التغيير الإيراني: داخليا أو دوليا؟

حسن طهران

(1)

الموافقة الأولية على مسودة الدستور العراقي في الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة، رغم أنها ليست نهاية الأمر، لكن حتى هنا أيضا تعتبر حركة ميمونة. وليت الشرقيون  يتمكنون من الوصول إليه من دون حضور مراقب من الخارج، كيف وان هذه الرقابة كانت تحتاج إلى عملية جراحية لتخرج الغدة الجهنمية المتمثلة  بحكومتي صدام و الطالبان في العراق وأفغانستان، حيث استطاعت أن تجعل الفئات المتحاربة مع بعضها في أفغانستان ليجلسوا حول طاولة واحدة وهم قد تعلموا طريقة التعايش السلمي و المداراة، ثم كتبوا دستور بلدهم.

العراق بنحو آخر أيضا كان بهذه الصورة، حيث  الأقلية السنية قد مارست القمع و البطش بحق الأكثرية الشيعية طوال حكم صدام، إضافة إلى قمعها للأكراد .

إذا كان البعض يصف التدخل العسكري الامريكي في أفغانستان و العراق بالإستعمار الجديد، فإنه لايستطيع إنكار هذا الأمر انها علمت هذين المجتمعين أسلوب الحياة السياسية والديمقراطية و التعايش و المداراة، و هما كانا تحت أسوأ أنواع الإستبداد والتخلف السياسي، فعرفا أنهما يستطيعان أن يجلسا حول طاولة واحدة و يتفاوضا بشأن المصالح المشتركة أو الآراء المختلفة، وعرفا أن التفاوض أو الإتحاد أو الإختلاف لايعني أن يلغي الواحد الطرف الآخر، أو يريد النصر على من يعارضه في الفكر.

هذا الأمر كان من المقرر أن يحدث في إيران أيضا وفي فترتين و خلال تجربتين، عامي 79 و 97، و من دون الحاجة إلى تدخل عسكري دولي، لكن الفكر الإستبدادي المطلق الحاكم قد حال دون ذلك، بحيث قد ضاعت كل الفرص لأي إصلاح و تغيير، حتى وصل الأمر إلى عدم مراعاة حتى ذاك المظهر الديمقراطي الضئيل الذي ظهر قبل ثمانية أعوام بمظهر الإصلاحات، فوصل إلى ما وصل إليه من تلاعب في أصوات (الإنتخابات) الأخيرة ليصعد التيار الإستبدادي المتشدد، واليوم من خلال منصة الأمم المتحدة بدأ يتحدى المجتمع الدولي بإفتعال أزمة نووية و أغلق كل طرق التفاوض و الخيارات السياسية ليعرض إيران إلى هجوم عسكري.

"و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا"، الأمم تنتحر و لا أحد يعرضها للسقوط إن لم تظلم نفسها ولوكانت مسيرة الإصلاحات تستمر بالسماح لدخول التيارات الخارجة عن السلطة، و المداراة مع أصحاب الرأي الآخر، لكانت إيران تسبق العراق في بناء الديمقراطية الشرقية.

الأمريكيين قبل ستين عاما قصفوا مدينتي هيروشيما و ناكزاكي بالقنابل النووية، ولكنهم اليوم يتفاخرون أنهم قد علموا اليابانيين المتظاهرين بالغرور آنذاك، أسلوب الحياة الجديدة. كما أنهم أعطوا تلك الفرصة لألمانيا المبتلية بهتلر ليصبحوا على ما هم عليه الآن، و هذا كان أعظم إنجاز لأمريكا  من تدخلها في إنهاء الحرب العالمية الثانية. و في هذه المرة يعتبرون إنجازهم العظيم ليس الإنتصار على الصداميين أو الزرقاويين، بل تكرار ذلك الإنجاز بإنهاء الفكر الإستبدادي، و تعليم أسلوب التعايش و تحمل الرأي الآخر.

إن ما جرى ما في العراق من إنتخابات و تعيين مسودة الدستور، رغم  محاولة  الصداميين والزرقاويين للحؤول دون ذلك، تعتبر بادرة ميمونة في الشرق ليحذوا حذوهم سائر الشرقيون، فليصحح الإيرانيون أخطائهم قبل التدخل الدولي.

(2)

إحالة  الملف النوري الإيراني إلى  مجلس الأمن، أزمة إفتعلها النظام الإيراني، و هذه المرة لم تكن المواجهة مع أمريكا، بل مع المجتمع الدولي بأسره، وحسب تعبير المتحدث باسم مجلس الأمن تعتبر بداية للعبة صعبة.

في هذه اللعبة، نقاط  تستدعي التأمل:

النظام الذي يتحدى المجتمع الدولي و يعرض بلاده إلى هاوية الحرب و الدمار، يزعم أن له الحق في إمتلاك تقنية نووية، وانه لن يتخلى عن حقه  لذلك يتحدى المجتمع الدولي الذي يحاول ان يمنعه من ذلك الحق، و يعرض البلد لأزمات حادة تحت ذريعة العزة و الإستقلال!

نتسائل، هل الحاكمين على إيران، هم الوحيدين الذين اكتشفو ا معنى العزة و الإستقلال دون غيرهم، و هل سائر بلدان العالم قد باعت عزتها؟

بلدان كثيرة في عالمنا اليوم و هي أفقر من إيران و لاتحظى بتلك الإمكانيات و الثروات التي تملكها إيران، ولكن تقدم خدماتها لمواطنيها بشكل مطلوب، ولا تحتاج  أن تفتعل أزمة خارجية او داخلية.

إن مشكلة النظام الإيراني ليس إمتلاك تقنية نووية، بل إنها مضطرة لإفتعال ازمات لكي تخمد أصوات المعارضين تحت ذريعة هذه الازمات، وهذا كان ديدنها طوال 27 عاما من الحكم، وإلا إن كانت صادقة في كسب هذا الحق، فلماذا أصبحت إيران طوال  السبعة و عشرين عاما، أفقر من قبل، و أشد أزمة، و أكثر غلاءا و تضخما، و أقل أمنا، و ازدادت في التناقضات و الأزمات الداخلية، و مع كل الشعارات التي ترفعها، إقتصادها تتجه نحو الإنحدار، و عملتها تسقط يوما بعد يوم، و دوليا تتزايد العزلة  حولها، هنا نشير إلى تقرير البنك الدولي الذي عقد إجتماعه السنوي قبل أيام، أشار فيه  ان إيران ما استطاعت أن تستفيد من زيادة سعر البترول في محو الفقر الداخلي حيث يعيش تسعة ملايين من مواطنيها تحت خط الفقر، ناهيك عن أرقام المدمنين بالمخدرات و البطالة.

في مقابل هذه الأسئلة، يوجد لدى الحاكمين أجوبة حاضرة: الأعداء و الإستكبار بإفتعالهم لأزمات مختلفة لم يسمحوا للحكومة أن تصل إلى أهدافها العليا لصنع مجتمع مثالي.

في الرد على إجابتهم هذه  التي تكررت طيلة الأعوام الـ27،  يطرح مرة أخرى هذا التساؤل أو بالأحرى مخاوف  هل الحاكمون لايستطيعون العيش من دون أزمة؟، و إن لاتوجد أزمة يتعمدون في افتعالها ويذهبون لاستقبالها؟

المحللون الذين حللوا بهذه الرؤية خطاب أحمدي نجاد الأخير في الأمم المتحدة، ليسوا قليلين.

الشعب الذي يعاني من قلة الخدمات الطبية، و عدم وجود الأمن في بعض المدن والطرق، يتسائل ماذا ينفعه تخصيب اليورانيوم.

عقلاء القوم يتساءلون من أين أتت أساسا هذه الأزمة النووية؟ لقد انتهينا من مشاكل دولية قديمة، العراق، الطالبان، و الإتحاد السوفيتي، و حتى القضية الفلسطينية بعد موافقة الفلسطينيين أخذت تتجه نحو التحسن، و شيئا فشيئا إيران بدأت تحصل على  مقبولية و مكانة مرموقة في المجتمع الدولي و تخرج من عزلتها التي استمرت لربع قرن، فمن أين أتت القصة النووية؟ وكيف توصلت الحكومة اليوم فجأة أن البلد لايستطيع العيش من دون  تقنية نووية؟، هم الذين كانوا يوجهون سهام إنتقاداتهم و حملاتهم الشديدة ضد الحكم الملكي السابق –نظام الشاه- أنه لماذا ترك القرى والمناطق الفقيرة، و أخذ يشترى الأسلحة المتطورة، كيف بهم اليوم يدعون أن إمتلاك التقنية النووية و ذلك من نوعه المتطور و تخصيب اليورانيوم، أصبح اوجب من لقمة العيش للشعب، وعليه  أن يسعى لصنع مؤسساته، و من ثم يمكن التوجه لرفع سائر العلل!

الأزمة الأخيرة، أزمة قد تؤدي إيران إلى الهاوية إما بفرض الحصار و إما بالحرب، والإجماع الدولي الذي حصل ضد إيران تعتبر نتيجة طبيعية لأفعال الحاكمين، و لم يعد المجتمع الدولي يثق بما ينويه الحاكمون على إيران.

من هنا على عقلاء القوم أن ينصحوا أصحاب القرار بالتراجع و لو مؤقتا –كمثل كوريا الشمالية و ليبيا- عن هذا الحق المزعوم، و أن يصبوا إهتماماتهم لحل الأزمات الداخلية  سواء السياسية أو الاقتصادية، و إلا فإن استمرارهم في هذه اللعبة الخطيرة تعرض الحاكمين قبل المحكومين إلى المهلكة.

hassan_tehran@yahoo.co.nz

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 27 / ايلول/2005 -22 / شعبان/1426