![](../49/images/110.jpg)
كتب قسم المتابعة:
تتوالى إيقاعات العصر التي هي عمليات التغيير المؤثرة بصور أبعد مما
يمكن تصوره مع أنه على الجانب الثاني من حياة هذا العصر الذي يمتاز
بالسرعة بكل شيء يمكن وصفه بعصر التطرف فعلاً نظراً لأن كل شيء فيه لم
يعد خاضعاً لأي قانون اجتماعي سائد أو عرف متداول بين الناس وهذا ما
جعل روح المواجهة تضعف على سطح العلاقات العامة بحيث غدى للمواجهة
مفهوم آخر.
فحتى (التقدم) الذي كان مصطلحاً له أبعاده من حيث المعنى لم يعد هو
الآخر مفهومه على ذاك القدر من الوضوح فالحياة تكاد يُقرِّ فيها أنها
معركة ليس من أجل البقاء للأفضل كما كان يوحى بذلك إذ يكاد الأمر
مستوقفاً على محور إثبات الوجود وكيفما يكون هذا الوجود اللاهث وراء
الأقوى وليس الأعدل الذي لا يكاد له غير الإشارة بالاسم أما من ناحية
الفعل فلا أثر حقيقي له ففي ظل المتغيرات التي تعصف بالعالم من كل جانب
فهذا ما اضعف المواجهة المعنوية المرادة إينما كانت هناك مواجهة، لدرجة
يمكن الإشارة الصريحة أن عدم الاستعداد لأي مواجهة فاعلة بما في ذلك
حتى المواجهات الفكرية قد تحول إلى نوع من المعايشة ذات الخطورة التي
أدت بالذات الإنسانية إلى أن تصل إلى حد القنوط واليأس.
وهذا النوع من المساومة الفكرية بثوبها الجديد يمكن تسميته بإيقاع
العصر الفعلي البادي محبذاً بعد أن تعبت البشرية من الهرولة وراء
الأفكار والمبادئ المنهزمة في ساحات المواجهة السياسية وربما العسكرية
أيضاً، ونحن نقترب الآن من البدايات لمرحلة العولمة الفعلية فمسيرة هذه
العولمة تبدو متخذة لخطواتها المبهمة المرامي للرأي العام في كل مكان
إذ أن الحالة التأييد واللاتأييد لها بآن واحد هو ما يميز شكل ولون هذه
المرحلة الجامدة على تقبل ما يقوله السياسيون الكبار الذين يتوهمون أن
حالة الوعي والتواعي عند المجتمعات قد قضي عليها وكم هناك من الأناس
الواعين إلا بعض جيوب من المشاغبين أو المتمردين بحسب تصريحات بعض
الرسميات الدولية وكل هذا يحدث بسبب عدم الشعور العال بمسؤولية الإخاء
الإنساني الذي يفضل أن لا يطعن لا بالصدر ولا من الظهر.
إن تقديم صورة موضوعية لتأثير إيقاعات العصر على أكثر من صعيد لم
تتطرق لها بشمولية مراكز الأبحاث والدراسات مع أن المعرفة المتكاملة
بهذا الصدد هي اليوم من أولويات ما يفضل أن يبحث عنه وبصورة حيادية
فبعيداً عن الحذر الزائد اللامطلوب عند مناقشة المؤثرات السلبية على
حياة كافة المجتمعات بأنحاء المعمورة فإن لعامل (الجهل) دور يجعل
التهيب من البوح الصريح مدرسة مطلوبة لا يُطبل لها سوى الانتهازيون
الذين لا تهمهم في المحصلة الأخيرة لا مصلحة الغرب ولا مصلحة الشرق
أيضاً فالعالم لديهم هو كيفية ملئ جيوبهم.
ولعل من مساوئ إيقاعات العصر الراهن أن محاور تعميم العدالة
الاجتماعية في معظم بلاد الكون لم يتبناها العديد من قادة السياسة
اعتقاداً منهم أن المفهوم القديم للمواجهة المعتمدة على (روحية الثأر
الوطني) قد أسدل الستار عليها مع أن لأقوياء السياسة اليوم فرصة
تاريخية أن يغيروا نهجهم نحو مواقع الإنصاف مع الآخرين ومن أجل أن تسود
المصالح المشتركة والعادلة بين طرفين أو أكثر.. فأشباع حاجات كل بلدان
العالم أمر يمكن أن يكون يسيراً لو سادت مبادئ التنمية الإنسانية بين
الجميع إذ تشير التطلعات أن للعالم خيرات ما يمكفي لسد حاجات البشرية
إذا ما ساد السلام العادل والوئام المنشود على الأرض.
ولا أحد يدري لماذا لا تلتفت إيقاع هذا العصر إلى تربية أجيال تحرر
العقول مما علق منها من صراعات الماضي الدولي وذلك بتقديم عربون العدل
عبر وثيقة شرف إنسانية عالمية لا تجيز لأحد استغلال أحد ولا تجيز لأحد
الهيمنة على أحد مهما كان نوع هذه الهيمنة خصوصاً وأن مثل هذا الطرح
ينسجم مع نداءات العولمة والعديد من الايديولوجيات والنظريات الوضعية
حتى تكون للمواجهة مفاهيم أخرى تصب كلها في مجرى المنهج التكاملي حتى
بين المبادئ المختلف معها مادام العمل عند الجميع سيتموضع في خدمة
المصالح العامة لكل المجتمعات وبآن أخوي بشري واحد.
يمكن أن يكون ضعفنا في عدم تخيل المستقبل الذي سيواجه الأجيال
القادمة حتماً أحد العلل التي تسيء لغاية وجودنا بهذه الحياة فطريق
الخلاص لا يأتي كما هو معلوم بصورة اعتباطية بل بطريق العبور بالواقع
البشري إلى واقع جديد يستوعب انصهار سلمي بين المجتمعات من جهة
والأنظمة الحاكمة عليها.
إن مؤثرات إيقاع العصر مازال بأيدي قادة السياسة أولاً ثم بأيدي
المثقفين بالدرجة الثانية ولعل في العود على بدء أن لا يكون هناك تحسس
مغالاً به بين الفرقاء المختلفون في مدارسهم الفكرية والايديولوجية
وتحويل المواجهة من التفكير الذاتي المتعصب لمبدأ ما لا يفضل أن يخرج
عن حدود الاعتراف بالآخر ولغة الخطاب هي الأخرى لا يفضل أن تخرج عن
حدود الحوار الموضوعي فالبؤس يلف العالم والتنازل العقلاني عن بعض
المفاهيم من أجل الصالح العام ضمن عملية تجريب يتفق عليها تخلق من
رحابة الظروف ما سينهي حالة (الرقابة على الأفكار).
ففي لحظة واحدة قد ينهار صرح سياسي بكامله لكن نبض الحياة يبقى هو
الأمضى في كل الظروف فكيف نتقي الحالة السلبية التي تدق إيقاعات عصرنا
الراهن رؤوس من يسمعها بقوة. إن رحلة في أعماق النفس البشرية تجلي
الحقيقة الكاملة اللاسر فيها وهي أن امبراطوريات كانت قائمة على الباطل
أو الحق قيد محيت من وجود الاستمرار لكن الفرق بين من أعدل كسب سمعة
التاريخ ومن بطل قد رميت ذكراه على مزبلة التاريخ.
أن العِظة من الدروس المتراكمة في الحياة تكشف لكل جيل محاكاة جديدة
للواقع والوقائع ولعل في التوجه بخصال ترتيب الأوضاع لجهة مصالح الأمم
إنقاذ عظيم من صراع الأضداد اللامبرر في أحيان ليست قليلة. |