الدستور العراقي والاختلاف على مفهوم الفيدرالية

بعد شد وجذب وتمديد وتأجيل تم اعتماد مسودة الدستور العراقي من قبل الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) باغلبية اعضائها وهو في طريقه الى الاستفتاء العام المزمع اجراؤه في منتصف شهر اكتوبر المقبل.

وكان من اهم النقاط محل الخلاف بين الاطياف العراقية المختلفة مسألة الفيدرالية التي وافق عليها ممثلو الاكراد (قائمة التحالف الكردستاني) وممثلو الطائفة الشيعة (الائتلاف الوطني الموحد والقائمة العراقية) ورفضها الاعضاء ال15 الممثلين للعرب السنة او "المتغيبين عن الانتخابات" كما اصطلح على تسميتهم لعزوفهم عن خوض انتخابات الجمعية الوطنية التي جرت في يناير الماضي لكنهم شاركوا في الهيئة الدستورية المكلفة بصياغة الدستور الجديد للعراق.

ويرى المؤيدون للنظام الفيدرالي المقترح انه الصيغة الافضل التي تعكس الواقع الديموغرافي الاثني والجغرافي للعراق وتكفل العدل لطوائف المجتمع من حيث توزيع الثروة وتمنح الخصوصية لكل طائفة في معالجة قضاياها المحلية تحت ظل نظام سياسي اتحادي.

وفي المقابل يرى الرافضون للنظام الفيدرالي انه الخطوة الاولى نحو مواجهة عنيفة بين الفئات العرقية والدينية ويمهد الطريق لتقسيم العراق لما يحمله هذا النظام من احتمال هيمنة فئة على اخرى وضياع مكتسبات الاقليات التي تضمنها صيغة المواطنة الموحدة من خلال حكومة مركزية.

من الناحية النظرية تعرف الموسوعة السياسية النظام الفيدرالي بانه "نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول او القوميات الصغيرة في اغلب الاحيان عن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها الاخير في كل ما يتعلق بالسيادة والامن القومي والدفاع والسياسة الخارجية".

ووفقا لهذا التعريف فان الفيدرالية نظام اداري ينظم العلاقات بين الحكومة الفدرالية التي تحتكر القرارات السيادية للامة وبين الاقاليم التي تهيمن على الامور المحلية لكل اقليم في اطار دستور موحد يضمن عدم التداخل في الصلاحيات كما يكفل الحقوق الاساسية لجميع المواطنين ويبين واجباتهم تجاه الامة. - ومع وجود العديد من الدول التي تطبق هذا النظام في العالم الا ان كيفية تطبيقها تختلف من دولة الى اخرى من واقع مسيرة تطور هذا النظام مع مرور الوقت فالنظام الفيدرالي ليس نظاما سياسيا معلبا جاهزا للتطبيق كما انه لا يشكل بالضرورة النظام الامثل لكل الدول التي تتعدد فيها القوميات او الفئات الدينية واي نظام سياسي هو رهن ارادة الشعوب التي تعيش في ظله طال الزمان ام قصر فالشعوب وحدها التي تستطيع ان تحافظ على وحدتها ان ارادت الوحدة وهي من ينقسم على نفسه اذا سعى الى ذلك سبيلا.

ان اهم ما يميز الانظمة الفيدرالية المعاصرة هو اعتمادها مبادىء الديمقراطية الحقيقية وعلى رأسها المبدأ القائل بان الامة مصدر السلطات جميعها كما تصان في ظلها الحقوق الاساسية للانسان اهمها كفالة الحريات العامة والعدل والمساواة بين جميع الموطنين الذي يكفلها دستور الدولة ويكون محل التزام السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وعلى المستويين الاقليمي والفيدرالي.

وهكذا فان النظام الذي يرتضيه العراقيون لادارة وطنهم هو بالنهاية شأن خاص بهم سيعبرون عن رأيهم حوله من خلال صناديق الاستفتاء المقرر اجراؤه في منتصف اكتوبر المقبل.

وهناك متسع من الوقت لكل القيادات السياسية في العراق لشرح رؤاها للراي العام العراقي حول القضايا العالقة باسلوب حضاري وسلمي يعطي الفرصة للمواطن العراقي ان يشكل رايه.

ومن الجدير ذكره ان ثلثي الاصوات في ثلاث محافظات عراقية كفيل بأن يسقط مشروع الدستور ويعاد انتخاب جمعية وطنية جديدة تقوم بصياغة دستور جديد.

اما فيما يتعلق بما احتواه الدستور العراقي الجديد من ضمانات للحرية والحقوق الاساسية للانسان العراقي الذي لا خلاف حولها والذي افتقدها على مدى سنين طويلة وعبر اجيال متتالية فيعتبر مفخرة وانجاز عظيم يفتح صفحة جديدة في تاريخ العراق الحديث ويطوي الى الابد صفحات من تاريخ الطغيان والظلم التي كتبت بدماء الابرياء.

المصدر: كونا

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 31/ اب/2005 -25/ رجب/1426