رغم إختلاف الأسباب في حدوث فاجعة الكاظمية وإعصار كاترينا، إلا
ان المأساة الإنسانية تعتبر السمة المشتركة بينهما بغض النظر عن الموقف
الإسلامي البارد تجاه مجزرة الجسر ورد فعلهم المساعد وتضامنهم في
كارثة كاترينا!.
"راي نيجين" عمدة مدينة نيوأورلينز المتضررة بالطوفان، حينما رأى
جورج بوش بعد خمسة أيام من حدوث الفياضانات، ينزل من سلم الطائرة قادما
إلى المنطقة المصابة بالإعصار، وجه اللوم والإمتعاض الشديد لرئيس
الولايات المتحدة لتأخيره في المجئ قائلا: " ليس من العدالة أننا
نواجه مصيبة كبيرة، وأنت متكئ على كرسيك في طائرة من الدرجة الأولى!،
لا أعلم ماذا كان باستطاعتك أن تعمله أنت مع السيدة كاتلين بلانكورئيسة
ولاية لوتيزانا ولم تعملاه؟، ولكنني أعرف جيدا ان الله حاضر وناظر على
أعمالنا جميعا، وإن لم تفعلوا شئ من أجل إنفاذ الضحايا، فستدفعون ثمن
ذلك بالتأكيد…".
هذا الكلام يشابه قول ذلك الرجل المسلم الشيعي المسمى بحيدر الذي
ظهر على شاشة تلفزيون بي بي سي في تقريرخبري عن فاجعة الكاظمية، حيث
رفع يداه إلى السماء وصرخ مناديا: " لا أدري من المسبب لهذه المصيبة،
ولكنني أقول ان الله تعالى حاضر وناظر على أعمالنا وسيجري العدالة
ويأخذ ثأرنا من الظالمين".
إن رب العباد سبحانه وتعالى الذي يطمئن الجميع بحضوره ونظارته،
ويوكلون أمرهم إليه، ماذا يفعل بعباده؟.
الملايين من الشيعة المعزين الذين كانوا يتجهون نحوبغداد في ليلة
إستشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليهما للحضور
في حرم مولاهم، وهم يرددون كلمات العزاء والمصاب، أصيبوا في الوهلة
الأولى بعدد من القذائف، تلقوها من السنة المتطرفين، وإثر هذه القذائف
استشهد على الأقل 12 شخصا، وبعد دقائق كان أفواج المعزين يعبرون من جسر
الإمامين، وإذا بمتطرف سني آخر يصرخ من مكان مرتفع " يوجد انتحاري
بيننا قد ربط على نفسه حزام متفجر" وبذلك نشر الموت، وتناثرت الأبدان
الواحدة تلوالأخرى لتلقي بنفسها على النهر فحدثت مجزرة كانت حصيلتها
أكثر من نتيجة أية عملية إنتحارية أخرى! راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد
ومئات الجرحى.
وفي كارثة كاترينا في الوهلة الأولى ذهب ضحية الأعصار حوالي 800
شخص، لكن المصيبة الكبرى حدثت حينما أطلق رجال مسلحون النار على
المصايبين وذلك طمعا في أموالهم، نتيجة غياب القانون، فسقط ضحايا عشرة
أضعاف من ضحايا الطوفان!.
الإنسان هوالإنسان، والمأساة هي المأساة، شيعي مسلم عراقي، ومسيحي
أمريكي، رغم الظلم المضاعف على الأول من قبل الحاكمين طوال فترة
الإستبداد، ومن قبل العرب السنة بعد إنقضاء فترة الإستبداد، على الأقل
الثاني كان يتمتع بالحرية والديمقراطية ولم يحكم عليه أي نظام
إستبدادي، وكان يطلق على بلاده عنوان جنة الله في أرضه، ولكن الأول
بدأ للتو يملك دستور ديمقراطي يضمن له أن يمارس شعائر مذهبه بحرية
ويظهر معتقداته دون ملاحقة الحاكم المستبد، لكنه ابتلى بأناس آخرين
إنتحاريين.
الثاني كان يحكم عليه حكومة شبه قبائل منذ أن عرف نفسه، ويملك دستور
ديمقراطي عمره 250 عام، وبقوة قانونه حول بلده ليكون أغنى دولة في
العالم، ولم يبتل بعدها بحروب داخلية رغم أنه يجمع 52 دولة على شكل
ولاية لم تضعف قواها بل أخذت تتزايد لتصبح القطب الأوحد في العالم،
وترى أن تحمل على عاتقها رسالة تجعل العالم بأسره كمثل نظامها، لذلك
نرى هروب الأدمغة والعلوم والأموال إليها من كل مكان، فتسرق الإختراعات
وتحمي المخترعين، فأصبحت الجنة الموعودة للملايين من الذين تعرضوا
لوطأة الفقر والإستبداد في النصف الشرقي من الكرة الأرضية.
لكن الأول قد حظي بحضارة عريقة وبأول حكومة ديمقراطية قبل 1400 عام
أسسها أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليها في
الكوفة بعد حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة، وقام
بتنظير أسس حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية لتصبح مبنى لكل من يريد
ممارسة الحكم العادل جمعت في كتاب سمي "نهج البلاغة"، وهي مجوعة خطب
ألقاها من منبر الكوفة عاصمته في العراق، ورسائل أرسلها إلى حكام
الولايات، فاستلهم منه اليوم أصحاب الفكر في الغرب المتحضر، لكان الفكر
الثلاثي المستبد المتمثل بالناكثين والقاسطين والمارقين، استهدف ذلك
الفكر الشيعي الذي أسسه الأمير على طوال1400 عام في مهد هذه الحضارة.
الأول كان يملك الذهب الأسود، لكن الحكم الطائفي حول هذا السائل إلى
اللون الأحمر.
أما الثاني فحضارته لم تصل إلى ثلاثة قرون، لكنه اليوم يطلق على
أرضه عنوان أرض الحضارة والصناعة.
وبناءا على ما سبق ينبغى أن لا نرى وجه شبه بين القومين، ولكننا نرى
ذلك!، وذلك في مصيبة نزلت على كلاهما في زمن واحد بواسطة الذات
الإنسانية الطاغية والمدمرة.
وكلا الرجلين "حيدر" و"راي نيجين"، رفعا صوتيهما يستغيثان بالله،
ويؤمنان بأنه الحاضر والناظر وينفذ عدالته ويأخذ ثأرهم ويعاقب
الظالمين.
الإنسان الذي يتعرض إلى ظلم وإنتهاكات تجرى بإسمه ويزعم مرتكبوها
أنهم يمثلون حكم الله وإرادته، ترى هذا الإنسان المظلوم يتقرب إلى الله
ويطلب عدالته في من يزعمون أنهم ينفذون حكم الله. وحتى حينما يملك
القوة، لايستطيع الإستغناء عنه ويحتاجه بنفس القدر حين يكون مظلوما
وضعيفا.
الإنسان في الغرب والشرق لم يكتشف أية قوة أخرى تفوق قوة الله
تعالى، ولم يجد أي أمل أكثر من الأمل الذي يجده عند الباري. ولاتزال
الأبنية العظيمة والبروج المشيدة تبقى ضعيفة أمام البناء الذي يبنى
بإسمه ويسمى ببيته، سواءا أطلق على هذا البناء عنوان المسجد أوالمعبد
أوالكنيسة.
كما يوجد أيضا من يشن الحروب ويرتكب أبشع المجازر بإسمه.
ويوجد من يدعي معرفته ويناجيه، ثم يعصيه ويتوب إليه، ويسن القوانين
بإسمه ثم ينتهك القانون بنفسه، ويكذب عليه، وينظر إليه كما يريد، ويصدر
الأوامر بإسمه، ويفعل ما يشاء، ولكنه مع ذلك لايزال يثق برحمته ولم
ييأس من روحه.
لكن الويل لمن يطغى ولاتستطيع أن تتحدث معه.
الويل لمن يحكم بإسمه ولايمكن أن تعترض عليه، ولا أن تنصحه
أوتنتقده، فإذا عاتبته بأقل عتاب، أوذكرت إسمه دون ذكر لقب، بل وحتى
لوأطريت عليه ومدحته بأنواع المديح، لايمكن لك إلا أن تطيعه وأن
لاتعصيه!
تستطيع أن تناجي ربك وإذا عصيته تعود إليه، لكن مع من يدعي أنه يمثل
حكم الله ويظلم عباده لاتستطيع أن تزعجه بوخز كلمة، ومن هنا لايبقى
للعباد ملجأ إلا الله أن يهربوا ليس ممن يتظاهر بالإلحاد، بل ممن يدعي
تمثيل إرادته تعالى ويذبح عبادالله بإسمه في العراق، وفي جار العراق
ينتهك الحرمات، عليهم أن يهربوا من هؤلاء إلى الله تعالى لأنهم واثقون
إنه حاضر وناظر على جميع الأعمال، وسيعاقب المجرمين ويأخذ بثأرهم وليس
بغافل عنهم، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، في هذه الدنيا قبل
الآخرة.
إن كل مصيبة تلحق بالإنسان، هي من الذات الإنسانية الطاغية.
*كاتب وباحث إيراني
Hassan_tehran@yahoo.co.nz |