كويتي لم تفارق البسمة محياه في أصعب وأحلك الظروف ..فكاهي .. (مزوح)
درجة أولى.. كان إلى جانب جعفر الديري في جنازة زوجة صديق بحراني في
إحدى مدن بلاد المنفى .. لحقه فتبعه في السلام على زوج الفقيدة الغالية
.. رأى جعفر عجبا .. رأى الزوج متبسما أيضا لحظة تبادل كلمات المواساة
والصبر على البلوى .
توجه جعفر للكويتي الصديق ..قال كلمات في أنفاس متسارعة : إنها
جنازة وموت ووداع أخير بلا رجعة ، والرجل مصاب في زوجته ، وأنت تتبسم
له وتنتظر منه رد التحية بأحسن منها حتى يضطر للتبسم في حزنه؟!
لم يول الكويتي صديقه جعفر رعاية ولم يخصه التفاتة .. لم يكترث
لدهشته ، وقال : عجيب أمر البحارنه .. قل لي بحق .. فك هذه الأحجية ..
رأس الغنم عندكم بمائتي فلس بينما رأس الهامور عندكم بدينار ، يا لها
من مفارقة !.
لم يتمالك جعفر نفسه فتبسمت في سؤال حائر.. قال : وكيف ذلك ؟!
شمر الكويتي عن ساعده الأيمن .. قال في نبرة محاضر بحراني عشق
التوجيه بلا قاعدة شعبية ..نصح جعفر: يا جعفر .. الموت هو الحقيقة
الأقرب إلى الخيال ، فتقبلْها مني ولا تكترث لتبسمي .. أنا اعرف الزوج
تماما .. رجل مؤمن إيمانا مطلقا بأن الموت حقيقة فيعطي كل ذي حق حقه ..
سلمت عليه فرد التحية بأحسن منها .. تعال إلى جانبي .. لماذا أنت تسخر
لقولي في رأس الهامور .. هو أغلى ثمنا من رأس الخروف في سوقكم
الاقتصادي..أليست هذه حقيقة تبعث على السخرية ..ربما هي واحدة من
علامات الرفاهية الاقتصادية التي وعدتم بها بعد الإصلاح .. إن بلادكم
بلاد العجائب في الصيف والشتاء بلا موسم سياحي .. بلاد المفارقات ..
بلاد المتناقضات بلا قيم أحيانا.. تقتربون وتظنون أنكم تبتعدون ..
وتبتعدون فتظنون إنكم تقتربون بلا وعي .. تهيمون في وادي الخيال!.
هل تعلم يا صديقي جعفر ـ والكلام للكويتي- أن بلادكم ستضج بسكانها
بعد ثلاثين عاما ؟ّ..كنا نراهن على نفاذ البترول حتى عام 2025م وإذا
بالأرض قد نفذت قبل أوان نفاذ البترول ..تقاسموها دونكم تقاسم الأطفال
لحلوى (الحلقوم) و(علوج الخنزير) ..انتم ضيوف علينا في الكويت فالأرض
تسعنا وتسعكم.. وفي الفيدرالية على هيئة جيراننا العراقيين سعة!
هل يعلم البحرانيون ما سمعته من مهندس مدني بحراني التقيت به قبل
شهر تقريبا ؟ّ.. قال فيما قاله : أن ميزانية البحرين العامة التي تعتمد
على 97% من وارداتها المالية على النفط وتكريره وتصديره – خسرت ثلثين
من دنانير الميزانية العامة منذ عام 1970م ، أي بمقدار الميزانية
الكلية لـ10سنوات من بين ميزانية 30 سنة ..
وهل يصدق البحرانيون بأن كل ما أنجز من قبل الحكومة منذ استقلال
البحرين حتى اليوم من خلال مقررات الميزانية العامة كان بقيمة 12 مليار
دينار فقط لا غير من 38 مليار دينار، وان 25 مليار دينار سرقت خلال
الثلاثين عاما الماضية ، والسارق معلوم يتحدى أمراء الخليج بثروته..
فهل أصبح رأس الغنم مفجوعا بأمه لحساب رأس الهامور وفصيلته فلا يضحك
البحرانيون اليوم بملء أشداقهم ؟!
فكر جعفر مليا .. وعزم .. لابد من إجابة تخرجه على الحرج العظيم
والموقف الصعب ، فالكويتي صديق ولكنه ذو دعابة ولسان الماكر .. قال :
أنت لا تعرفنا نحن البحرانيون .. ففي مقابل دنانيرنا المسروقة نحقق كل
يوم انتصارات على السارق بطريقة واقعية براغماتية ..نحن نؤمم المساجد
والحسنيات وكل مؤسسة مدنية ، دينية كانت أو وطنية، لصالح سلطتنا
الشعبية المستقلة .. ونحن ماضون في ذلك ولا نبالي..نحن في سباق دائم
وتنافس ، فلا يسقط دينار عام في جيب احد الجشعين الحكوميين إلا ونعالج
الأمر بطريقتنا الخاصة .. نهيمن على ما عندنا من مؤسسات مجتمعية ثقافية
وتراثية فنخرجها بذلك عن سلطة الدوائر الرسمية وننزهها عن أية مساومة
حكومية .. لا بل تضاف إلى ما نمتلك من أوراق ضغط .. نستجمع قوانا بما
نراكم من مادة تمثل مادة نظم الحكومة لتبقى هذه النظم بلا مادة .
فالمجلس الإسلامي الأعلى ، على سبيل المثال ، أضحى نظاما غير ملزم ..
خاويا بلا مؤسسات دينية فعلية تختبر جديته ، لأن هذه المؤسسات سقطت
بأيدينا.. وهكذا دواليك .. ففي مقابل كل هزيمة نحقق نصر منظورا..
انتهينا من البلديات و الحسينيات! .. وقليلا ينتهي ما تبقى من المساجد
إلينا! .. وثلث الصناديق الخيرية سترجع إلينا خلال هذا العام.. وبعض
النقابات والجهات الطلابية!
ابتسم الكويتي وكأنه اعد في نفسه سخرية .. تلفت يمينا وشمالا ثم سأل
جعفر : وهل عانيتم مشقة التأميم الشعبي بلا ضحايا في الأنفس والقيم
الدينية والروابط الاجتماعية ؟!.. إذن لم يبق أمامكم إلا عقبة النظم
لتستكملوا التأميم الشعبي فتستريحون ويستريح الواجب .. ثم تتفرغون إلى
حسم الباقيات في مادة الحكومة فتستردون الحق ..سلطاتها .. مخابراتها ..
أموالها المنقولة وغير المنقولة ..مجلسها التشريعي .. بلدياتها ..
مجلسها الإسلامي بأوقاف والقضاء .. حتى تطيحوا بنظمها وتستبدلون الذي
هو خير بالذي هو أدنى أيضا ؟! .. هل ستشهد البحرين ولادة مثالية
لمؤسسات شعبية ورسمية محكمة الخلق والصنع على أيديكم بلا أذى ؟! ..
رائع جدا .. عظيم جدا .
أخي جعفر : إنكم تجهلون حقيقة اقرب إلى الخيال .. إن القيم مقدمة
على المكسب الشعبي مهما كانت هويته.. هي في مقابل بريق الفوز .. تنسون
ذلك.. أنكم فرحون لنصر التأميم الشعبي للمؤسسات الدينية والوطنية
وتجهلون أنكم تسدون لسياسة الحكومة خدمة بالمجان .. إنكم الآن وبهذا
اللون من النصر أصبحتم مادة ونظما سهلة التأميم في مخطط الحكومة بلا
مشقة.. لا نأمل لكم ذلك.. ولو علمتم ما في ظاهرة تفوق رأس الهامور في
ثمنه على رأس الخروف في أسواقكم لعلمتم الحقيقة من الخيال!.
شبك جعفر يديه وأسندهما إلى أسفل سرته وشرع يهز بطنه المنتفخة حتى
قال : لا يهم .. الخروف بمائتي فلس .. رأس الهامور بدينار .. فمصيرهما
إلى هذه الحاوية .. الكرشه ..وما أدرانا ما في الظاهرة .. لا بأس
..كعادتنا .. ذلك لا يمنع من تأميم الهامور تأميما شعبيا قبل أن يتمرد
سعره فيصل بنا إلى كارثة جماهيرية .. شهر رمضان قريب.. دونكم أيها
(الربع) سوق السمك فانثالوا عليها لتحقيق العدالة ولتخسأ قوى الحكومة
فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ! |