الموظف هناك انها تخلت عن مسكنها بإرادتها.
وسألت الزوجة التعيسة الموظف قائلة "هل كنتم تريدون ان انتظر حتى
اجيئكم بذراع مكسورة او بهالات سوداء حول عيني" فاجابها بحيادية قاتلة
"كان ذلك سيكون مفيدا."
وفي الوقت الذي يستعد فيه العالم للاحتفال بيوم الامم المتحدة
للقضاء على الفقر في الشهر الجاري تسلط الاضواء الى حد كبير على أفقر
دول العالم لكن الاعاصير التي ضربت الولايات المتحدة في الشهر الماضي
جاءت كتذكرة بان عددا من اكثر الافراد عرضة للفقر يعيشون في الدول
الغنية.
وخلال النصف الثاني من القرن الماضي اصبحت الدول الغنية اكثر ثراء
الى حد كبير ولكن المجتمعات تغيرت بشكل يقول علماء الاجتماع انه يجعل
من يقفون عند اسفل السلم الاجتماعي أكثر عرضة للفقر.
وبعد ان وجدت مورين التي لم يذكر اسمها الاخير حفاظا على الخصوصية
نفسها في الشارع بلا مأوى انتقلت الى شقة في مبنى متهالك لا تسع أسرتها.
وكانت الشقة التالية أسوأ حالا اذ غطت الرطوبة والعفن الجدران بينما
يجوب تجار المخدرات الافنية. وبدأ الاحباط يتسرب لنفس مورين ثم اصيبت
بانهيار عصبي.
والاطفال هم من الضحايا الرئيسيين للفقر في الدول الغنية وتفيد
ارقام الحكومة البريطانية انه كلما زاد عدد الاطفال في الاسرة كلما زاد
احتمال معاناتهم من الفقر. كما ان هناك احتمالا اكبر لان يكون اطفال
الاسر الفقيرة اولياء امور لاطفال فقراء بدورهم.
والاسر أقل استقرارا الان. ومع ارتفاع معدلات الطلاق منذ الستينات
زاد عدد الاطفال الفقراء اذ اضطر عدد أكبر من النساء لرعاية اطفالهن
بمفردهن وغالبا ما يعتمدن على الاعانات التي تقدمها الدولة.
ورغم عقود شهدت في الاغلب زيادة في نسبة الاطفال الفقراء لا تزال
هناك بعض المؤشرات الطيبة ظهرت على مدى السنوات العشر المنصرمة.
وتقول بريطانيا انها قلصت الفقر بين الاطفال بمقدار الربع منذ تولي
رئيس الوزراء البريطاني توني بلير السلطة في عام 1997 وانها في سبيلها
لتحقيق هدف خفضه الى النصف بحلول عام 2010.
ويقول منتقدون ان الاحصاءات غير كاملة اذ تستبعد ارتفاع تكلفة
الاسكان على سبيل المثال ولكن حتى في حالة تعديلها لوضع تكلفة الاسكان
في الاعتبار فستظل تظهر ان مئات الالاف من الاطفال انتشلوا من الفقر.
وتركز الاستراتيجية البريطانية على حصول اولياء الامور وبصفة خاصة
الامهات اللائي يرعين اسرهن بمفردهن على عمل وزيادة تمويل دور رعاية
الاطفال ومنح ائتمان ضريبي لاباء وامهات يعملون.
وتقدم الحكومة البريطانية رعاية مجانية للاطفال في سن الثالثة لمدة
12 ساعة ونصف ساعة اسبوعيا وتنوي زيادة عدد الساعات الى 15 ثم 20 ساعة
في السنوات المقبلة.
وبداية من ابريل نيسان المقبل ستدفع الدولة مايصل الى 300 استرليني
(530 دولارا) اسبوعيا لسداد تكلفة رعاية اطفال الاسرة العاملة الاكثر
فقرا التي لديها طفل او اثنان.
ويقول بعض الخبراء ان الاستثمار في توفير رعاية جيدة للاطفال من
اكثر الاساليب فعالية لمساعدة الاسر الفقيرة لانها توفر لاولياء الامور
وقتا للعمل كما يمكن ان تحسن الاداء التعليمي للاطفال حين يصلون لسن
الدراسة.
وتقول هيلاري لاند الاستاذة الفخرية في جامعة بريستول وهي متخصصة في
سياسات الاسرة ان هذه الرعاية "لها اهمية خاصة وبصفة اساسية لولي الامر
الذي يرعى اطفاله منفردا. اذا كانت رعاية جيدة سيستفيد الاطفال واولياء
امورهم ايضا."
ورغم جهود الحكومة البريطانية لاعادة هيكلة الاعانات الاجتماعية
لتشجيع اولياء الامور على العمل فان جزءا كبيرا منها يتلاشى فور ان
يكسب المستفيد منها اجرا ولو ضئيلا.
وتحصل ايلين (30 عاما) وهي أم ترعى ثلاثة اطفال بمفردها في بورتسموث
على الساحل الجنوبي لبريطانيا على اعانة نقدية قدرها 190 جنيها
استرلينيا اسبوعيا وتقيم في مسكن مؤقت بتمويل حكومي في مأوي للاسر
المشردة.
وقبل ولادة اصغر اطفالها كانت تكسب نحو 50 جنيها من عملها كمغنية في
احدى الحانات لكنها تعمل الان ليلة واحدة اذ ان مقابل كل جنيه تكسبه
ستفقد نفس المبلغ تقريبا من الاعانة الاجتماعية ولا يزال عليها ان تعثر
على من يرعى اطفالها في المساء.
وتقول "اريد ان اعمل اكثر ولكن لا طائل من ذلك."
وحتى بالنسبة للاسر البريطانية التي يعمل فيها احد الوالدين او
كلاهما فان تدني الاجور يصعب محاولة التخلص من الفقر.
وتقول مؤسسة راونتري وهي جماعة خيرية تعمل في مجال العلوم
الاجتماعية في بريطانيا في تقريرها لعام 2004 "احد الاسباب التي لا
تجعل العمل سبيلا للتخلص من الفقر في كل الاحوال هو ان اجور بعض
الوظائف منخفضة."
وارتفعت نسبة العاملين الذي يحصلون على اجور منحفضة من 12 بالمئة في
عام 1977 الى 21 بالمئة في عام 1998 وذكر التقرير ان ثلثي هذه الفئة من
النساء. وتعرف الاجور المنخفضة في بريطانيا بانها اقل من ثلثي متوسط
اجر العامل العادي في الساعة.
ومكافحة بريطانيا للفقر نموذج مفيد لان نظام الرعاية الاجتماعية
فيها اكثر سخاء من الولايات المتحدة وفي نفس الوقت اقل تكلفة من كثير
من الدول الاوروبية الاخرى.
ويوجد في بريطانيا رعاية صحية مجانية وقطاع اسكان ضخم تموله الحكومة
وقلة فقط هي التي تنام في ظروف صعبة وتقل نسبة البطالة عن خمسة بالمئة
وهي اقل من المتوسط الاوروبي.
ومع ذلك لا يزال مئات يعيشون في مباني متهالكة شيدت في الستينيات لا
تتوافر بها معايير السلامة. وهناك ملايين بلا عمل ولا يبحثون عن عمل
فلا يصنفون كعاطلين.
وبعد 15 عاما من تركها زوجها هي واطفالها تعمل مورين في مجال الدفاع
عن الفقراء في جمعية خيرية وتقول انها تحب عملها رغم ما تصفه بثقافة
عداء للفقراء من جانب الدولة.
وانقذت جمعية (العالم الرابع) الخيرية حياتها حين منحتها مكانا
للاقامة لفترة قصيرة لتنظم حياتها. وقد انهت دراستها الثانوية والقت
كلمات امام جامعات وامام لجنة برلمانية.
وتتحدث للحاضرين عن البرامج واولويات الانفاق ولكن اهم ما تتطرق
اليه الاحترام. فسبب بقائها على قيد الحياة ونمو اطفالها على نحو جيد
هو ان شخصا ما عاملها كانسانه لا كمشكلة تتعلق بالسياسات.
وتقول "كم مرة سمعتم توني بلير يردد عبارة (اسرة كادحة محترمة)."
وتضيف "اعرف كثيرين على درجة عالية من الاحترام لكن في وضع لا يتيح
لهم فرصة للعمل." |