هل يحل الفول السوداني مشكلة الجوع افريقيا؟

في مصنعه ببلدة صغيرة بشمال فرنسا يرفع ميشيل ليسكان غطاء خلاط عملاق يمزج معجون السوداني والسكر ومجموعة خاصة من الفيتامينات ليتحول الى معجون بني اللون يعرف باسم بلامبينت الذي أصبح إكسير الحياة لعشرات الآلآف من الاطفال في افريقيا.

وتقول وكالات المعونة انه يمثل نقلة هائلة في الحرب ضد الجوع لان الاطفال يمكنهم تناول المعجون ورائحته تشبه الحلوى في المنزل وليس في المستشفى ليمدهم بما تحتويه بدائل الحليب من قيمة غذائية.

وقال ليسكان في مصنعه الذي يقع بقرية مالوناي البديعة فيما يقوم العمال بتعبئة عجينة بلامبينت "أردنا منتجا لا يحتاج الى مزجه بالماء ويفي بجميع متطلبات التغذية. نعتقد ان مذاق الطعام يجب ان يكون شهيا. ربما هي عادة فرنسية."

وبدأ انتاج بلامبينت قبل نحو سبع سنوات غير ان الانتاج زاد بشكل حاد في الاشهر الأخيرة إثر تسليط الضوء عليه نتيجة أزمة الغذاء في منطقة دارفور في السودان والان في النيجر.

وقال ليسكان ان المعجون سيستخدم في تغذية نحو 250 الف طفل هذا العام مقارنة مع مئة الف في عام 2004.

وتحصل مئات النساء في مراكز تغذية تديرها منظمة أطباء بلا حدود في النيجر على اكياس المعجون لاطفالهن الذين كان معظمهم يأكل اوراق الشجر او الحشائش بعد فقد المحصول بسبب الجفاف او الجراد.

وتقول الامهات ان اطفالهن الذين يعانون من سوء التغذية يتعافون سريعا بشكل يثير الدهشة عند تناول المعجون وذلك تحت الرعاية الطبية لاطباء منظمة اطباء بلا حدود الذين يصفون لهم هذا النوع من الغذاء.

وتقول زهيره حسين وهي ترضع طفلتها (13 شهرا) في مركز للتغذية في تاهوا في شمال شرق النيجر "انتفخ عنقها وبدأت تسعل. لم تكن تستطيع حتى ان تنام من قبل. اصبحت افضل حالا الان."

ويقول ميلتون تكتونيديس المتخصص في التغذية في المنظمة ان بلامبينت يتيح لجماعات المعونة الوصول الى عدد أكبر ممن يعانون من سوء التغذية اذ يمكن ان يتناوله الاطفال من العبوة مباشرة.

ويقول ان مساحيق بدائل الحليب التقليدية يجب مزجها بالماء. وعادة لا يتوافر الماء النظيف للاسر في مناطق الازمات ويمضى اطفال مرضى اسابيع للعلاج في المستشفى حيث يتناولون مثل هذه المنتجات.

وقال بعد فترة قصيرة من عودته من النيجر الى فرنسا "يحتاج العلاج عددا كبيرا من العاملين والمعدات. ربما يمكن زيادة عدد الاطفال الذين نصل اليهم ثلاث أو خمس مرات."

وقال ان نحو 30 بالمئة فقط من الاطفال يضطرون للبقاء في العيادات الان بينما يتناول الاخرون المعجون في المنزل. كما يقل خطر انتقال الامراض اثناء التواجد في المستشفى.

وقالت فرانسيس ميسون مستشارة التعذية بمنظمة انقذوا الطفولة "المنتج رائع. يمكن ان يزيد تغطيتنا كثيرا."

واضافت ان المعجون ساعد الاسر ايضا واوضحت قائلة "كانت الامهات تضطر لملازمة الطفل المريض في المستشفى لمدة اربعة اسابيع تاركين اطفالهن الاخرين في المنزل."

وتبيع شركة نوتريست التي يملكها ليسكان انتاجها لمنظمات غير حكومية ووكالات تابعة للامم المتحدة وتنتج ايضا مزيجا من الفيتامينات للمشردين.

ويقول ليسكان انه يعيد استثمار الارباح في الابحاث والتطوير وفي منتجات لاغراض انسانية.

وقال "لن استخدم أيا من هذه المبالغ لتصنيع منتجات لأغراض رياضية. هذا هدفنا."

وينافس قليلون نوتريست في تخصصها وتتوقع الشركة التي يعمل بها 50 موظفا ان تصل أرباحها الى 15 مليون يورو هذا العام بزيادة بنسبة 50 بالمئة عن العام الماضي. وتنتج الشركة نحو 2500 طن من المعجون هذا العام.

وقال ليسكان "تصنيعه بسيط للغاية لان الفكرة تقوم على انتاجه في الدول النامية... يمكن ان تصنعه في المنزل باستخدام خلاط."

وتهدف الشركة لنقل الانتاج للدول التي تحتاج المنتج. وأُقيمت ثلاثة مصانع في مالاوي وجمهورية الكونجو الديمقراطية والنيجر ويجري التخطيط لاقامة أربعة مصانع أخرى في مناطق اخرى في افريقيا.

وتحصل المصانع في افريقيا على المواد والتدريب من نوتريست وتلتزم بشراء المزيج الخاص من الفيتامينات والمعادن الضروري لانتاج بلامبينت .ويمكن انتاج المكونات الرئيسية الاخرى مثل معجون الفول السوداني محليا.

وفي مالاوي ينتج طن من المعجون يوميا بالفعل وهو كاف لتغذية نحو اربعة الاف طفل.وحذرت ميسون من ضرورة فحص معايير سلامة الغذاء في المصانع في افريقيا بعناية ولكنها اضافت ان الانتاج المحلي يمكن ان يساعد في خفض التكلفة.

وتابعت "يمكن ان يدعم ايضا الاقتصاد المحلي حسب الكمية المنتجة."

ويقول تكتونيديس ان سهولة استخدام المعجون تعطي قوة دفع جديدة لسياسات التنمية.

ويضيف "يفتح الطريق امام اشكال جديدة للتدخل خلال الطواريء وايضا للعمل في الدول التي تعاني من نقص مزمن من الغذاء" داعيا الحكومات لتطبيق استراتيجية مستديمة لعلاج ازمات الغذاء على المدى الطويل.

وتقول وكالات الامم المتحدة ان أكثر من 800 مليون شخص في جميع انحاء العالم ليس لديهم طعام كاف يمدهم بما يحتاجونه من طاقة. ويعاني أكثر من ربع الاطفال دون الخامسة من سوء التغذية في الدول النامية.

من جهته قال الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان انه ليس هناك حل سحري للقضاء على أزمات الغذاء التي تقاسي منها افريقيا غير ان تقديم مزيد من الاموال وتحسين نظام انذار مبكر قد يساعد في الاسراع بتقديم المعونة للمحتاجين.

وكتب عنان في صحيفة فاينانشال تايمز يوم الاثنين ان زيادة رأس مال صندوق الطواريء التابع للامم المتحدة عشر مرات والتركيز بصورة أكبر على الوقاية من خلال تخفيف عبء الدين واصلاح التجارة وتشجيع ممارسات زراعية افضل خطوات ضرورية ايضا لمكافحة الجوع.

وقال "لا يوجد حل سحري ولكن يمكنا ان نفعل الكثير" محذرا من استمرار خطر تكرار المجاعة التي تشهدها النيجر في أماكن اخرى مثل جنوب السودان واثيوبيا واريتريا والصومال والجنوب الافريقي لتؤثر على 20 مليون نسمة.

وقال "لن يحدث هذا اذا تحرك العالم الان."

وانتقد بعض عمال الاغاثة الامم المتحدة لانها لم تتحرك في الوقت المناسب لمساعدة نحو 3.6 مليون نسمة يعانون من نقص في الغذاء في النيجر عقب جفاف شديد في العام الماضي وهجمات الجراد.

غير ان عنان رد على منتقديه قائلا ان عليهم ان ينظروا في المرآة بدلا من توجيه اصبع الاتهام.

وكتب "كان الجميع (حكومات المنطقة والمانحون والمؤسسات المالية الدولية وجماعات المعونة)... في غاية البطء في فهم مايحدث... وتوفير الموارد اللازمة."

وقال ان وجود برامج تحليلية افضل للانذار المبكر سيساعد في منع تكرار ازمة النيجر.

وكتب "بعض التحليلات المبكرة للمجتمع الدولي فشلت في التفرقة بين ما وضع معتاد ..اي كفاح دولة افريقية لتوفير احتياجات شعبها .. وحالة طارئة جدا وهو ما آل اليه الوضع بالفعل."

وقال انه سيستغل انعقاد القمة العالمية في نيويورك في الشهر المقبل ليطلب زيادة راس مال صندوق الطواريء التابع للامم المتحدة عشر مرات. وتضع القمة تصورا للتنمية وحقوق الانسان والارهاب واصلاح ادارة الامم المتحدة في القرن الحادي والعشرين.

ودعا مسؤولو الامم المتحدة الدول المانحة بالفعل لاقامة صندوق لا يقل رأسماله عن 500 مليون دولار ليحل محل ميزانية احتياطية تبلغ 50 مليون دولار تقدم على شكل قروض.

وقال عنان ان الصندوق يمكن وكالات الامم المتحدة من بدء عمليات الاغاثة ويتيح للحكومات ووكالات المعونة نشرا اسرع للقائمين على تقديم المساعدات.

ويقدر برنامج الغذاء العالمي ان واحدا من بين كل ثلاثة افارقة يعاني من سوء تغذية وان مئات الالاف من وفيات الاطفال السنوية في القارة ناجمة عن اسباب يمكن الوقاية منها ومعظمها له صلة بسوء التغذية والجوع.

وقال عنان انه ينبغي التركيز بصورة أكبر على ازمات الغذاء واضاف ان تخفيف عبء الدين واصلاح انظمة التجارة العالمية والاقليمية يمكن ان يسهم في تعزيز انتاج الغذاء محليا.

وقال "دائما ما تكون الوقاية اقل تكلفة من العلاج."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 31/ اب/2005 -25/ رجب/1426