مرت أربعة أعوام على حادثة الحادي عشر من أيلول-سبتمبر، وكل يوم من
أيام السنين يحمل شخصية خاصة لنفسه يصبح موضع اهتمام قسم من الناس، و
ذلك لأسباب و أحداث غير قابلة للنسيان، وفي مرور كل عام يستذكر الانسان
تلك الأحداث، خاصة لمن فقد عزيزا أو قريبا له في الحدث.
الذين فقدوا أعزتهم في تلك الأحداث، حينما يرون شريط الحدث، يبث في
ذكراه عشرات المرات، ويمرون بتلك اللقطات، لاشك أنهم يتأثرون ويحملون
ذكريات مريرة عنها، لا يمكن أن ينسوها.
كل الناس الذين فقدوا عزيزا لهم في زمن من الأزمنة كانوا يعتقدون
أنهم لا يستطيعون العيش من دونه، لكنهم و بمرور الزمن و اللحظات ينسون
حزن فقدانهم، مهما كان فقيدهم عزيزا ويمكن أن تسير حياتهم من دونه، لكن
بعض الأحداث تكون بشكل لا يمكن نسيانه بسرعة و يبقى الحزن جديدا رغم
مرور الزمن.
و هكذا بالنسبة لمن يرى أن الحدث كان في صالحه و أنهى مأساته و
معاناته، قد يبقى في ذكراه لسنوات بعده.
أولئك الذين فقدوا عزيزا لهم في حادثة الحادي عشر من سبتمبر
عام2001، حينما يرون تلك اللقطات التي تبث دائما على القنوات العالمية
من انهيار برجي التجارة العالميين و اصطدام الطائرتين بهما، يخطر في
بالهم شعور و لو للحظة واحدة، هل يمكن أن تخطئ الطائرة هذه المرة و لا
تصطدم بالطابق 66؟.
شعور ينتهي بعد لحظات بالأسى و الأسف، كلا لا يمكن ذلك، فالحادثة قد
وقعت، و مر عليها أربعة أعوام.
أما الذين تعرضوا طوال سنين إلى الظلم و الاضطهاد من قبل النظامين
المستبدين، نظام طالبان في أفغانستان و الحكم البعثي الصدامي في
العراق، وبعد انهيارهما، عبقوا بنسيم من الحرية، ويرون يوم الحادي عشر
من سبتمبر بمنظار آخر، و يعتبرونه مثابة بداية لنهاية آلامهم و
مصائبهم.
و أولئك الذين قد فقدوا أعزتهم بعد انهيار النظام المستبد، وذلك في
مجازر ارتكبها بقايا النظام البائد و متطرفين من السنة، ينظرون إلى تلك
الحادثة أيضا بمنظار مختلف.
توجد أنظمة في العالم تقر بأن العالم قد تغير بعد أحداث الحادي عشر
من سبتمبر، ولم يعد كما كان من قبل، و بذلك حاولت أن تغير نفسها قبل أن
يتم تغييرها، ولكن لا يزال يوجد أيضا من لا يرى ذلك سوءا في القسم
الشرقي أو الغربي من الكرة الأرضية.
في الولايات المتحدة نفسها و بالذات في نيويورك محل وقوع الحادثة،
كان" رودي جوليان" عمدة نيويورك و أمثاله من الساسة و التجار يرون من
الأفضل أن يبقى الوضع بالشكل الفوضوي والمتشنج، لأن ذلك يضمن ربحهم و
بقاءهم.
و في الشرق، اعتبرت بعض الأنظمة بما حل بسلفيها الطالبان و النظام
البعثي، فبدأت بهامش من التغيير و لو بصورة ظاهرية، ولكن في نفس الوقت
بقي نظام أو نظم لم تعتبر بما جرى حولها و لا تزال تمارس الحكم
الاستبدادي بل أخذت تتشدد في ذلك ظانة أن سعيها في امتلاك المزيد من
القوة السياسية و العسكرية يضمن بقاءها.
إن تبعات الحادي عشر من سبتمبر قد غيرت نمط حياة الكثيرين من سكان
الأرض، و إذا لم نقل أن إعلان الحاكم السعودي الجديد قرارا بمنع تقبيل
يديه واصفا أن ذلك يتنافى و القيم الإنسانية يعبر عن إحدى التغييرات،
فإن الإصلاحات الظاهرية في السعودية لها صلة مباشرة بهذا التغيير.
و يوجد في طرف آخر نظام غير نفسه ولكن بشكل آخر وفي اتجاه معاكس، و
ذلك بقمع المعارضين و التنكيل بهم أكثر من ذي قبل، حتى أنه لم يفكر
بالتظاهر بتلك الإصلاحات التي كان يبديها من قبل.
إن دراسة الأحداث التي وقعت من بعد الحادي عشر من سبتمبر خلال
الأربعة أعوام الأخيرة تدل على أنها قد تركت آثارها في معظم المناطق،
إبتداءا من أفغانستان ثم العراق و من ثم سائر بلدان آسيا الوسطى و
الشرق الأوسط وحتى شرق أوروبا و جنوب أفريقيا و دول شبه القارة الهندية
و الصين و الشرق البعيد.
بعد أفغانستان و العراق، إرتفع الصوت الأول من جورجيا، و أزيح
أدوارد شيفرنادزه عن السلطة بعد أربعة عشر عاما من جلوسه على كرسي
الرئاسة، وهو من كان يعرف نفسه انه بقية الإمبراطورية الشرقية و ممثل
غورباتشوف بعد إنهيار الحكم السوفيتي، الشعب الجورجي الساخط كان يتهم
شيفرنادزة بالفساد و الديكتاتورية، فأسقط بثورة إستمرت ليلة واحدة، لكن
هذه الثورة لم تشبه تلك الثورات التي اعتادت عليها المناطق الشرقية، بل
كانت نموذجا من التغيير في الغرب.
و في قرقيزيا تم التغيير أيضا بصورة مشابهة لما حدث في جورجيا.
في أوكراينا فاز المرشح الليبرالي فيكتور لوشينكو بثورة برتقالية،
وفي لبنان استطاعت الأحزاب المعارضة أن تسقط الحكومة.
في ماليزيا استقال ماهاتير محمد بعد عقد من الحكم، و في مصر و
السعودية شرع النظامان ببرنامج للتغيير. و لا يزال هذا التغيير
متواصلا، وقد يترك التغيير القادم صدى أوسع من التغييرات التي جرت في
البلدان المذكورة، وذلك في بلد سمي بأرض المفاجئات، نتيجة التغيير
المفاجئ الغير متوقع داخل أروقة نظامه. انه ايران.
هنالك منظار آخر من جهة أخرى ترى حادثة الحادي عشر من سبتمبر، و
قليل ما يتطرق إليه وسائل الإعلام و الدعاية، و ذلك من عيون أشخاص
كانوا يذهبون إلى الموت، وكانوا يعتقدون أنهم ينفذون عملا عظيما، و
لذلك كانوا مسرورين بما يعملونه، فبدؤوا بتنفيذ العملية دون أن يفقدوا
توازنهم، و ركبوا الطائرات، و في الوقت المعين ضربوا أنفسهم و
المسافرين و الطائرة بعمود البرج التجاري العالمي، و صرخوا أننا أنجزنا
عملا كبيرا، وبذلك زعموا أن ذكراهم ستبقى مخلدة في التاريخ، وبعد عملهم
قال بعض ذويهم عنهم، أنهم قد ذهبوا إلى الجنة لأنهم ضربوا أعمدة
الكفر!.
لا أعلم أن الجنة تكون من نصيب من في هذه الحالة؟ نصيب الضحايا أم
القاتلين؟!، ولكنني أعلم أن الجنة ستكون للذين يسعون من أجل بناء عالم
دون عنف و كراهية و ظلم وعدوان، بحيث لا يفكر فيه أحد أن يفقد طبيعته
الإنسانية ويظلم ويقتل إنسانا بريئا من أجل الوصول إلى غاياته ظانا أن
الغاية تبرر الوسيلة.
يمكن أن نتصور أنه قبل أربعة أعوام في يوم الحادي عشر من سبتمبر،
وفي تلك اللحظة التي كان يضج فيها الآلاف من مختلف الجنسيات، وهم
يحرقون أحياء و يرمون بأنفسهم من أعلى البرج إلى الأرض، في نفس تلك
اللحظات كان هنالك أناس آخرين ينظرون إلى هذا المنظر من خلال بث مباشر
أذيع في جميع الفضائيات، و هم مسرورين ويهنئون بعضهم، وخرجوا يطلقون
رصاصات الفرح في شوارعهم زاعمين أنهم انتقموا من الاستكبار و الصهيونية
بقتل الأبرياء!
هذا المنظار تكرر مرارا في العراق حينما كان المتطرفون السنة يقتلون
الأبرياء المدنيين و الأطفال و النساء، فتتعالى أصوات الفرح والتهنئة
من تلك الفئة، وسط نوح الثكلى و الأرامل و الأيتام!
في هذه اللقطة يمكن أيضا أن نرى وجوه الساسة و التجار الذين يربحون
حينما يرون الأجساد المقطعة و الأبنية المحرقة، و يخططون في الاستفادة
من هذه الفرص.
تمر الأيام و تعود الأحداث في ذكراها السنوية لتتصف بشخصيتها، و
كثيرة هي الأيام المؤثرة و الغريبة في تاريخ الشعوب بقيت في ذاكرتهم،
ومن هنا يمكن أن نصف شخصية يوم الحادي عشر من سبتمبر بيوم التغيير،
سواء لسكان الشرق أو الغرب، على أن يغيروا أنفسهم ليتجهوا نحو العدالة
و الحرية و نبذ كل أنواع الظلم و العنف و الكراهية و الاستبداد، وزرع
الأمن والسلام والديمقراطية و الرفاه والكرامة في نفوس جميع البشر. |