عقدة حزب البعث الصدامي في الدستور العراقي

بقلم المهندس فؤاد الصادق*

جميع المعايير والمقاييس والتجارب تتفق على اهمية معالجة اثار الدكتاتورية و فكرالبعث ورموزه، وليس في الأمر من غموض ، كما انه ليس من المسائل المستحدثة ، وكما يقول الدكتور شوركوبف:  

معالجة آثار الدكتاتورية والنازية في المجتمع الألماني بعد الحرب شغلت الألمان لوقت طويل ( 1995 ـ 1949 ) حيث جرى تقسيم أعضاء الحزب النازي الى خمسة أقسام وهما :

 الأول: قيادات وكبار أعضاء الحزب النازي الذين تمت محاكمتهم في محكمة نورنبيرغ الخاصة وعددهم700  عضوا قياديا.

الثاني: كوادر الحزب الوسطى والمسؤولين في إدارات الدولة وضباط الجيش وهم بضعة آلاف.

الثالث: أعضاء الحزب العاديين.

الرابع: صغار الحزبيين المتورطين.

الخامس: المغرر بهم.

وتمثل الأقسام الثلاثة الأخيرة الغالبية العظمى وبلغوا أكثر من عشرين مليونا.

وقد تباينت الأجراءات المتخذة ضد هؤلاء المتهمين في حينها وفقا لدولة الإحتلال حيث كان الأمريكان الأكثر تشددا في هذه الإجراءات فأصروا على محاكمة كل واحد من هؤلاء المتهمين كحالة واحدة فعقدت الكثير من المحاكمات والتي أخذت وقتا طويلا  وبلغ الإستجواب في بعض الأحيان 6 مليون سؤال للحالة الواحدة , أما البريطانيون والفرنسيون فأبدوا مرونة في الموضوع ولاسيما مع أعضاء الحزب النازي من الأقسام الثلاث الأخيرة وهم الغالبية العظمى.

وذكر الدكتور شوركوبف بعض الإحصاءات حيث تم إعدام معظم قيادات الحزب النازي من خلال محكمة نورنبرغ الخاصة , وتم سجن 9 ألاف عضو بأحكام متباينة وحرمان 29 ألف عضو من العمل في الدولة وفرض غرامات على 500 ألف عضو آخر.

ويقول اخر :

  وفي المبدأ الثاني الذي قضى بحلّ الحزب الالماني النازي وإجتثاث فكره ورموزه فقد أقرت محكمة نورنبرغ : سلسلة من الإجراءات لحل جميع التنظيمات والجمعيات النازية والأجهزة الإستخباراتية

 كما وضعت إستخدام الرموز والشعارات النازية في خانة العقوبات المشددة.

وفي إطار ملاحقة ما يقارب 8,5 ملايين ينضوون في الحزب القومي النازي، سارع الألمان أنفسهم إلى تشكيل تنظيمات وروابط جديدة حملت شعارات ملاحقة الفاشيين والنازيين، وشكّلت هذه التنظيمات الجديدة بلبلة وإستياء لدى قوات الحلفاء نظرا لإنضواء العديد من النازيين في صفوفها في محاولة لتطهير تاريخهم الشخصي بعد الهزيمة. وعمد الحلفاء لاحقا إلى حلّ هذه التنظيمات ومراقبة نشاط أعضائها بدقة.

وفي إطار مكافحة الحزب النازي قامت محكمة نورنبرغ بتصنيف الحزبيين إلى أربعة مراتب تجاه قانون العقوبات تمثلت كالآتي:

-         حزبيون صف أول في ارتكاب الجرائم (قيادات عليا)

-         حزبيون صف ثاني في ارتكاب الجرائم (ناشطون وجنود)

-         حزبيون صف ثالث (يدفعون غرامات لقاء الحرية)

-         حزبيون منفصلون وهاربون من الحزب

-         حزبيون متهمون (عليهم واجب رفع التهمة)

والجديد الذي اعتمده الأميركيون في عملية تطهير المانيا من الحزب النازي هو :

 طرد أعضاء هذا الحزب فورا من وظائفهم في مجالات الإدارة والخدمات العامة والمرافق الإقتصادية.

 أما في عمليات التوظيف الجديدة فقد عمد الأميركيون إلى وضع إضبارة تحوي 131 سؤالا يطلب من صاحب الوظيفة الإجابة عنها إستنادا إلى الثقة بصدقية ما يدلي به من معلومات ويتعرض للعقوبة المشددة من يدلي بمعلومات كاذبة. وإستنادا إلى هذا المبدأ جرى توزيع حوالي المليون إضبارة في نهاية العام 1945  في القطاع الأميركي، ما أدى إلى طرد 140 ألف موظف ألماني فورا من وظائفهم كما معاقبة ما يماثل هذا العدد بعقوبات طفيفة، بعد الإفصاح عن دورهم في الحرب.

وقد أدى مبدأ التطهير الحزبي الذي اعتمد في القطاع الأميركي إلى عملية شلل في الدوائر العامة،فتم استدراك ذلك  باصدارقانون جديد في العام 1946 بعنوان :

 "قانون التحرّر من الحزبية النازية" ساعد على إستعادة بعض الموظفين لوظائهم وعودة دورة الحياة الإقتصادية والإدارية إلى البلاد.

وقضى "قانون التحرّر من النازية" بتحرير ما يقارب  13 مليون مواطن الماني أعمارهم فوق الثامنة عشرة من تاريخهم ومن ماضيهم الشخصي النازي، وكان هذا القانون بمثابة خطوة تسامح تجاه شعب خضع عنوة لعمليات غسل دماغ وتحريف معلومات وحكم نازي تعسفي.

واللافت للنظر أن التعامل مع النازيين لم يكن بهدف إنتقامي بل جرى إعتبارهم ضحايا حكم تعسفي لذلك :

 أرفق الحلفاء قانون التحرر من النازية بقانون إعادة التأهيل السياسي في محاولة لتدريب وتأهيل الشعب الألماني على الديموقراطية وعلى الخيارات السياسية المتعددة.

وفي هذا السياق أيضا، أقدم الحلفاء على :

إغلاق جميع المدارس في ألمانيا وعلى معاودة فتحها ببرامج تربوية جديدة وموجّهة،

 صرف جميع المدرسين المشتبه بولائهم النازي من مراكز عملهم..

 كذلك أيضا، طالت عمليات  تطهير جميع المرافق الثقافية والفنية والصحافية ومختلف أوجه الحياة من النازية، وهذا ما ساعد على خلق جيل ألماني جديد، حاقد على مرحلة مظلمة من تاريخه، كانت سببا في إلحاق الدمار والويل في جميع أنحاء العالم.

ورغم كل المعالجات والخطوات الاحترازية ، السنوات العشرين الأخيرة أفرزت تنظيمات علنية للأحزاب النازية وبروحية متطرفة أشد قسوة لكنها من دون أذرع طويلة ، فقد تأسس في جمهورية المانيا الفدرالية عام 1964 م الحزب القومي الديمقراطي الالماني N.D.P.D.   على يد مجموعة يمينية حيث تتهم الصحافة الالمانية الحزب المذكور بانه ذو نزعة نازية جديدة وهو غير ممثل في المجلس التشريعي الفيدرالي الا انه استطاع الفوز بـ 62   مقعدا في الانتخابات التشريعية المحلية ( 1966-1968 ) وكان يتزعمه مارتن ماسغنغ عام 1980م .

اما الحزب القومي الفاشي الايطالي فتعرض للتطهير ايضا لكن بدرجة اقل من النجاح ، لعدم تكامل التطهير

ولذلك التف على قرارمنع اعادة تأسيبس الحزب الفاشي بانشاء حزب فاشي جديد هو الحركة الاجتماعية الايطالية

M.S.I   في كانون الاول - ديسمبر 1946 ، لكنه لم يستطع من الصمود اكثر من 3 سنوات تقريبا .

فالعدالة ومستقبل العراق والعالم والتجارب كلها تملي معاملة حزب البعث كما عومل الحزب النازي بعد زوال هتلر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وولادة عالم جديد، وهي معاملة الحظر النهائي ، وهناك تجارب عديدة

وكثيرة  ومن نوع اخر في المعسكر الشرقي حيث جري استيعاب أعضاء الأحزاب الشيوعية في أحزاب ذات تطلعات ديمقراطية أوسع مع بقاء جماعات كثيرة رفضت الانخراط في التغيير على تفصيل ، لكنها خضعت للقانون والارادة الشرعية ، وكفت عن الاجرام والتخريب و....... ، :

فكيف لايكون ذلك والكثير من البعثيين الصداميين لا زالوا في إجرامهم متواصلون ، وكأنهم يعيدون لعب دور

الفيلسوف النازي هايدغر والذي  بعد الحرب وبعد الكارثة الكبرى التي حلّت بجمع غفير من البشر في شتى أقطار الأرض، انزوى بالصمت، اتهم اللغة و الوجود بأنهما سببا اخفاقه وألقى باللائمة على ناقديه ووصفهم بضيق النظر وبأنهم لم يفهموا شيئا من فلسفته. لم يُِقدِم، ولو مرّة واحدة، على إدانة النازية ومجازرها ولا اعترف بأخطائه. بل إنه زوّر وغطّى وكذب وموّه بصورة مكشوفة وقدّم تعليلات واهية، الغرض من ورائها قلب التهم وتزويرالحقائق !! ، وكما فعل الفيلسوف الإيطالي جوفاني جنتيلي (Giovanni Gentile) هو فيلسوف الفاشية والمنظّر الرّسمي لها ومروّجها والمساهم في تجذيرها وفرضها على الساحة الثقافية في إيطاليا إثر الحرب العالمية الأولى؛  إيديولوجيا الفاشية تسعى إلى خلق إنسان جديد، الإنسان الفاشستي المتشبث بتراثه والمعتصم بقوميته والمجنّد نفسه للصراع وللحرب ولإعادة تحقيق مجد الإمبراطورية الرومانية في عصرها الأوّل والمطيع لأوامر القائد (Duce) التي تمثل قانونه ومثاله الأوحد.

فالحظر النهائي التام للحزب هو المطلوب ، اضافة إلى اجتثاث فكره ورموزه الاصليين من مرتكبي الجرائم  من المناصب والوظائف ، وتقديمهم إلى المحاكمات العادلة ، والالتفاف على ذلك بالتلاعب بالكلمات ،  في اخر مسودة للدستور يعتبرخطرا كبيرا ، ولاعلاقة لحظر الحزب بالعقوبة الجمعية ، لان موضوع الحظر شخصية غير حقيقية ، اما اعضاء الحزب فيجب تصنيفهم ، بدقة وأمانة وبعيدا عن الانتفام والتعسف  ووضع قانون التحرّر من الحزبية البعثية الصدامية  لتحرير البعثيين من تاريخهم ومن ماضيهم الشخصي البعثي، ليكون هذا القانون بمثابة خطوة تسامح تجاه شعب خضع عنوة لعمليات غسل دماغ وتحريف معلومات وحكم صدامي تعسفي، اضافة إلى قانون إعادة التأهيل السياسي في محاولة لتدريبهم وتأهيلهم على الديموقراطية وعلى الخيارات السياسية المتعددة والتسامح .

اما دعوة البعض الى "عدم ذكر اجتثاث البعث في الدستور، لان الدستور وثيقة تنظم العلاقة بين مكونات الشعب العراقي واحالة ملفاتها الى وزارة العدل ، أو القول بأن صدام لا يستحق أن يذكر في أهم وثيقة عراقية تاريخية، مرفوض جملة وتفصيلا لماتقدم ، فحتى بيان إعلان الاستقلال الأميركي تضمن الإشارة إلى الملك الإنجليزي المستبد .

اذا كانت كل المعالجات الالمانية  لاجتثاث النازية كحزب وفكر ورموز  التي تواصلت لـ 46 عاما باتت مهددة بعودة النازية:

فكيف سيكون الأمر عليه في العراق ؟

في الوقت الذي كثير من اعضاء حزب البعث الصدامي مازال يشهر السلاح في وجه الشعب العراقي المظلوم ويسمي الارهاب وتذبيح الابرياء مقاومة !!!

*معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات - واشنطن

Siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 6 / ايلول/2005 - 1 / شعبان/1426