الاستقالة الشفوية لوزير الثقافة المصري وتراجعه عنها: تأكيد على نظرة السلطة السياسية الدونية للمواطن المصري

أثار تلويح بالاستقالة عرضه وزير الثقافة المصري فاروق حسني قبل أيام انقساما في صفوف مثقفين وفنانين مصريين بعد نحو أسبوعين من حريق أودى بحياة العشرات في مسرح اقليمي حيث طالب البعض برفض الاستقالة في حين اعتبر اخرون أن الابقاء عليه "تأكيد على نظرة السلطة السياسية الدونية للمواطن المصري."

ودعا أعضاء (حركة أدباء وفنانون وكتاب من أجل التغيير) مساء الاحد في بيان الى "وقفة احتجاجية" مساء الثلاثاء بالتزامن مع بدء الدورة السابعة عشرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي حدادا على أرواح ضحايا حريق وقع في الخامس من الشهر الجاري بمسرح بمدينة بني سويف الواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر جنوبي القاهرة.

ووقع على البيان الذي حصلت رويترز على نسخة منه أكثر من 250 منهم عبد الوهاب المسيري وأحمد فؤاد نجم ويوسف شاهين وحسن سليمان وبهاء طاهر ورضوى عاشور وسيد حجاب وعلي بدرخان وجورج اسحق وعبد العزيز مخيون.

وأشار البيان الذي حمل عنوان (لكي لا تمر الكارثة) الى أن ما وصفه بالمحرقة البشعة التي راح ضحيتها حتى الان أكثر من 46 فنانا وناقدا أحدثت سجالا سياسيا وغضبا متصاعدا "ولكن القوى الثقافية الساعية الى تقديم المسؤولين عن المحرقة الى المحاكمة فوجئت بتيار محسوب على الثقافة المصرية يناشد مؤسسة الرئاسة عدم قبول الاستقالة المسرحية لوزير الثقافة."

وكان نحو 150 من الفنانين والمثقفين قد ناشدوا الرئيس المصري حسني مبارك في بيان تواصل التوقيع عليه يومي الخميس والجمعة الماضيين عدم قبول استقالة الوزير ومنهم عبد الرحمن الابنودي وأنيس منصور وصلاح عيسى وجابر عصفور وسميحة أيوب ورفعت السعيد اضافة الى صحفيين يعملون مستشارين للوزير.

ووجه مثقفون منهم صنع الله ابراهيم ومحمد البساطي وجمال الغيطاني يوم الجمعة الماضي خطابا الى نقيب الصحفيين المصريين جلال عارف يطلبون فيه "التحقيق النقابي في خرق بعض الصحفيين لميثاق الشرف الصحفي بالعمل مستشارين للوزراء الذين يغطون أخبارهم مما يؤثر على الحيدة الواجبة في التغطية الصحفية ويساهم في التستر على الفساد وتعويق التغيير الديمقراطي الذي ننشده لمصر."

ويتعرض حسني الذي يتولى منصبه منذ عام 1987 لانتقادات غير مسبوقة في تاريخ وزارة الثقافة المصرية اذ يحمله مثقفون وفنانون مسؤولية ما يعتبرونه انهيارا للسينما والمسرح حتى أن الشاعر البارز أحمد عبد المعطي حجازي اتهمه ضمنا في مقاله الاربعاء الماضي في صحيفة الاهرام القاهرية بالمسؤولية عما وصفه بتهافت الثقافة المصرية وتراجعها كما وكيفا وأن حريق مسرح بني سويف لم يكن قضاء وقدرا بل اهمالا يستوجب المحاسبة.

كما عقدت نقابة الصحفيين المصريين مساء الجمعة جلسة تحقيق غير رسمية من خلال لجنة لتقصي الحقائق ضمت صحفيين ومثقفين وفنانين واستمعت الى شهادات أسر وأقارب القتلى والمصابين في الحريق الذين أشاروا الى وجود تقصير في تأمين المسرح وداخل المستشفيات وحملوا مسؤوليته لوزارات الثقافة والداخلية والصحة. وطالبت اللجنة "باسم الاسر والضحايا بمحاكمة كل مسؤول عن الكارثة وان استقال لان الاستقالة لا تعفيهم من المسؤولية."

وقال الناقد أسامة عفيفي لرويترز ان استقالة الوزير "مراوغة وغامضة لانها لم تكتب ولم تقدم الى رئيس مجلس الوزراء" بل وضعها الوزير تحت تصرف رئيس الجمهورية.

ووصف بيان حركة أدباء وفنانون وكتاب من أجل التغيير التيار الثقافي والفني الذي يمثله المتمسكون بالوزير بأنه تابع "للادارة الرسمية وتحقيقا لمصالحه يصر على اخضاع الثقافة المصرية لاليات التسلط السياسي ويبرر كافة اختياراتها ويسعى لتفويت الفرصة على أية مواجهة حقيقية وأية محاسبة لهذه السلطة حتى عند وقوع كارثة بهذا الحجم."

وشدد على أن اصرار السلطة السياسية على "ابقاء وزير الثقافة في موقعه لم يكن الا تأكيدا على أن نظرتها الدونية للمواطن المصرى لم تتغير... علينا أن نتضامن كي نجبر تلك السلطة على اعادة النظر في تعاملها مع المواطن والفنان والمثقف ونكرر مرة أخرى اصرارنا على تقديم كل من وزير الثقافة ووزير الداخلية ووزير الصحة الى المحاكمة مع تحميلهم المسئولية السياسية والجنائية كاملتين ولن نقبل بأقل من محاكمة علنية لهم."

كما وقع أكثر من 40 فنانا من مدينة الاسكندرية بيانا عنوانه "فلنحاكم مشعلي الحرائق" ووصفوا ما حدث في مسرح بني سويف بأنه استهانة بالدماء وشددوا على "اختصام نظام بأكمله قوامه الفساد والاهمال والاستهتار والظلم."

وطالبوا فيه بالاقالة الفورية لمسؤولين منهم وزراء الثقافة والداخلية والصحة ومحافظ بني سويف.

بدوره اتهم وزير الثقافة المصري فاروق حسني الاثنين المعارضين لانعقاد الدورة 17 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بسبب حريق بني سويف الذي اودى بحياة 46 شخصا "بمعاداة مصلحة الوطن والثقافة".

وقال حسني في مؤتمر صحفي ان "التربص قائم تجاه هذا المهرجان بعد استغلال الماساة التي وقعت في بني سويف بشكل سياسي ولمصالح ضيقة".

وتابع "هناك جماعة تلتقي من اجل العمل على تخريب هذا المهرجان والمتاجرة بما حدث" مؤكدا ان "ما حدث يشعرنا بالمأساة وما زالت التحقيقات مستمرة حول الكارثة وعلى اعلى مستويات ونحن معنيون بمعرفة نتائجها اكثر من اي جهة كانت".

وكان حسني اتهم بالاهمال في حريق شب في مسرح بني سويف (150 كلم جنوب القاهرة) التابع لقصور الثقافة حيث كان يعرض عمل طلابي في اطار مهرجان مسرحي قبل حوالى عشرة ايام اودى بحياة 46 شخصا بينهم نقاد وكتاب وفنانون في السادس من ايلول/سبتمبر الحالي.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 22 / ايلول/2005 -17/ شعبان/1426