أولويات صانع القرار العراقي: لا لديمقراطية السلطة

خالد عليوي العرداوي*

قديما عندما صرخ ( بيركلس) الأثيني قائلا: إن السعادة أن تكون حرا، وان الحرية تتطلب أن تكون شجاعا، فانه لم يقصد بالشجاعة، شجاعة الحاكم في المناداة بالديمقراطية لان على الرغم من فهم الشجاعة هكذا(رغم أهميته وضرورته) سوف يجعل المطلب الديمقراطي أسيرا لهوى الحاكم وميوله ، فكما امتلك حاكم ما شجاعة وعزما على رفع الديمقراطية شعارا له، سوف يأتي حاكم آخر فيقبر الديمقراطية ويقضي عليها، وفي الحالين لن تجد الديمقراطية من يطالب بها أو يهدم سوى أصحاب السلطة أنفسهم.

إذاً الشجاعة التي تحدث عنها (بيركلس) هي شجاعة المحكوم لا شجاعة الحاكم، وهي أن يكون الشعب شجاعا في رفع الأغلال والقيود التي تستعبده وتمتهن كرامته وتقضي على حريته التي منحها له الله سبحانه وتعالى، فكيف يرضى الإنسان أن يكون عبدا لغير الله وقد خلق حرا، إن الشجاع لا يقبل بذلك، أما الخائف المرتجف من وقع أغلال وقيود الاستبداد. فانه يرضى أن تسحق كرامته دون أن يفعل شيئا، كالـوتد كلما زاد عليه الطرق زاد انخفاضا.

وإدراكا لهذه الحقيقة الخالدة في تراث الأمم، نتوجه إلى صانع القرار العراقي في هذا الوقت الحرج الذي يمر به البلد، بالإشارة إلى إن ما يجب أن يضعه في سلم أولوياته هو أن لايحرص على جعل الديمقراطية شعارا تنادي به السلطة، دون أن تغرس في صميم وجدان الشعب وتتجسد في سلوكه الفردي والجماعي، ذلك إن من اشد الأخطار التي تهدد الديمقراطية هو أن تكون مفروضة من فوق (السلطة) وليست صادرة من قاعدة المجتمع العريضة ،وإذا أخذنا بالحسبان مقدار الشك والريبة التي تحيط بأفعال السلطة في نظر العراقيين لما عانوه من استبدادها وتفرعنها، أدركنا شدة الخطر الذي يهدد الديمقراطية المفروضة من السلطة إذ سينظر لها على إنها لباس جديد يستر بها الطغاة تجبرهم وقهرهم للشعب.

وانطلاقا مما ذكرناه آنفا، فان الضمانة الحقيقية لمسيرة الديمقراطية في العراق، هي ليست ضمانة دستورية (قضائية أو سياسية)، بل هي ضمانة شعبية، عند ذلك، سوف نضمن إن رفع شعار الديمقراطية من قبل السلطة سيتناغم مع الثقافة الديمقراطية للشعب، وسوف يكون الناتج طيبا ونافعا متمثلا بإقامة نظام الحكم الديمقراطي الذي سوف يتمتع بالشرعية الشعبية والمشروعية القانونية التي تضمن استمراره واستقراره، ولكي تتحول الديمقراطية إلى ثقافة حياتية للشعب العراقي، لابد من بذل جهود جبارة لإزالة مؤثرات وتراكمات ثقافة الاستبداد التي عاش في ظلها الشعب لحقب طويلة حتى يكون شعبا شجاعا وواعيا بخياراته الصحيحة، إذ إن شجاعة الشعب ووعيه هي التي تمنع الحكام من الاستبداد وتجبرهم عن الانصياع لإرادته ((فالعدل الاجتماعي لا يتم لا إذا كان إزاء الحاكم محكوم واع يردعه ويهدده بالعزل، وحكام الأمم الحديثة(الديمقراطية) لم يصيروا عادلين لأنهم أناس أخيار يفكرون تفكيرا صحيحا، إنهم بالأحرى لايستطيعون أن يكونوا ظلمة مثل أسلافهم البائدين. فأمامهم قد وقف المحكومون وبأيديهم أوراق الانتخاب يهددونهم بالسقوط. وبهذا أصبح الحاكم الحديث عادلا خيرا متواضعا لا يشتري الجواري ولا يبني القصور... ولكن الذي جعله(كذلك)...هو الوعي الجبار الذي يقف له بالمرصاد في كل لحظة )) (علي الوردي، وعاظ السلاطين، ص101).

إن ما يحتاجه صانع القرار العراقي ليسير سيراً صحيحا بالبناء الديمقراطي في البلد هو غرس الثقافة الديمقراطية في المجتمع، فهذه الثقافة هي سلاح المحكوم بوجه الحاكم،وهي تتطلب أن يكون صوت الحوار وتقبل النقد والرأي الآخر والنسبية في الآراء لا الحقيقة المطلقة أعلى من أي صوت آخر وبهذه المبادئ تقدمت الأمم الديمقراطية وأحرزت حريتها وكسرت شوكة الاستبداد الذي حكمها، فلا ديمقراطية بدون مجتمع ديمقراطي.

*المعاون العلمي في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

www.fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 19 / ايلول/2005 -14/ شعبان/1426