الفدرالية ومعضلة الدستور العراقي

دكتور أحمد راسم النفيس

عندما تنشر هذه السطور ستكون المهلة التي منحتها الجمعية الوطنية العراقية لنفسها لإنجاز مشروع الدستور العراقي قد انتهت وأسفر الصبح لكل ذي عينين.

وفقا لرواية السفير الأمريكي لمحطة فوكس نيوز الأمريكية فإن المعضلة التي أدت إلى فشل لجنة كتابة الدستور في الوفاء بالموعد المحدد تمثلت في أمرين الأول هو الإسلام والثاني هو مفهوم الفيدرالية حيث (أكد السفير الأمريكي أن السنة يقفون مع الجانب الأمريكي في رفض اعتبار الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع وأضاف بأن الموقف السني من الإسلام سيعزز نفوذهم في التشكيلة المستقبلية للحكومة العراقية). كما أكد زلماي خليل زاد على أن "السنة يؤيدون الفدرالية للأكراد السنة ويرفضونها للشيعة العرب في الجنوب ويطالبون بتقسيم ثروات الجنوب الشيعي على الوسط السني".

كما أكد السفير الأمريكي أن (السنة والأكراد يشاركون الحكومة الأمريكية الرأي بالنسبة إلى موقع الإسلام من دستور العراق وأن الشيعة هم الذين يسعون إلى تحقيق دستور إسلامي للعراق الجديد). وعندما أبدى المحاور استغرابه قائلا "أما الأكراد فنعلم موقفهم من الإسلام لكن السنة الذين يطغى عليهم الطابع الإسلامي في قضية المقاومة وأصل انتمائهم المذهبي الذي يحرصون على إبرازه وكذلك المتحدثين باسم العرب السنة من هيئة العلماء والوقف السني والحزب الإسلامي السني فما الذي يحدوهم إلى معارضة الإسلام في الدستور"؟  اكتفى السفير الأمريكي بالقول "هنالك تنافس بين الشيعة وبين السنة الذين يجدون أنفسهم مغبونين نسبة إلى وضعهم فيما مضى".

الحديث عن الفدرالية لم ينطلق من فراغ حيث أن (قانون إدارة الدولة العراقية) الذي أقره مجلس الحكم السابق ينص على أن (نظام الحكم في العراق فدرالي, ديمقراطي, تعددّي, ويجري تقاسم السلطات فيه بالاشتراك بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان والمحافظات والبلديات ويقوم النظام الفدرالي الحكومي على أساس مبادئ الجغرافية والحكم الصالح والفصل بين السلطات وليس على أساس العرق أو الإثنية أو القومية أو المذهب).

المثير في الأمر أن السنة يحاربون معركتهم مستخدمين سلاح القانون (الأمريكي) الذي يعطي ثلاث محافظات حق رفض الدستور حتى ولو أقرته الأغلبية الشعبية رغم أنهم ومن يساندهم خارج العراق لم يكفوا عن وصم القانون بأنه قانون بريمر واعتباره قانونا أمريكيا بينما هم الآن يستفيدون من بنوده!!.

الفدرالية وأصل الحكاية:

الذين يرفضون الفيدرالية يبررون ذلك بأنها مقدمة لتقسيم العراق ويقولون أننا شعب واحد أما الذين يطالبون بها فهم يفعلون ذلك تعبيرا عن حالة المرارة التي يعانون منها نتيجة القتل اليومي الذي تعرضوا وما زالوا يتعرضون له.

ويقول بعض المراقبين أن التصريحات التي يطلقها قادة السنة عن رفضهم للفدرالية باعتبارها مقدمة للتقسيم وأن الشعب العراقي شعب واحد يسوده الوئام والانسجام لا تبدو متسقة مع الواقع اليومي ومع حقيقة أن السيارات المفخخة والانتحاريين ينطلقون من مناطقهم بصورة يومية وأن الضرورة كانت ولا زالت تملي عليهم أن يقرنوا الأعمال بالأقوال وان يسعوا لطمأنة العراقيين من غير أبناء المثلث فالأوطان لا يمكن لها أن تبنى على أساس من علاقة الخوف المتبادل.

في تلك الأثناء صرح مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي يوم الجمعة 19-8-2005 بأن عدم إدراج الفدرالية في الدستور العراقي يعني الانزلاق نحو الحرب الأهلية كنتيجة طبيعية لعدم احترام رغبات التكوينات المختلفة.

وإذا كان موفق الربيعي ما زال يحذر حتى الآن من الحرب الأهلية فإن الدراسة الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بداية الشهر الحالي أكدت أن هذه الحرب قد بدأت بالفعل وأن السبب الرئيس وراء تأجيج هذه الحرب هو حالة الخلل التي أسس لها صدام حسين التكريتي في توزيع الثروة بين مناطق العراق المختلفة واستئثار محافظات المثلث بالسلطة والثروة وان العراق عشية إسقاط صدام حسين كان أشبه ما يكون ببرميل للبارود يبحث عن فرصة للانفجار والانشطار وهو ما حدث بالفعل بعد سقوط هذا النظام.

من هنا فلم يكن مفاجئا لكثير من المراقبين تلك الدعوة التي أطلقها السيد عبد العزيز الحكيم قائد الائتلاف العراقي الموحد صاحب الأغلبية في البرلمان العراقي على هامش إحياء الذكرى الثانية لاستشهاد شقيقه السيد محمد باقر الحكيم عندما قال "بخصوص الفيدرالية.. نحن نعتقد بأنه من الضروري تشكيل إقليم في الجنوب".

وقد أثارت تلك التصريحات ردود فعل متفاوتة ما بين مؤيد ومعارض حيث أيدها رئيس منظمة بدر هادي العامري الذي قال "يجب أن نصر على تشكيل إقليم واحد في الجنوب وإلا سنندم على ذلك." وتساءل قائلا "ما الذي حصلنا عليه من الحكومة المركزية غير القتل؟" معيدا إلى الأذهان عقود القمع التي عانى منها كثير من شيعة الجنوب على أيدي الحكومات المتعاقبة في بغداد. كما قوبلت الدعوة بهتافات حماسية من قبل عشرات الآلاف من الأنصار الذين أخذوا يرددون "نعم.. نعم للإسلام. نعم.. نعم للحكيم" وهتافات أخرى.

وردا على ما أثاره المعترضون على هذه الفيدرالية قال عمار الحكيم «المجلس الأعلى لم يطرح شيئا لنفسه وإنما للعراق ولضرورات التوازن السياسي ومصالح الشعب العراقي، ورؤيتنا حول التوازن السياسي، وهذا لا يرتبط بجهة سياسية معينة، بل للعراق والعراقيين، ويعطي الفرصة لسكان هذه المنطقة لأن ينالوا الامتيازات مثلما يتمتع بها إخواننا الأكراد في كردستان»، موضحا أن «هذا المشروع ليس جديدا أو مفاجئا، بل هو مطروح من قبل علماء الحوزة والجامعيين في مؤتمر ببغداد ومطالبة النساء، وعبر عشرات المؤتمرات التي حضرها عبد العزيز الحكيم في مناطق مختلفة من وسط العراق وجنوبه والتي طالبت بتكوين هذه الفيدرالية كما نوقش الموضوع عبر الفضائيات والصحافة فلماذا الصدمة إذا طالب أحد بحق مشروع له؟ لماذا نفترض أن هناك عراقيين مشكوك بوطنيتهم؟ ومن يشكك بوطنية الآخرين؟ وكيف يثبت هو وطنيته حتى يشكك بوطنية الآخرين؟».

وردا على مخاوف البعض من أن تتدخل إيران لإدارة مثل هذا الإقليم واتهامها دون غيرها من دول جوار جنوب العراق بالتدخل بالشأن الداخلي، قال الحكيم «هذا يرتبط بتاريخ طويل أريد به ربط الشيعة في العالم بإيران ظلما وعدوانا وتحجيم الطائفة الشيعية وحجبها عن الواقع الإسلامي حتى في زمن الشاه، وليس في زمن الثورة الإسلامية. أينما قيل شيعة قيل إيران وتأخذ هذه التهمة منحى سياسيا وليس دينيا أو فكريا، وهذه الاتهامات تأتي من جماعات متطرفة ضد الشيعة وضد انتمائهم الديني والعراقي والعربي». وأضاف عمار الحكيم قائلا «هناك من يطرح هذه المخاوف; من كان يعيش في أميركا أو بريطانيا أو في أي دولة إقليمية. فلماذا لا نقول أن هذه الدول تتدخل في الشأن العراقي.

ويرى المراقبون أن قضية توزيع الثروة رغم أهميتها لا تعد المسألة الفاصلة في رغبة الوسط والجنوب الشيعي في تكوين تلك الفدرالية قدر رغبتهم في إيجاد نوع من الاستقلال الذاتي عن محافظات المثلث التي تعودت على امتلاك السلطة دوما وبصورة مطلقة وما زالوا يأملون بعودة تلك المعادلة مرة أخرى رافعين هذه المرة شعار يد تفاوض ويد أخرى ترسل المفخخات والانتحاريين.

المخرج؟؟!!.

يبدو الآن واضحا أن العراق أصبح نقطة تقاطع للإرادات والسياسات الإقليمية والدولية التي تعتبر أن خسارة هذه الجولة يشكل مقدمة لخسارة المزيد من الجولات كما يبدو واضحا أن الصراع الأهم والأبرز هو صراع نفسي وليس صراعا حول الثروة.

أما الضحايا فما زالوا يتساقطون بالآلاف نتيجة انفجار برميل البارود الصدامي أي النظام القمعي العربي الذي ما زال البعض يترحم عليه حيث ذكرت صحيفة الانديبندنت البريطانية أمس بأن عدد القتلى من المدنيين العراقيين الذي سجل في مشرحة بغداد خلال الشهر الماضي بلغ 1100، وهو الأكثر ارتفاعا لدى المشرحة في تاريخ العراق الحديث بسبب أعمال العنف المنتشرة في البلاد وقارنت الصحيفة هذه الحصيلة لشهر واحد بحصيلة القتلى في صفوف الجنود الأميركيين في العراق منذ اجتياح البلاد في أبريل (نيسان) 2003 والتي بلغت حوالي 1800 قتيل. وقال مسؤول كبير في المشرحة للصحيفة طالبا عدم ذكر اسمه أن «حصيلة تموز يوليو هي الأكثر ارتفاعا التي سجلت في تاريخ معهد الطب العدلي في بغداد». وذكرت الصحيفة أن عدد القتلى خلال الشهر نفسه يوليو من العام الماضي بلغ 800 قتيل، فيما تم إحصاء 700 قتيل في الشهر نفسه من سنة 2003.

ويبقى السؤال حول الجهة التي يتعين عليها أن تعطي تطمينات وضمانات للآخر هل هي الأقلية التي حكمت العراق عدة قرون دون أن تمنح غيرها أي فرصة للمشاركة أو التعبير عن النفس أم الأغلبية الطامحة لإقامة علاقات عادلة ومتوازنة.

هذا ما ستجيبنا عليه الأيام القادمة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 25/ اب/2005 -19/ رجب/1426