من مكتبة النبأ: التاريخ وسيطرة أوروبا على العالم

 الكتاب: التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر سيطرة أوروبا على العالم

المؤلف: د. جلال يحيى

الناشر: المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية – مصر

المعلومات: طبعة جديدة غير مؤرخة

(525) صفحة من القطع الكبير 

(يمتد التاريخ فترة تشتمل على عدة قرون، وحدثت فيها أحداث هامة غيرت طريقة عمل الإنسان، وطريقة حياته في المجتمع، وكذلك طريقة تفكيره، وأوصلته إلى أن يعيش في الفترة المعاصرة، في التاريخ المعاصر).

نقرأ في الـ(مقدمة):

لقد تعود أساتذة التاريخ الحديث أن يبدؤا شرح تاريخ هذه الفترة مع تاريخ القرن السادس عشر، وكانوا قد تعودا قبل ذلك أن يقصروا تاريخ عصر النهضة الأوروبية على (حركة الإنسانيات) عازفين عن شرح التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت قد سبقتها، ومهدت لها، وكانت أساساً طبيعياً ومنطقياً لكل تغيير لاحق.

وإذا ما حاول الباحث أن يستكشف العوامل الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي أدت إلى تحول حياة العالم من العصور الوسطى إلى التاريخ الحديث، فإنه سيجد نفسه بالضرورة يرجع إلى الوراء، زمنياً باحثاً عن الأصول الفعالة، فيعمل في القرن الخامس عشر، ويصل حتى إلى القرن الرابع عشر، حيث يجد المعطيات الأولى الدالة على التغيير، أو التحول، والتي تصلح أساساً صلباً لشرح تيارات التاريخ الحديث.

في الباب الأول (الاستعمار في العصور القديمة) وضمن متن الفصل الأول (بداية الاستعمار) نقرأ:

ظلت الأرض في حاجة إلى من يقوم باستعمارها طوال العصور التي خلت فيها من الإنسان، فكانت ميداناً للأسماك والزواحف ثم الفيلة والخيول، ثم الغزلان والقردة إلى أن ظهر الإنسان ولقد أعمل الإنسان فكره وأيديه، وتمكن من أن يسلح نفسه بالنار وبالأسلحة البدائية، فاكتشف – شيئاً فشيئاً – أنه سيد هذه الأرض، وعرف أنها تخضع له. وانتقل الإنسان من مكان لآخر وشنت جماعات منه هجمات على جماعات أخرى، وبدأت فكرة الاستعمار في الظهور، فما هي الأشكال الأولى لهذا الاستعمار وفي اي منطقة ظهرت قبل غيرها؟

1- الأشكال الأولى للاستعمار:

لا يمكننا أن ندعي أن انتزاع الأقاليم الشاسعة من سيطرة الحيوانات المفترسة، أو الطبيعة القاسية، والسكن فيها أو احتلالها، هو استعمار لها، وخاصة من فجر التاريخ ذلك أن سبب تغيير المناخ كان سبباً أساسياً أجبر الإنسان على الانتقال من مكان لآخر. فاضطر الإنسان إلى ترك الغابات والالتجاء إلى الكهوف، كما اضطر إلى ترك الكهوف والالتجاء إلى السهول واضطر إلى ترك منطقة إزدراء جفافها إلى منطقة مروية.

ولا شك أن أسباباً أجبرت قبائل آسيا على الرحيل صوب أوروبا وأمريكا وعلى مراحل وببطئ وفوق معابر طبيعية هي البرازخ والارخبيلات، فانتشر الإنسان على القارات. أما أسباب هذه التحركات والهجرات فهي الحاجة إلى الماء وإلى الشمس، وبالنسبة إلى جماعات الصيد... ولجماعات الرعي فهي ضرورة العثور على مراعي جديد لأغنام أفريقية وعجول آسيا. إن هذا الإنسان في حركته وانتقاله لا يستعمر، ولكنه ينتشر. ومن الضروري أن يتوطن هذا الإنسان في مكان معين ويبدأ في فلاحته حتى يتحول إلى مستعمر.

وفي حدود الفصل الثالث (الإمبراطوريات المنظمة) نقرأ:

إذا كانت الشعوب البحرية قد قامت، في العصور القديمة بإنشاء المراكز البحرية والتجارية على طول الساحل، وقامت بعملية الاستعمار، بدون خطة منظمة لها، فإن شعوباً أخرى قد قامت في نفس الوقت باتجاه صوب البر، وإنشأت مستعمرات متماسكة ومترابطة الأقاليم ولقد قاموا فعلاً باستعمار يمكن أن نسميه باستعمار الدولة، ودعموا نظامه بسلطة مركزية، وبإخضاع المناطق المفتوحة لهم إخضاعاً تاماً. والاستعمار هنا مرسوم، وتنظيم هذه الإمبراطوريات مرتبط بفن الحكم والسياسة.

وفي الباب الثالث (عصر النهضة وغزو العالم) ومن الفصل الثامن (كولولمبس والعالم الجديد) نقرأ:

بدأت فكرة الوصول إلى الهند عن طريق الغرب في الاختمار في رأس كريستوف كولولمب بعد أن وقعت في أيديه (صورة العالم) وهكذا يمكننا أن نقول أن الأتراك العثمانيين كانوا مسؤولين، وبطريق غير مباشر، في اكتشاف العالم الجديد، خاصة وأنهم قد ساهموا في إقفال طريق آسيا والشرق الأقصى المار في الشرق الأدنى... وكان الأوروبيون يقرؤن في ذلك الوقت كتابات ماركو بولو... كما كانوا يقرؤن كتب الجغرافية وكانوا يؤكدون وجود أراضي وجزر غريبة وعجيبة في المحيط الأطلسي، مثل الأنتلانتيد، التي تحدث عنها أفلاطون، وجزر الآنتيل. وكان الأوروبيون يروون هذه القصص، ويشيرون إلى أماكنها على خرائط العالم، وكأنها موجودة بالفعل وفي هذا الوقت وفي هذا الجو ظهر كريستوف كولومب البّحار، وظهر في جنوا.

(1) كريستوف كولومب:

كان كريستوف كولومب شاعراً ومسيحياً وواقعياً في نفس الوقت كان شاعراً لأنه تأثر بالكتابات والروايات المنتشرة في عصره، ومسيحياً لأنه كان مستعداً للقيام بحملة صليبية جديدة، وواقعياً لأنه اعتقد في أن الأرض كروية، وأنه يمكنه أن يجد في الغرب، ما قام أجداده بالبحث عنه في الشرق.

ولكن خرائط ذلك الوقت كانت غير دقيقة أو كانت تقرب المسافات كما أن أخطاء أخرى كانت موجودة وراء دوافع كولومب، فلم يعد هناك... يوحنا الراعي في الهند، ولا في غيرها من البلاد ولم تكن هناك قارة تسمى الأتلانتيد. ولذلك فإن اكتشاف العالم الجديد كان وليداً للصدفة، ولكنه كان في نفس الوقت وليداً للرغبة في الحصول على الذهب والفضة، والتي كان الاقتصاد الأوروبي في أشد الحاجة إليها، وكذلك الرغبة في الحصول على التوابل اللازمة للأوروبيين، وكان المستكشفون يتميزون بحب المغامرة، وكانت هناك دوافع دينية، إذ أن الغزاة قد اعتبروا أنفسهم من الصليبيين وأنهم ينشرون المسيحية ويرفعون الصليب في بلاد (الكفار) ورغم تكالبهم على الذهب والفضة والتوابل والملذات الجسدية، فإنهم قد كافحوا كمسيحيين وماتوا كمسيحيين وفي مشروع مسيحي.. وكان كولومب من جنوا، تلك المدينة التي تسير فيها الأعمال الرأسمالية، والمسيحية، جنباً إلى جنب، وبعد أن فشل في الحصول على مساعدة ملك البرتغال وملوك آخرين في أوروبا، تقدّم إلى ملك إسبانيا، وملكتها (فرديناند وايزابلا) وذكر لهم أن هدفه الأخير هو تخليص الأراضي المقدسة واستخدام الكنوز التي سيعود بها من رحلاتها في هذه العملية ولقد عينته إسبانيا أميراً للبحر، ونائباً للملك في كل البلاد التي يكتشفها، ومنحته الحق في عشر اللآلي، والأحجار الكريمة والذهب والفضة والتوابل، وأي سلع يجدها في هذه البلاد.

وجهز كولومب ثلاث سفن عليها تسعون بحاراً، وثلاثون مسافراً بينهم طبيب وجراح ومترجم وموثق وأقلع بها.. إلى عرض المحيط، دون أن يعلم أنه بدأ أكبر حركة للاستعمار في تاريخ العالم. وكانت الرحلة هادئة، ولكن البحارة كانوا قلقين ووصل إلى أمريكا الوسطى، التي ستصبح مع أمريكا الجنوبية من مستعمرات الملوك الكاثوليك.

وتأكدت دلائل الاقتراب من الأرض في اليوم السبعين للرحلة، وذلك بعد أن شاهد البحارة بعض الحشائش وأحد فروع الأشجار تعوم على وجه الماء، كما شاهدوا بعض الطيور، ثم ظهر الساحل فاقتربت السفن وأنزلت القوارب، وقفز منها كولومب على الشاطئ، وركع وقبّل الأرض، وحمد الله، ثم أشهر سيفه ورفع علم قشتالة، وأمر المؤثق بتحرير وثيقة الاستيلاء على هذه الأرض باسم فرديناند وايزابلا في سنة 1429.

إذ أن كولومب كان قد وصل إلى إحدى جزر البهاما في شمال كوبا، أما الأهالي فقد خافوا من رؤية السفن والأشرعة والرجال الأسبانيين، ثم أخذوا في الاقتراب منهم لمحاولة التعرف عليهم فمنحهم كولومب بعض الخرز والأجراس الصغيرة التي كان قد أحضرها معه. وكان لون الأهالي داكناً، وأطلق الأسبانيون عليهم اسم الهنود، وبقي هذا الاسم مستعملاً حتى الآن.

ومن متن الفصل الخامس (الثورات والاستعمار) ومن سطور الفصل الرابع عشر (التفكير الجديد) نقرأ:

ما أن ظهرت كلمة الاستعمار في العصور الحديثة وبدأ الناس في استخدامها حتى حدثت تطورات خطيرة في تاريخ الاستعمار وانهارت أكبر الإمبراطوريات الاستعمارية سواء أكانت في غالبيتها مستعمرات فرنسية أو كانت هي أغنى المستعمرات الإنجليزية، ومعظم المستعمرات الهولندية والإسبانية والبرتغالية وكان من حق العالم أن يتساءل عما إذا كان هذا العصر هو عصر الاستعمار أو عصر نهاية المستعمرات.

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 3 / تشرين الأول/2005 -  28/ شعبان/1426