عندما يتعلق الأمر بمحاربة المتشددين الإسلاميين في أفريقيا فإن
اختيار الحلفاء أمر محفوف بالمخاطر.
فالعسكريون الذين أطاحوا بالرئيس الموريتاني هذا الشهر ربما وضعوا
نهاية لحكم تسلطي استمر 21 عاما الأمر الذي دفع الموريتانيين للرقص في
الشوارع. لكنهم حرموا الولايات المتحدة أيضا من حليف رئيسي في حربها
على "الإرهاب".
وأظهر الرئيس المخلوع معاوية ولد سيد أحمد الطايع حرصا على التودد
لواشنطن في السنوات الأخيرة من حكمه بالتحول عن تأييد الرئيس العراقي
السابق صدام حسين إلى تأييد اسرائيل والولايات المتحدة في انقلاب
دبلوماسي مذهل.
وجعل ولد الطايع موريتانيا إحدى ثلاث دول فقط من أعضاء جامعة الدول
العربية تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل واغتنم الفرصة ليضع
عشرات المعارضين الاسلاميين في السجن بدعوى "الحرب على الارهاب".
وربما أكسبته هذه الاستراتيجية أصدقاء في واشنطن لكنها أغضبت
الكثيرين في بلد موزع بين أفريقيا السوداء والأفارقة العرب. ويقول
كثيرون إن هذه الاستراتيجية أسهمت بقدر كبير في الاطاحة به.
وقال الشيخ ولد حرمة الزعيم المعارض الذي سجن مرتين في عهد ولد
الطايع لرويترز "لم يؤخذ رأي الموريتانيين. كانت (سياسة ولد الطايع)
دائما مثار خلاف كبير" مضيفا أن هذه السياسة جعلت موريتانيا منبوذة في
أفريقيا وبين العرب.
وبدت واشنطن في الجانب الخطأ مع الإطاحة بولد الطايع إذ طالبت في
البداية بعودته لكنها قالت فيما بعد إنها مستعدة للعمل مع "من يديرون
شؤون هذا البلد الآن" بعد أن أدركت حجم التأييد الذي يتمتعون به في
الجمهورية الإسلامية.
وقال أولي أوين المحلل المتخصص في الشؤون الإفريقية من جلوبال
إنسايت وهي مجموعة للأبحاث الاقتصادية والسياسية "إن الولايات المتحدة
التي ارتبط اسمها بقوة بتأييد النظام القديم اغتنمت الفرصة لتنأى
بنفسها عن عميل سابق بات واضحا الآن أنه في الجانب الخاسر."
وأضاف "هذا دليل على ضحالة المعرفة بين بعض صانعي السياسة
الأمريكية. إنهم يسعون وراء أهداف قصيرة الأجل بشدة."
وتوددت واشنطن لدول غرب أفريقيا بتقديم تدريب عسكري في مقابل
المساعدة في تعقب المتطرفين لخشيتها أن تتمكن جماعات إسلامية متشددة من
توسيع قاعدتها في تلك الدول التي تضم مساحات شاسعة من الصحراء تخضع
لسيطرة حكومية ضعيفة.
وبينما تتمتع الولايات المتحدة بوجود أكثر ديمومة في جيبوتي حيث
تتمركز قواتها لحرمان المتشددين من منفذ لمنطقة القرن الافريقي في شرق
القارة فإن رادار واشنطن يرصد بشكل متزايد دولا مثل النيجر ومالي
وتشاد.
لكن محللين يقولون إن الانقلاب ضد ولد الطايع يكشف عن مخاطر دعم
زعماء يلوحون بخطر نشاط المتشددين كمبرر لاتخاذ إجراءات صارمة ضد
معارضين يتمتعون بشرعية قانونية لا تربطهم صلات بالإرهاب.
وقالت السلطات الموريتانية إن الجماعة السلفية للدعوة والجهاد التي
تتخذ من الجزائر مقرا لها وهي حركة متحالفة مع القاعدة تقوم بتجنيد
شبان موريتانيين للحرب في العراق وأفغانستان والشيشان والأراضي
الفلسطينية.
ويقول مسؤولون عسكريون أمريكيون إنهم يخشون محاولات الجماعة السلفية
لتوسيع قاعدتها في بلدان حول الصحراء الكبرى بعدما قال موقع للإسلاميين
على الإنترنت إن الجماعة قتلت 15 جنديا موريتانيا في هجوم على موقع ناء
في يونيو حزيران الماضي.
لكن بعض المحللين حذروا من أن ولد الطايع ينتهز فرصة الحرب التي
تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب لقمع معارضيه وقالوا إنه لا توجد
أدلة تقريبا على أي تهديد إرهابي.
وقال محمدين ولد ايشيدو وهو محام دافع عن بعض السجناء "لا شأن لهم
بالارهاب."
وأضاف ان السجناء "استخدموا المساجد لاعلان معارضتهم لطغيان نظام
ولد الطايع المستبد. وهذا أمر عادي في مجتمع إسلامي."
وكان المسؤولون العسكريون الامريكيون الذين فوجئوا بفقد حليف إقليمي
حذرين وهم يبحثون كيفية إعادة بناء استراتيجية في موريتانيا حول زعماء
لم يجربوا بعد ولم يختبروا.
وقال مسؤول أمريكي عندما سئل عن احتمال استئناف التدريبات العسكرية
"ننتظر العودة للنظام الدستوري. نحذو حذو الاتحاد الافريقي في هذا
الصدد."
وعلق الاتحاد الافريقي الذي يضم 53 دولة عضوية موريتانيا بعد
الانقلاب قائلا إنه لا يوافق على الانقلابات العسكرية من حيث المبدأ
لكنه مستعد للعمل مع الحكومة الجديدة لضمان العودة للحكم الدستوري.
وعين المجلس العسكري الذي استولى على السلطة رئيس وزراء مدنيا على
رأس حكومة انتقالية ووعد بإجراء انتخابات رئاسية ديمقراطية في غضون
عامين.
وقال رئيس الوزراء الجديد لرويترز في الإسبوع الماضي إن موريتانيا
المقرر أن تبدأ في ضخ النفط العام القادم تستفيد كثيرا من علاقتها مع
الولايات المتحدة وملتزمة بالحرب ضد "الإرهاب".
لكن حكام موريتانيا الجدد أوضحوا كذلك أن تعبير النشطاء الاسلاميين
عن آراء سياسية قوية لا يعني التطرف وهو فارق يتهم بعض الموريتانيين
الغرب بتجاهله بشكل واضح.
وأصدر المجلس العسكري بعد أيام من استيلائه على السلطة أوامر
بالافراج عن حوالي 20 ناشطا إسلاميا كان ولد الطايع أودعهم السجون.
وقال محمد الإمام ولد سيدي محمد وهو طالب جامعي حضر الإفراج عن
النشطاء "يتمتع الساسة الإسلاميون بشعبية كبيرة في موريتانيا. إنهم
وسطيون ولا يميلون للعنف. وقد عانوا الكثير من الظلم في عهد ولد الطايع
وأسيئت معاملتهم." |