وجدت
القاعدة القانونية من رحم حاجة الأمة أو المجتمع وذلك من اجل معالجة
مشكلة أو تنظيم حالة ظهرت في المجتمع أو لغايات و أهداف أخرى حيث يوظف
القانون أحيانا لتحقيق غايات غير مشروعة مثلما وظفته الأنظمة
الدكتاتورية بجعله وسيلة من وسائل القمع، واللجوء إلى إنشاء القاعدة
قانونية على الرغم من وجود القواعد الأخلاقية، التي اعتاد عليها
المجتمع، كان بسبب قوة الإلزام التي تتصف بها تلك القاعدة القانونية ،
وهذا الإلزام يرتب آثار مهمة جدا تصل إلى حد إنهاء حياة الإنسان أو سلب
حريته أو مصادرة ممتلكاته وغير ذلك من آثار أخرى .
لذا فان القاعدة القانونية وكما أسلفت وليدة الحاجة ويقترن وجودها
بوجود الحاجة إليها وحيث إن الحاجة متغيرة بحكم الزمان والبيئة والسلوك
والتوجه وحتى مصدر وجودها التشريعي، وهذا ما يجعل من القاعدة القانونية
متغيرة باستمرار وغير ثابتة ، لذلك نجد الأمم تشرع القوانين متى ما
وجدت إن الحاجة تدعو إلى ذلك . وفي الواقع القانوني العراقي نجد ان بعض
النصوص النافذة أضحت غير منسجمة مع الواقع الجديد سواء الزماني أو
الاجتماعي والاقتصادي وفي أي مجال ذي صلة بتطبيقات تلك القاعدة أو النص
القانوني .
وبعد الأحداث الزلزالية التي حلت بالعراق نرى إن الحاجات قد تغيرت
وأسباب نشوء بعض القواعد والنصوص قد تغيرت واختلفت، حيث أن بعض النصوص
نافذة منذ أكثر من نصف قرن من الزمان والأخرى وجدت لمعالجة أوضاع انتهت
في حينها او بعض النصوص كانت تعبر عن توجه سلطة التشريع القابضة، وكما
يعلم المطلع في علم القانون إن فلسفة الأنظمة الحاكمة في الفترة
السابقة كانت عملية التشريع فيها تنحصر في كون القانون يمثل فلسفتها
كسلطة قابضة، لذلك نجد نصوص ذات غايات تدل على تكريس السلطة لفرد أو
تحقيق مصالح فئوية أو شخصية .بالإضافة إلى أن الخلفيات الثقافية لرموز
تلك الأنظمة كانت مختلفة ومتباينة ففي فترة نهايات القرن التاسع عشر
وبداية القرن العشرين كان الحكام ورموز السلطة أبناء حواضر ومدن
ويعبرون عن ثقافة المدينة ثم حدثت الانقلابات العسكرية مما أدى إلى
وصول أبناء الريف وهؤلاء نقلوا ثقافة الريف فانعكست على عملية التشريع
حتى وصل الأمر إلى العمل على وفق ثقافة القبيلة والتفرد وربط الكل
بفلكه وهذه أيضا أفرزت وأوجدت نصوص معبرة عن تلك الثقافات والطروحات .
ومما تقدم فان القوانين النافذة التي لا زال العمل بها مستمر بحاجة
إلى إعادة النظر بما ينسجم والتطور الزمني والنوعي لواقع التشريع
القانوني ، ومن الجدير بالذكر ان القضاء العراقي لازال يعمل على وفق
النص النافذ حتى لو كان القاضي يدرك ويعلم انه لا ينسجم مع المرحلة
الحالية ومثله الموظف في أي موقع كان في هرم السلطة التنفيذية، ومن هذه
الحاجة إلى إعادة النظر في القوانين النافذة، تنهض الدعوى إلى مناشدة
كل مؤسسات المجتمع المدني لأخذ زمام المبادرة في تعميم النصوص النافذة
وذلك من خلال تغلغلها في كافة القطاعات سواء كانت اقتصادية اجتماعية،
علمية، فنية، اوغيرها، وبواسطة هذه المنظمات يمكن أغناء هذا الموضوع من
خلال مناقشة كل فئة للقوانين التي تتعامل مع أنشطتها وتقييمها من خلال
مدى تطابقها مع الغايات العامة التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع العراقي
الجديد ومن ثم رفعها إلى الجهات ذات العلاقة بالعملية التشريعية بواسطة
الاتصال بمثلي الشعب أو رفعها بالمباشر إلى الجمعية الوطنية أو إلى
الحكومة من اجل اقتراحه على الجهات التشريعية .
وارى إن الحكمة من ذلك هو رفع النفس السلطوي الذي تتوفر عليه اغلب
النصوص النافذة خصوصا التي ظهرت بعد عام 1980، تلك الحقبة الزمنية التي
سحقت المجتمع العراقي بالحروب المدمرة، بالإضافة إلى الأسلوب الانتقامي
والحربي في آلية التشريع والتطبيق .
كما أرى إن هذا الأمر لو تم وبمشاركة فئات وقطاعات مهمة من المجتمع
ستعزز من احترام أبناء المجتمع للقانون ليقينهم بأنه وجد بناء على
رغبتهم ومن اجل خدمتهم وسنتمكن من خلق ثقافة لالتزام بالنص والقانون لا
ثقافة الإلزام القسري للتقيد بالنص القانوني ، ومن كل ما تقدم اكرر
الدعوى إلى كل الفئات الاجتماعية وتحت أي مسمى كان للعمل على وفق ما
ذكر من اجل إيجاد منظومة قانونية معبرة عن واقعنا وملبية لطموحنا في
بناء مجتمع سليم وعدم الاعتماد على ما تقوم به الدوائر الحكومية فقط،
لان المواطن هو وعاء التطبيق ومحل التنفيذ وقد لا يدرك الموظف حجم
المعاناة للمواطن من النص النافذ أو قد لا يعلم بوجوده لكثرة التشريعات
النافذة التي وصلت إلى حد إصدار أكثر من إلفي قانون وقرار له قوة
القانون في سنة واحدة في الفترة الماضية . |