أنماط الحوار وحوار الأنماط

كتب قسم المتابعة:

في الحوار ومن الحوار وبالحوار فقط يمكن بناء النفوس عبر زيادة الفهم والإفهام وبالتالي خلق نمط من المساهمة الأخلاقية التي تحفظ حق الجميع في التعبير عما يجول بالخاطر ومما تجيش به العقول وتسيّده الأفكار.

بعيداً بُعداً قليلاً عن معنى الحوار فهناك مقابلة الجدل البيزنطي أي الذي لا يؤدي إلى صفاء الأجواء بين المتحاورين والحوار الممكن اعتباره التمهيد الأجدى للخطاب الناجع لا يحتمل التفلسف كثيراً حوله وذلك من أجل توفير القناعة بمسألة أو موضوع ما مادام الحوار وبالذات الحوار المباشر الذي يخاطب الضمائر قبل العقول هو أحد وسائل التواصل المرغوبة مع الآخرين واللاممكن ألا تحبيذها.

وما اشتهر حتى من أنماط الحوارات هو الحوار مع الآخر في حين أهمل موضوع الحوار مع النفس أي تكلم المرء مع ذاته الذي يشكل قاعدة أكثر اعتباراً لو دُرس بعناية لـ(تحويل) الخصوم في الرأي إلى أصدقاء يحترمون بيانات التناظر أو الاختلاف معهم.

قيل قديماً أن عملية الانفتاح الاجتماعي إذا ما اعتمدت لدى أي جماعة من الناس فأنها تخلق الخطوات الأولى نحو ديمقرطة العلاقات بين الفرد والمجتمع والعكس صحيح أيضاً بهذا المضمار. فها أن البشرية اليوم أمام حوارات إعلامية مختلفة وواسعة ترافق النشاطات الحياتية التي أكفلتها وسائل النقل بالصورة والصوت عبر القارات بحيث بدى ويبدو كل شيء الآن يسهل توصيله للآخرين وبأي لغة كانت ويمكن الإشارة هنا أن أفضل نمط من حيث الحوار النوعي هو التبسيط والوضوح عند الإدلاء بالكلام المخاطب به.

إذ من الثابت أن بعضاً ممن يملكون القابلية على الكلام المؤثر بتحفظون أحياناً من أن يكون الحوار وسيلة أولى للتفاهم مع الآخرين مفضلون الصمت طوعاً أي بلا مراعاة لـ(مقتضيات الموقف) كصيغة وكتوجه. ولأن احتكار الكلام (التصريح) من طرف واحد (فقط) يحجب جزءً من وجهات النظر عند الآخرين فلا يستغرب من بعض المعتمدين على هذا النوع من نمط الحوار كونه يصادر حق الآخرين في أن يدافعوا عن أنفسهم وحقهم فميا يرونه قد حان وقته وهذا يذكرِّ وبقوة أن (التداول) مسألة طبيعية من أجل أن يتجاوز الحوار إطار (مصادرة الآخر معنوياً).

ومن فضائل مكنون الحوار ما يبتعد عن التخيل أن المقابل المختلفون معه في الرأي هو (عدو مبين!) فمثل هذه النظرة المتخلفة قد عفى عليها الزمن. ولاحظنا خلال السنوات القريبة الماضية كيف ان الأنداد أصبحوا يجلسون حول محيط طاولة مستديرة ليتباحثوا حول أي نقاط يختلفون عليها وأي لا يتحفظون منها.

إن الاختلاف في الرأي يفسد أحياناً تجليات المحاور الإيجابي المقابل.. فتراه يبدي تأففه من حالات فروض معينة من الحوار أما عن موضوع خلق الخلاف المفتعل فهو حتماً يخلع من نفسية المقابل من نسبة الاستعداد لقيام حوار جاد وبناّء يتمتع به الآخر فالحوار الهادئ الموظف لأجل بيان الأمور يجعل من المقابل حتى (المختلف معه بالرأي) في وضع استمالي لصالح الآخر ولذا فقد قيل أن من أولويات الحوار الموضوعي التكلم بعدل وحق حتى لو كان على نفس المتكلم لأن هذا يخلق من جسور الثقة ما يمكن ان تحمد عقباه بين المتحاورين عموماص واللامتفقون على رأي محدد بدرجة أخص.

بعض الحوارات وبالذات المستندة لـ(تصريحات) شخصيات ما إذا ما تناقلتها أجهزة الإعلام (المرئية السمعية) فتخلق نوعاً من السخط لدى الجمهور الذي لم يراعي المتحاور الباث لحواره أثيرياً مقومات الحديث مع الآخر. ولعل من غرائب المتحاورين عبر الخطاب الإعلامي أن ما يدلون به من تصريحات يستغبى أحياناً عقول الجمهرات ولذا يمكن القول بكل أريحية أن أفضل شكل لخلطاب الحواري هو الندوات المفتوحة التي تتيح دائرة أوسع من التحاور مع الخطيب لأجل الحصول على حالة أفضل من التنوير الموجز الذي يقتضيه العمل الإعلامي ولعل في السؤال (من أين ينبغي أن نبدأ حواراتنا؟) طرح معلوم بعيد عن أي إثارة.

وأخطر أنواع الحوار بين اثنين أو أكثر هو اعتماد المغالطة كوسيلة للضغط على الآخر عبر تحريف الحقائق فلقد أظهرت السنين الماضية القريبة أن حال المغالطة عند البعض وصل إلى ذروته أحياناً في بعض البرامج وهذا النوع من الحوار السلبي سيبقى متصاعداً كما هو متوقع ما لم يلبث بمسؤولية لتدارك أوضاع وإرباكات الحوار السلبي المستند (للا – معرفة) وهذه المغالطة في طعن جوهر الحوار وإفراغه من محتواه والمؤمل أصلاً لنجاحه وإنجاحه كما يفترض ذلك ليست مسألة عادية يمكن غض النظر عنها لأن الإبقاء على حالة من التوازن بين العلميين والجهالة تضرّ بأهل العلمية وتصعد من نجمية الجهلة وما أكثرهم هذه الأيام ممن يتبؤون مواقع جد حساسة كل في نوع عمله!

ومما يمكن تسجيله لصالح ظاهرة الحوار وليكن الحوار الإعلامي – نموذجاً – فإن تطوراً ملحوظاً قد أظهر المتحاورون بأحيان كثيرة وبذاك فقد أفرغوا نسبة كبيرة مما يملكون من أفكار وآراء سواء كانت على شكل (تأييدات أو طعون) إلا ما ينبغي الاستشهاد به بهذا الصدد ان المشاحنات البغيضة أو السخرية من المقابل كانت رائداً لدى بعض المتحاورون وهذا ما أضعف قوة دائرة الحوار.

وجدير ذكره أيضاً أن بعض الحوارات إذا ما تخللها نقد حتى بناء فيكون ذلك بمثابة وخز لمشاعر الآخر الذي يغفل أن من شروط أوليات المحادثة تقبل النقد والرد عليه بحسب مقتضى الحال ولكن ضمن حدود استحضار الطرح الذي ممكن أن يصحح لذاك النقد أو يؤيد ما جاء به من معلومة حقة أو تحليل رصين.

ويبقى المهم في بيان أي حوار الاستناد للموضوعية والابتعاد عن التهويل وصرف فكرة الترصد بالآخر وذلك لأن المستفيد الأكبر من أي حوار أمام الرأي العام هو الجمهور وليس المتحاورون إعلامياً.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 29 / ايلول/2005 -24 / شعبان/1426