بدأت الجامعة العربية تحركا ملحوظا لإعداد (خطة ستراتيجية لمساعدة
العراق) حسبما وصف هذا التحرك في بعض الخطاب الإعلامي، وهي الخطوة التي
قوبلت بتكهنات عراقية رأى بعضها أن الجامعة بصدد إرسال قوات إلى
العراق تحل محل القوات الدولية في الشوارع والأماكن العامة، بينما
تحتفظ قوات التحالف بمواقع لها في قواعد بعيدة عن المدن..
كما تكهنت مصادر سياسية عراقية رفيعة المستوى بوجود خطة عربية
مطروحة للنقاش تتعلق بعقد مؤتمر لكل الأطياف العراقية في المملكة
العربية السعودية تحضره دول الجوار العراقي وممثلون عن الأمم المتحدة..
وغير خاف أن بعض الأطياف العراقية تحذر من أي دور عربي في العراق،
وصرح بعضها علنا برفض هذا الدور وحذّر منه. أما أسباب الرفض العراقي
لأي دور عربي في الشأن العراقي فيرجعه بعض المتابعين إلى سنوات حكم
الدكتاتور صدام حيث يرى الكرد والشيعة أن الدول العربية دعمته ولم تقف
بوجهه وهو يشن ما يصفه الكرد والشيعة بحرب إبادة ضد الطائفتين، بينما
يرى آخرون أن الدور العربي كان أسوأ بعد سقوط صدام، ويتهم العراقيون
الجامعة العربية وبعض الدول العربية أيضا بالوقوف مع الإرهابيين ضد
الشعب العراقي، سيما وأن عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية بحسب بعض
العراقيين لم يقم بأي دور ينسجم وحرصه على سلامة العراق والعراقيين بل
كان يلتقي أطرافا عراقية تقف بوجه العملية السياسية ويرفض لقاء أي
مسؤول عراقي في الحكومة العراقية الحالية والحكومة التي سبقتها. كما
يحتج عراقيون بقيام عمرو موسى باصطحاب أشخاص من هيئة علماء السنة إلى
مؤتمر بروكسل الماضي وتعريفهم كبدلاء عن الساسة العراقيين وهي الخطوة
التي لم تحظ بقبول من أطراف دولية في حينها.. وأي يكن الأمر فإن تيارا
واسعا من العراقيين يرى أن تحرك الجامعة العربية الآن لم يأت بدافع
الرغبة في تصحيح مسار العلاقة مع العراق، بل بهدف استغلال الجامعة
العربية للوضع المتأزم في الولايات المتحدة جراء استمرار العنف في
العراق، والدخول كطرف قوي في الشأن العراقي بهدف التأثير في العملية
السياسية قبل التصويت على الدستور.. فطوال السنتين الماضيتين ظلت
الجامعة العربية تراقب الوضع في العراق دون ان تتدخل فيه بشكل إيجابي،
ولكنها وجدت من مبررات التدخل اليوم ما يحتم عليها التحرك بسرعة
للاستفادة من أمور عدة:
أولاـ هناك ضغط شعبي أمريكي على حكومة الرئيس الأمريكي يطالبه بسحب
قواته من العراق قبل أن يتحول هذا البلد إلى مستنقع لأمريكا يصعب
الخروج منه بكرامة، وهو الأمر الذي يؤيده بعض القادة في البيت الأبيض..
ثانياـ تزايد الدعوات السنية من العراق بضرورة تدخل الدول العربية
في الشأن العراقي لأن الأحزاب والحركات السنية العراقية ترى أنها خارج
اللعبة السياسية ولا بد لها من الاستعانة بطرف خارجي يعزز قوة تأثيرها
عراقيا..
ثالثاـ وصلت العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين العراقيين حدا
ينذر بتفجر حرب أهلية في العراق، وبدا ألأمر قاسيا إلى حد بعيد، وبشكل
ربما يهدد بتفتت العراق وهو الأمر الذي لاتريده الحكومات العربية..
هذه أهم الأسباب التي تدفع بالدول العربية للتدخل في الشأن العراقي
عن طريق مبادرة ترى الحكومات القائمة بها أن الأمر قد حان للعمل بها،
سيما أن الأطراف القوية في المعادلة العراقية(أمريكاـ الأحزاب المعارضة
لنظام صدام) بدت أضعف اليوم في حسابات بعض الدول العربية، فأمريكا تريد
أن تنسحب من العراق بطريقة مشرفة، وأحزاب السلطة تخشى هذا الانسحاب
وترى نفسها غير قادرة على مواجهة الإرهاب بمفردها، فماذا لو ألقت الدول
العربية قشتها لواشنطن كي تبحر بعيدا عن رمال العراق المتحركة، وماذا
لو قالت واشنطن لحكومة العراق عليكم الاستعانة بقوات عربية تطمئن لها
القوى المعرقلة للعملية السياسية، والتي تملك علاقات مع القوى
المسلحة؟..
هذا ما يفكر به الساعون اليوم لخطة ستراتيجية لمساعدة العراق..
إفراغ الأقوياء سياسيا من عنفوان القوة، وتعزيز دور ضعفاء السياسة
أقوياء البارود عبر مبادرة سياسية تدخلهم ضمن لعبة حوارات جديدة لن
يخسروا فيها شيئا طالما من يرعاها يحمل نفس الأهداف والنوايا..
فهل ستصر الحكومة العراقية على رفض التدخل العربي.. عليها إذن أن
تتهيأ لقرارات أمريكية لا تنسجم كثيرا وأهدافها وخططها السياسية.. |