s

 
 

الإستبداد و الديمقراطية... دوليا و محليا

-على هامش منع دخول الوفد الإيراني إلى نيويورك-

حسن طهران*

عدم منح التأشيرة للوفد الإيراني (حداد عادل رئيس مجلس الشورى الإيراني وعدد من مرافقيه)، للدخول إلى نيويورك للمشاركة في الإجتماع السنوي لمؤتمر بين المجالس للأمم المتحدة، رغم أنها لاتتعدى عن كونها حملة إعلامية شنتها الولايات المتحدة، و يمكن من حلها بواسطة أمين عام منظمة الأمم المتحدة، إلا أنها تحمل في طياتها قصة تستدعي التأمل.

الولايات المتحدة الأميركية تحمل على عاتقها وظيفة إستضافة جميع المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، و طبيعيا لايحق لها أن تمنع حضور الوفد الإيراني القادم للمؤتمر، رغم ان لها الحق أن تضع بعض العراقيل حين دخول وفود أو أتباع بعض دول العالم.

جاء القرار الأميركي الأخير في منع دخول الوفد الإيراني بمثابة ردة فعل عن الانتخابات الإيرانية الأخيرتين وعما جرى من تلاعب و تدخل مجلس أمناء الدستور في كلا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي جرت في أجواء غير ديمقراطية.

إن كان هذا هو سبب المنع، فهنا يطرح تساؤل كبير، هل الدول الأخرى التي سمحت أمريكا لها بالدخول للمشاركة في المؤتمر، يمثلون بأجمعهم أنظمة ديمقراطية؟

الجواب على هذا السؤال لايحتاج إلى بحث كبير، فهنالك دول لها مقاعد في الأمم المتحدة، ولكنها لاتملك  تلك الديمقراطية الضئيلة، ولا حتى مجلسا ظاهريا أو صوريا كالبرلمان الإيراني.

قد يتمنى الكثير من المعارضين للأنظمة الديكتاتورية والمستبدة، لو كانت الأمم المتحدة تمتنع من إستضافة الحكومات غير الديمقراطية الحاكمة على بلدانهم.

كما ان بعض الجهات ترغب بقطع العلاقات الإقتصادية من قبل الدول العظمى مع الدول المصدرة للنفط، تحت عنوان معاقبتهم لإنتهاكاتهم للحقوق الإنسان وبمثابة ضغط عليهم لكفهم عن ذلك، و هذا ما ذهب إليه الإتحاد الأوروبي خلال الأعوام الأخيرة حينما سن قانونا يحدد التجارة مع الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان.

إلا ان هذه الامنيات قد تبقى امنية و لاتدخل في مرحلة التنفيذ، على الأقل في الوقت الحاضر، وذلك بسبب تضرر  تلك الدول وتعرض مصالحها للخطر، حيث المبادئ غالبا ما تذهب ضحية المصالح.

مع ذلك  فإن بعض سياسات العولمة التي تمارسها الدول العظمى نجحت بعض الشئ حينما بدأت بممارسة الضغوط على الأنظمة التي تحمل ملفات سوداء، مما اضطرت هذه الأنظمة إن تبدأ بإصلاحات باتجاه الديمقراطية ولو بصورة ضئيلة كمصر و السعودية و بعض بلدن الخليج.

مهدي كروبي –رئيس المجلس الإيراني السابق- و الوفد المرافق له حضروا مؤتمر بين المجالس في نيويورك قبل أربعة أعوام، و الولايات المتحدة سمحت لهم بالدخول آنذاك، وإستدلال أمريكا ان ذلك الوفد حسب القوانين الإيرانية كان يعتبر ممثل البرلمان الإيراني والرأي العام الإيراني، و جلس على مقاعد المجلس بصورة قانونية حسب الظاهر، ولكن حداد عادل والمحافظين لم يجلسوا على تلك المقاعد إلا بعد التلاعب في الأصوات و تدخل مجلس أمناء الدستور  بشكل كبير بحيث لم يراعوا حتى المظهر الديمقراطي الضئيل أو القانوني الذي كانوا يتظاهرون به قبل أربعة أعوام، و استمر هذا الأمر في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة أيضا، حيث التلاعب و معارضة القانون الموضوع من قبلهم، كان ملاحظا بشكل كبير، وكان ذلك ناتج عن سلطتهم المطلقة في القيادة الإيرانية و مجلس أمناء الدستور، ومن خلال هذه السلطة استطاعوا أن يمنعوا منافسيهم في داخل نظام  الحكم، ناهيك عن معارضيهم من الجلوس على سدة الحكم، و ذلك بكافة السبل من عدم منح الصلاحية وحتى الضغوط والتلاعب في الأصوات.

هنا بيت القصيد، ان التيار المحافظ المعارض للديمقراطية، تعالى صوته المندد ضد قرار الولايات المتحدة الأخيرة بعدم منح التأشيرة للوفد الإيراني للمشاركة في مؤتمر بين المجالس الامم المتحدة، قائلين ان هذا العمل ينافي و القوانين الدولية المتفق عليها بعدم تدخل الحكومة المستضيفة في شؤون الأمم المتحدة، و ان الولايات المتحدة لايحق لها ذلك، لأنها استفادت من سلطتها لتمنع الوفد الإيراني من دون أن يسمح لها القانون.

حسب الظاهر إن هذا الإستدلال منطقي و معقول، ولكن لو قبلنا ذلك، فلايمكن قبوله من طرف الوفد الإيراني، ذلك لأنهم من خلال سلطتهم و نفوذهم منعوا غيرهم من منافسيهم، ناهيك عن أصحاب الرأي الآخر من الدخول في مارثون الإنتخابات، و أساسا ان وجودهم قائم على فرض السلطة، و إلغاء الآخرين في داخل المحدودة الجغرافية الإيرانية.

ولذلك لايحق لهم أن يعيبوا على أمريكا أنها تفرض سلطتها على العالم، فهؤلاء يفرضون سلطتهم على السطح المحلي، و امريكا تفرض ذلك على السطح العالمي.

قبل عامين هاجم الرئيس الأعلى الحاكم على إيران خامنئي، الولايات المتحدة الأميركية بطرحه لهذا التساؤل: كيف يحق لأمريكا أن تحارب بلدان العالم تحت ذريعة محاربة الإستبداد و هي تمارس الإستبداد العالمي؟ وهل الإستبداد داخل  المجتمعات يعتبر منكرا ولكن يصح الإستبداد العالمي الواسع؟

هذا الكلام يمكن من الرد عليه بهذا القول: لو  أردنا أن نحارب الإستبداد العالمي، فسبيله ليس في توسعة الإستبداد داخل الحدود، بل علينا أن نبدأ  بإزاحته من داخل الحدود  أولا، من المجتمعات الصغيرة و المحلية، لنصل بعدها إلى السطح الدولي و العالمي.

ولذلك رأينا حينما أزاحت أمريكا وقوات التحالف  نظام صدام عن الحكم في العراق، و نظام طالبان في أفغانستان قبل ذلك، لم يعترض عليها أحد (ماعدا الأنظمة المستبدة المماثلة).

كما نستذكر قبل ذلك، حينما أرادت قوات التحالف أن تزيح هتلر عن السلطة، لم يعترض عليها أحد، ولم يقل أحد أن أمريكا تريد فرض سلطتها.

من هنا فإن الحل الأمثل في معالجة الإستبداد محليا و دوليا ، هو اللحاق  بالعولمة المتجهة نحو الديمقراطية العالمية، و ذلك يبدأ من الداخل ومن مجتمعات صغيرة، وحينئذ سيزول الإستبداد العالمي تلقائيا.

*كاتب و باحث إيراني

Hassan_tehran@yahoo.co.nz

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 8 / ايلول/2005 - 3 / شعبان/1426