مع آدم حواء.. ومع إبراهيم هاجر ...ومع كل رجل امرأة

جميل عودة

   كان الجدال حامي الوطيس طيلة السنين الماضية، حول ما إذا كان القانون الإسلامي يسمح للمرأة أن تتولى الوظائف الاجتماعية والإدارية والسياسية؛ كأن تكون مدرسة في مدرسة، أو مربية في روضة، أو عاملة ومديرة في معامل ومؤسسات الدولة، أو تنخرط في العمل السياسي فتكون عضوا في منظمة أو حزب سياسي، ومن ثم رئيسة وقائدة لهذا التجمع أو ذلك.

  وكالعادة في السجال من هذا النوع ينقسم الناس بين قائل بظلم الإسلام للمرأة باعتباره يمثل من خلال تعاليمه عائقا أمام حركة المرأة وتطورها ومشاركتها في الحياة الاجتماعية، وبين متعصب يخط بين مبادئ الإسلام وأعراف المجتمع وتقاليده، فيرى أن المرأة إنما خلقت من اجل خدمة الرجل وتربية أطفاله، وما على المرأة المؤمنة إلا أن ترضى بقسمة رب العالمين، وان لا تتمرد على قيم السماء؛ كما تمردت نسوة الغرب اللاتي أصبحن رخيصات ومبتذلات، ينتقلن من حض رجل إلى حضن آخر مقابل أثمان بخسة... من هنا انبرت طائفة من الناس الواعين للدفاع عن الدين والمرأة معا، وتصوير العلاقة الايجابية بينهما، ذلك لأن الشريعة الإسلامية ما نزلت وما استمرت إلا من أجل الإنسان وصالحه، رجلا كان هذا الإنسان، أو امرأة.  

  ولكن كيف يمكننا أن نصور تلك العلاقة الايجابية بين قيم الدين والمرأة، بما يجعل الناس بما فيهم المرأة مطمئنة أن الدين يحفظ لها كيانها، ويضمن حقوقها، ويحقق طموحها؟.

  يبدو أن الرؤية الصحيحة للإسلام في قضايا المرأة، من حيث تناول حقوقها وواجباتها الفردية والاجتماعية، نحصل عليها بالرجوع إلى قواعد القانون الإسلامي في الكتاب والسنة، حيث نجد أن القرآن الكريم، يخاطب الرجل والمرأة خطابا موحدا " يأيها الناس" " يأيها الذين آمنوا" فيفرض لهما وعليهما في هذا النداءات ذات الحقوق، وذات الواجبات، مثل حق كل منهما في الحياة، وحق كل منهما بالحرية والفكر والعمل، وسائر ما يتعلق بممارسة شؤونهما المختلفة، بما لا يتعارض مع حقوق الآخرين.

وبالطبع، فان المشرع الإسلامي وهو الله تعالى قد لا حظ بدقة كون الرجل أو المرأة قادر على إنجاز واجبه مقابل ما يتمتع به من الحقوق المقررة، بمعنى أن الله تعالى في الخطاب الموحد جعل حقوق المرأة مساوية لحقوق الرجل، وواجبات المرأة مساوية لواجبات الرجل، ولا فرق بينهما، وكل منهما يتمتع بالحقوق بمقدار ما يلتزم به من الواجبات.

    ومرة أخرى نلحظ أن القرآن الكريم، يخاطب الرجل على حدا باعتباره رجل، فيفرض عليه واجبات والتزامات، ويجعل له مقابل ذلك حقوق وامتيازات، فمثلا يفرض عليه مقومات مالية متعددة من قبيل المهر والنفقة وغيرها، ويحصل من ذلك على امتيازات الخاصة كالقيمومة مثلا. وتارة ثالثة، نجد أن القرآن الكريم، يخاطب المرأة على حدا، باعتبارها امرأة، فيبين الذي لها والذي عليها من حقوق وواجبات.

  ومن هنا فان الخطاب القرآني الموحد بين الرجل والمرأة، لا أشكال فيه، ولكن الإشكال في خطابه للرجل لوحده والمرأة لوحدها، فما هو المعيار الذي اعتمده الشارع في تحديد حقوق وواجبات الرجل والمرأة، وبالتالي التمايز بينهما، الذي دائما يحسب لصالح الرجل وعلى حساب حقوق المرأة؟

  هذا التمايز في الخطاب الإسلامي، يبدو أنه قائم على أصل تمايز المرأة والرجل في الخلقة والتكوين؛ فالمرأة من حيث هي امرأة غير الرجل من حيث هو رجل، ولكن المرأة هي الرجل والرجل هو المرأة، ولا فرق في ذلك من أن كل منهما إنسان وآدمي. ولكن المرأة لها أيضا ما يميزها عن الرجل باعتبار انوثيتها، فان الله عز وجل أودع فيها أسرارا وجمالا، ورحمة وحنانا، وجعلها سكنا للرجل، وعلى ذلك منحها حقوقا تفوق حقوق الرجل من حيث هذا الاعتبار، ومنح الرجل باعتباره رجلا الكثير من المسؤوليات ورتب عليها بعض الحقوق المشروطة التي إذا ما تجاوزها الرجل في علاقته مع المرأة سلبت عنه تلقائيا.

  مشكلنا في البلاد الإسلامية ليست في تشريعاتنا قط، إنما في فهم هذه التشريعات تارة، وفي تطبيقها تارة أخرى، أننا حولنا التشريعات الاسلامية، مع مرور الأيام إلى ما يخدم رغباتنا كأفراد ومجتمعات، وبالتالي أخذنا نبتعد شيئا فشيئا عن روح نصوصنا، ونلتزم بما قررناه نحن حقا كان أو باطلا.

نحن مع كل ما تعانيه المرأة المسلمة، العراقية بالخصوص، من تميز وتفريق وقسوة في التعامل، لأن الواقع الاجتماعي الموروث ما زال يصر على سلوك ذات المنهج في التعامل مع المرأة وجودا وعلاقة، فالمرأة على طول الخط وقعت أسيرة الإفراط والتفريط، مثل الكرة تتقاذفها أيدي اللاعبين من كل حدب وصوب، كل يدعي بليلى وصل...

 ففي الثقافات غير المسئولة التي كانت سائدة في العصور الماضية في المجتمع الإسلامي، كتفت المرأة المسلمة بدور الحضانة والطباخة والخادمة المطيعة في كل شيء، فلعبت دورا هامشيا في حياة الأسرة المسلمة، حتى اخذ الرجل يتحفظ ويستكف من أن يذكر اسم زوجته أو ابنته أو أخته أمام الذي يحدثه، وإذا ما اضطر أن يتحدث عنها، فانه يذكر قبل اسمها لفظة "تكرم" أو "تكرم عن فلانه" احتراما للمستمع، وقبلت المرأة طائعة أو مرغمة حياة الذل والعبودية والاستغلال، وحينما بدأت ترفض دورها الهامشي وتطالب بالمساواة مع الرجل بمساعدة دعوات أنصار تحرير المرأة كسرت القيود وفتحت الأبواب المؤصدة، فهربت من مطبخ البيت لتعمل في مطبخ المطاعم والفنادق ودور السينما والملاهي والدعارة!.

وهربت هذه المرأة المسكينة من سرير الزوجية، لترقده ذليلة على كل سرير باسم التحرر تارة، والتطور تارة أخرى، وهكذا عاشت المرأة في القرن الأخير مظلومة مرة، وظالمة أخرى.

  عاشت مظلومة حينما استكانت للدور الذي قُدم لها، أي دور الخادمة المطيعة التي تعيش كالعناكب في هوامش الحياة، وعاشت ظالمة حينما قبلت دور الترفيه عن الرجال، واستسلمت لأجهزة الإعلام ووسائل الدعاية لتحولها إلى مجرد ألعوبة كبيرة في أيدي الرجال، وانتقلت في أحسن حالاتها من غلاف المجلات إلى شاشات السينما تتلاقفها أمواج الجنس والعري لترمي بها في مزابل الحانات. وهكذا سقطت المرأة مرتين، مرة حينما تحولت إلى مصنع للأولاد وخادمة مطبخ، ومرة حينما تحولت إلى زجاجة عطر وراقصة حانة، وكرقاص الساعة ظلت المرأة تنتقل من موقع لآخر، وهكذا... وكان لدور الأزياء ووسائل الإعلانات وحكومات الاستبداد المبطن والثقافات الغربية، الدور الأكبر في دفع المرأة إلى الانحراف باسم خلاصها من الانحراف.

   يتضح من ذلك كله أن المرأة المسلمة لم تفهم حقوقها بعد.. وما لم تسود المجتمع الإسلامي ثقافة عامة تعبر عن فلسفة احترام المرأة ككيان إنساني شريك للرجل، لا تستطيع المرأة مهما أوتيت من قوة وقدرة وسلطان، أن تتعرف على حقوقها، أو تمارس دورها في الحياة، كإنسان قوي، متحرك، وشجاع في سبيل الحق والحرية والعدل.

كلمة أخيرة أقولها إنه يجب أن يفهم الجميع أن مع آدم حواء، ومع إبراهيم هاجر، ومع موسى آسيه، ومع عيسى مريم، ومع محمد خديجة، مع علي فاطمة، ومع الحسين زينب، ومع كل رجل امرأة، حتى قيل وراء كل رجل عظيم امرأة عظمة، فالمرأة نصف المجتمع بل هي كل المجتمع.

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 19 / ايلول/2005 -14/ شعبان/1426