توقع خبراء سياسة يابانيون بزوغ فجر جديد في السياسة اليابانية..
وبعد مرور 12 عاما على هذه النبوءة انطلقت القوى لاحداث ثورة في
الثقافة السياسية عندما أطاح تحالف يتزعمه موريهيرو هوسوكاوا لفترة
قصيرة بالحزب الديمقراطي الحر الذي حكم اليابان لفترة طويلة.
وتدفع وجوه جديدة من المرشحين وأكوام من الاوراق السياسية وسيطرة
الحملات الاعلامية على الطريقة الغربية على التلفزيون الى الظل زعماء
الفصائل الذين توجهوا لدوائر انتخابية ضيقة وأغدقوا الاموال والخدمات
لكسب الناخبين.
قال ايليس كروس استاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا بسان
دييجو "هذه الانتخابات قد تؤدي الى قفزة كبيرة لنظام غربي النمط في
السياسة اليابانية.. انها ثورية."
والمفارقة هي أن موجة التغيير هذه ستحمل الحزب الديمقراطي الحر
وشريكه الاصغر في الائتلاف بدلا من الذين ورثوا عباءة الاصلاح من
هوسوكاوا للفوز في الانتخابات العامة التي تجرى في اليابان في 11
سبتمبر أيلول المقبل.
وتزايد التأييد للحزب الديمقراطي الحر منذ أن دعا رئيس الوزراء
جونيتشيرو كويزومي الى اجراء انتخابات مبكرة بعدما ساعد الحرس القديم
في حزبه المعارضة في هزيمة مشروع قانون لخصخصة هيئة البريد في اليابان
الذي يمثل قضية أساسية في برنامجه الاصلاحي. ونظام الادخار البريدي
العملاق كان منذ فترة طويلة مصدرا لتبديد الاموال على مشروعات أعمال
عامة بينما كان مديرو مكاتب البريد طرفا رئيسيا في الماكينات السياسية
لمشرعي الحزب الديمقراطي الحر.
ويستهدف كويزومي المتمردين في حزبه باختيار مرشحين أصغر سنا ومن
النساء لخوض الانتخابات ضد الحرس القديم.
قال كروس "اذا فاز كويزومي فلن يكون حزبه هو الحزب الديمقراطي الحر
القديم." وأضاف "أصبح كويزومي قادرا على ممارسة السلطة.. وفي المستقبل
سيتردد الجالسون في المقاعد الخلفية عند تحدي السياسة التي تضعها
القيادة بغض النظر عمن سيكون رئيسا للوزراء."
وشهدت التوقعات بأن يتمكن كويزومي من تحديث حزبه الذي حكم اليابان
معظم سنوات نصف القرن الماضي مدا وجزرا منذ أن تولى السلطة في عام
2001.
لكن قراره بالدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة رغم التوقعات بالهزيمة
أقنعت كثيرا من المعارضين بأنه كان يعني ما يقول عندما وعد بتغيير
الحزب الديمقراطي الحر أو تدميره في المحاولة. وتقدم خطوة كويزومي بحشد
مرشحين غالبيتهم نساء وكثيرين منهم سياسيون مستجدون دليلا اخر على
تصميمه على تطهير حزبه من المعارضين.
قال ستيفن ريد استاذ العلوم السياسية في جامعة تشو قرب طوكيو
"كويزومي فعل شيئين لا يعتقد أحد أنهما ممكنان.. دعا الى انتخابات
عندما بدا أن الحزب الديمقراطي الحر سيخسر وقدم مرشحين ضد المتمردين."
كما أشار محللون الى أن تزايد التأييد لكويزومي يعبر عن القوى
الاقتصادية والانتخابية الاساسية التي تخاطر الاحزاب السياسية
بتجاهلها.
وبينما كانت المهمة الرئيسية للسياسيين هي تقسيم كعكة اقتصادية
تتوسع بات عليهم الان وضع تصور لكيفية توزيع الام الاصلاحات لحفز النمو
في بلد سيتقلص سكانه سريعا وتواجه شركاته منافسة عالمية أكثر شراسة.
ومع ارتفاع الدين العام الى 150 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي
يتقلص المجال أمام سياسة تبديد الاموال على مشروعات عامة. كما يعني
تقلص نصيب جماعات كالمزارعين من الاقتصاد وتنامي سكان المناطق الحضرية
أنه يتعين على الاحزاب ايجاد طرق جديدة لجذب الاصوات التي ترفض الولاء
لحزب سياسي يعينه.
وأرغمت اصلاحات انتخابية جرى سنها في عهد هوسوكاوا واستبدلت المناطق
التي يمثلها عدة اعضاء بدوائر انتخابية يمثلها عضو واحد المرشحين على
مخاطبة جماعات أكبر من الناخبين بدلا من مخاطبة جماعات مصالح منفردة
تؤيد سياسيين مفضلين.
وفي النظام القديم كان يمكن انتخاب المرشح بنسبة تتراوح بين 15 و20
بالمئة من الاصوات. والان يحتاج المرشح الى أغلبية.
وقال كروس "أصبح اسم الحزب وصورة القيادة أكثر أهمية... وعليه يصبح
من يقود الحزب والمواقف التي يدافع عنها الحزب والتي لا يمكن نقلها
لعدد كبير من الناس الا من خلال وسائل الاعلام وخصوصا التلفزيون عاملا
أكثر أهمية."
وتوقع كثير من المحللين أن تفيد هذه التغييرات المعارضة الديمقراطية
المنتمية لتيار الوسط والذين حققوا بالفعل قفزات كبيرة في الانتخابات
العامة التي جرت مؤخرا وهم الان أكبر منافس للحزب الديمقراطي الحر.
لكن نجاح المعارضة دفع الحزب الحاكم لاختيار الكثير من أفضل ما لديه
من أسلحة مثل المرشحين الاصغر والبيانات السياسية والمستشارين
الاعلاميين من الخارج.
ورغم كل هذا الضجيج فان المشهد السياسي لن يشهد تغييرا كبيرا على ما
يبدو في يوم 12 سبتمبر حيث من المحتمل على ما يبدو أن يفوز الحزب
الديمقراطي الحر وشريكه الاصغر بأغلبية صغيرة وأن يجند متمردين سابقين
أو منشقين معارضين لتدعيم صفوفه.
وفي وسع كويزومي أن يظل على الاقل الى أن تنتهي مدة رئاسته للحزب
الديمقراطي الحر في عام 2006 ويواصل اسلوبه الذي يجمع بين الاصلاح
والمساومة الهادئة بينما يلعق الديمقراطيون جراحهم ويعيدون تجميع
صفوفهم.
لكن العودة لسياسات الماضي مستبعدة على ما يبدو.
قال ريد من جامعة تشو "اذا لم يقض كويزومي على الحزب الديمقراطي
الحر القديم فسيقضي عليه الديمقراطيون. نظام الحزب الديمقراطي القديم
لم يعد يعمل." |