اللغة العربية أمام خطر المنافسة العالمية

كتب قسم المتابعة:

تكاد أن تتسم ظاهرة التنافس اللغوي العالمي الوحيدة بين الظواهر الأخرى التي لم يُعلن عنها حتى الآن عن خططها السرية للسيطرة اللغوية عبر تفرّد لغة واحدة تتحكم في مسألة التداول الألسني على وجه البسيطة.

وخطر المنافسة اللغوية على المستوى العالمي آخذة في التصاعد العملي بين مجموعة من اللغات الحية وبالذات منها المعتمدة لدى الهيئة الدولية (الأمم المتحدة) ولكن بتحفظ شديد ويلاحظ ذلك من الدعايات المبثة على المستويين الإعلامي الرسمي والاجتماعي العام والداعية لتعلم هذه اللغة أو تلك إذ لا أحد يدري كيف أصبحت دعاية أن اللغة الإنكليزية هي أيسر لغة في العالم ويصاحب هذه الدعاية أن عدد البشر الناطقون بها هم أكثر من الناطقين بأي لغة أخرى مع أن أكثر من مليار شخص يتكلمون اللغة الصينية لوحدها!

إن عالم الغد سيفاجئ البشرية بأن اتجاهاً علمياً في مجال الاختيار اللغوي عبر تقليص اعتماد عدد اللغات المتداولة سيتقلص إلى حدوده الدنيا إذ أن التداول البشري الآن بهذا (الكَّمْ) من اللغات البالغ أكثر من (4000) لغة لم يعد له مبرراً كافياً مع أن المعروف من حيث السيادة اللغوية أن زهاء (عشر لغات) عالمية اليوم هي الأكثر تداولاً من بين ذاك العدد الهائل من اللغات.

وفي ظل الظروف السياسية السائدة الداعية إلى عولمة كل شيء على الكون الأرضي وبطريقة تبدو الآن وكأنها أخذت تفرض نفسها بعد أن غاب عن الساحة من يستطيع أن يحاسب عملياً أي توجهات غربية يريدها الغرب عبر دعوته وفروضه بالنسبة لمبدأ العولمة الذي يشوبه الكثير من الغموض وبالذات الخشية من جوانب العولمة الخفية. وما قد تحويه من مصادرات لحقوق اللغات الأخرى إذا ما فضلت لغة غربية كـ(الإنكليزية) في ترشيح سلمي لتكون لغة التداول الأولى في العالم كـ(مرحلة أولى) ولتصبح اللغة الأولى الوحيدة عالمياً في مرحلة قادمة ستشهدها الأجيال القادمة هذا ناهيكم عن اللغات المنافسة الأخرى كـ(الفرنسية) مثلاً.

إن تداخل الاهتمامات اللغوية رغم تشابه طروحاته من حيث الدعوة المرغبة لتعلم هذه اللغة أو تلك. وبهذا الصدد تلعب معاهد تعلم اللغات الأجنبية دوراً ملفتاً للنظر بهذا المجال ولا بأس من الإشارة الصريحة إلى أن بعض المعاهد أصبحت تدرس لغات ليست ذات أهمية في بلدان عربية ما مع عدم حاجة المجتمع العربي (على وجه العموم) لتعلم اللغة الإسبانية مثلاً! ومما ينبغي أن لا يفوت ذكره أن العديد من المكتبات الخاصة ببيع الكتب تزخر رفوفها بكتب تعليم اللغات الأجنبية وبشكل مغالى به وضمن سلسلات حديثة مثل: كيف تتعلم اللغة البرتغالية وهي لغة غير محبذة لتعلمها في أرجاء العالم العربي ومثلها كذلك اللغة اليونانية واللغة الإيطالية واللغة الألبانية.

ولعلها المرحلة اللغوية الحرجة في عالمنا العربي والإسلامي التي يستفيق فيها المواطنون المثقفون إلى حقيقة كون اللغة العربية قد أمست أمام خطر منافسة عالمية لم يؤخذ حسابها العلمي بعد على المستوى الرسمي (على الأقل) إذ يبدو كل شيء سارياً وكأن شيئاً لا يستحق بذل الاهتمام من أجل تحصين اللغة العربية العظيمة والجميلة والقادرة على مسايرة التواكب والتأقلم مع كل الألفاظ الجديدة الممكن أن تدخل على أرومتها الصوتية.

وفي التخيل السلمي والمرن عن مستقبل معركة اللغات العالمية القادمة بلا ريب عاجلاً أم آجلاً فإن طاولة التباحث لتثبيت ميزان جديد لتقييم العدل اللغوي في العالم سوف لا يرضي العديد من علماء اللغة في كل بلد كما أن مجتمعات بكاملها سوف ترفض أي تصنيف لأفضلية لغة ما على أخرى ومهما كانت المبررات إلا أن هؤلاء العلماء والمهتمون بالمحافظة على تراثهم اللغوي سوف لن يجدوا الوسائل الفاعلة الهادفة إلى تنصيل لغتهم المحلية إذا ما تقرر لها أن تتنحى (عملياً ومنهجياً) خلال كذا عقود وذلك عند اعتماد (اللغة الأجنبية) المرشحة لتحل محلها.

طبيعي جداً أن هناك صلة وثيقة بين اللغات ولأخلاقيات وبالذات بالنسبة للغة العربية التي تأخذ أشكالاً تقديسية في المجتمع العربي والإسلامي ولذا فإن أي تنازل عنها أو عن سيادتها لصالح لغة أجنبية فسيعني الأمر خروجاً على الأخلاقيات وبسببين رئيسين هما أولاً أن اللغة العربية هي (لغة القرآن الكريم) وثانياً أنها كما هو مقرر إلهياً كونها ستكون (لغة أهل الجنة) بحسب ما بشرَّ بذلك النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا إضافة لطواعية العربية على استيعاب أي تطور يحدث عليها إذ هي (وبلا أي تحيز) هي اللغة التي يجب أن ترشح لاعتمادها في العالم أجمع على المدى المبرمج ولا جرم لو نافستها أي لغة عالمية أخرى ومن البديهي جداً أن مثل هذا التوجه ينبغي أن يرافقه تمهيد علمي يجعل اللغة العربية يسيرة في قوانينها وهذا يتطلب من مجامع اللغة العربية أن يتخذوا مواقف لغوية شجاعة مثل إحداث ثورة تيسير في قواعدها وإعرابها وكتابتها وعبر بحوث يمكن تقدم ما هو خير للغة العربية وما هو خير لتطورها العالمي في ظل ظروف المنافسة اللغوية العالمية التي تشهد أحياناً في بعض المجتمعات ومنها المجتمع العربي أن حالة اعتماد بعض المفردات الأجنبية في اللغة العربية المحلية آخذة في الانتشار ودون انتباه أحد لمخاطر ذلك. فمثلاً أن معنى الـ(O.K) ولفظها (أُوْ..كي) تكاد أن لا تنافسها أي كلمة عربية إذ لوحظ أن اللغويين العرب أنفسهم يعتمدوها أحياناً في نطقهم!.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 4 / تشرين الأول/2005 -  29/ شعبان/1426