أعلن مساء الاثنين الماضي الدكتور حاجم الحسني رئيس الجمعية الوطنية
العراقية تعديل قانون إدارة الدولة لتمكين لجنة صياغة الدستور من اكمال
عملها.
وقرر البرلمان الذي اجتمع الليلة الماضية بأغلبية الثلاثة ارباع
المطلوبة تمديد المهلة قبل نهايتها بعشرين دقيقة الى الثاني والعشرين
من الشهر الجاري.
يذكر أن قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ينص في مادته 61 على
انه إذا لم تستكمل الجمعية الوطنية كتابة مسودة الدستور الدائم بحلول
أمس 15 أغسطس 2005 عندها يتم حل الجمعية الوطنية وتجرى الانتخابات
لجمعية وطنية جديدة في موعد أقصاه 15 ديسمبر 2005.
وكان النقاش يدور حول 18 نقطة خلاف على الأقل، كما أفادت وثيقة
أعدتها لجنة صياغة الدستور، خصوصا بشأن مكانة الإسلام في التشريع
والنظام الفيدرالي. ومعظم النقاط العالقة في مسودة كتابة الدستور لها
علاقة بالأكراد مثل الفيدرالية وقضية كركوك ومسألة اللغة وعلاقة الدين
بالدولة وهوية العراق واسمه وتوزيع الثروات الطبيعية خصوصا النفط.
نعلم أن الميثاق المؤقت المعروف باسم قانون إدارة الدولة العراقية
للمرحلة الانتقالية، الذي صيغ العام الماضي حدد (15 أغسطس/ آب) موعدا
نهائيا للانتهاء من مسودة الدستور الجديد، الذي لابد أن يجري التصويت
عليه في استفتاء خلال شهر أكتوبر تشرين/ الأول.
والنتيجة كانت منح لجنة صياغة الدستور اسبوعا اضافيا لوضع مسودة
الدستور ، بتعديل قانون إدارة الدولة المؤقت المذكور ، فأثارت الخطوة
جدلا في الأوساط
القانونية والاعلامية والسياسية ، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي ،
فذهب
البعض بعيدا إلى القول بأن الخطوة غير قانونية ، ومعها :
استمرار الجمعية الوطنية العراقية اصبح غير شرعي استنادا لقانون
ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية !!!
فيماقال اخرون :
الخطوة قانونية و أملتها الضرورة و.......
وبين القولين أقوال ، واراء مسيّسة كالعادة، تتأرجح بين الافراط
والتفريط والمزايدة و ...
لرب قائل بأن التمديد أو التعديل تمّ اقراره واصبح أمرا واقعا
فماجدوى هذا
البحث ؟
النقاش في ذلك ليس ترفا :
فمنْ يضمن ولادة غير قيصرية لمسودة الدستور المرتقب في 22-8- 2005
؟
اضافة إلى ان في التعديل أو التمديد الاخير درسا يجب بليغا ، لابد و
ان يؤخذ بنظر الاعتبار في تدوين الدستور ، أو وضع مسودته ، وللوقوف على
الدرس المذكور
نذكر تفسيرين أو موقفين للتعديل أو التمديد المذكور :
· الأول يقول:
إن قانون إدارة الدولة ينص على أن الجمعية الوطنية يجب أن تصيغ
مسودة دستور بحلول 15 أغسطس/آب، ولكنه لم يحدد ما إذا كانت هذه المسودة
نهائية أم لا، مضيفا أنه من الممكن مد العملية لبضعة أيام لمزيد من
البحث في القضايا العالقة.
وربما ... ربما يكون مصيبا ، لو أخذنا بنظر الاعتبار المادة ،
والفقرة التي استدل بها لرأيه لوحدها ، فالمطلق يبقى على اطلاقه ....
الأهم ، وشاهد الكلام
ان (( مسودة الدستور )) وردت بشكل يمكن تأويله وتفسيره بتفسيرين :
مسودة نهائية
مسودة أولية ( غير نهائية )
طبعا يمكن ابداع تفسيرات اخرى ايضا في هذا السياق مثل : مسودة شبه
نهائية
ومسودة ، ومسودة ....... الخ .
الثاني يقول:
لقد فشلت الجمعية الوطنية في استكمال كتابة الدستور الدائم بالموعد
المقرر ولم تطلب التمديد قبل 1 اب 2005 ، مما يلزم حلها. وان لجوء
الجمعية الى تعديل قانون ادارة الدولة قبل ساعة واحدة من انتهاء الموعد
المقرر في القانون المذكور يعتبر خرقا جسيما لآحكامه ، ويستدل لموقفه
بالشكل التالي :
حدد قانون ادارة الدولة الذي يعتبر اعلى القوانين في
البلاد(المادة 3/آ) الية تشريع القوانين بعرضها للتصويت بعد مرورها
بمرحلتين، هما القراءة الأولى والقراءة الثانية في جلسة اعتيادية
للجمعية، على ان يفصل بين القراءتين يومان على الأقل، ولا يمكن ان يجري
التصويت عليه الا بعد مرور اربعة ايام على الأقل بعد ان يدرج في جدول
الأعمال(المادة32/ج).
فاذا كانت التشريعات العادية التي تتخذ بالأغلبية البسيطة من
الأصوات تحتاج مثل هذه الألية، فكيف حال التشريع الذي يمس او يعدل احد
نصوص القانون الأعلى في البلاد(قانون ادارة الدولة) الذي يحتاج الى
ثلاثة ارباع اعضاء الجمعية للتصويت (اي 206 عضو من 275عضو) بالأضافة
الى اجماع مجلس الرئاسة(المادة 3/آ)..؟!
وحيث ان هذه الجمعية قد خالفت الشكلية المطلوبة في اصدار التشريع
اللازم في تعديل قانون ادارة الدولة وانها تعتبر بحكم المنحلة وفق
احكام المادة 61 منه، فان استمرارها بعملها يعتبر باطلا ، وان كل ما
يصدر منها سيعتبر باطل لان "المبني على الباطل باطل" !!!!!
اما هذا التفسير الثاني ، أو الموقف الثاني بعبارة أدق يتمحور حول
مخالفة الشكلية المطلوبة في اصدار التشريع اللازم في تعديل قانون ادارة
الدولة ، ومن هذه الناحية ، وبغض النظر عن مايقفز به إلى موقف في غاية
الخطورة، ربما يكون مصيبا ايضا .
لكن الأ هم في التفسيرين المتقدمين ، ومابينهما من تفسيرات ، وطعون
بخصوص التمديد أو التعديل المذكور يتمثل في :
1- الثغرات التقنية والتناقضات والأطلاقات التي يتضمنها قانون ادارة
الدولة المؤقت ، والتي اشبعت بحثا من قبل الأخصائيين ، وغيرهم ايضا ،
فبعد الانتخابات تسبب في تأخير وتعقيد ولادة الحكومة لأكثر من 6 أشهر ،
و...
وفي الاثنين الماضي ثعثر في انتهاء الجمعية الوطنية العراقية من وضع
الدستور المرتقب ، كما سمح لتجاوزه ، وخلال سويعات ، وذلك بتعديله
بطريقة مخالفة ربما في الشكلية المقررة لتعديله ، فيجب أن لا نفكر
بتمديد العمل بقانون ادارة الدولة المؤقت ، الا اللهم بعد معالجة ما
تقدم ، ولفترة محدودة جدا، واذا اردنا ذلك فلماذا لم نجّند ذلك الوقت
للاتفاق على دستور جديد.
2- مسودة الدستور الدائم بالنص الذي نشرفي صحيفة الصباح بتاريخ
26-7-2005 كذلك ، فهو ايضا مملوء بالثغرات ، وأخطر مافيه مما لم يأخذ
حقه كما يجب في الدراسات والانتقادات التي تناولته منذ نشره،وأعني
تحديدا ، وبايجاز :
ان الدستور المذكور يمثل خطابا سياسيا ، ويفتقر إلى المبادئ البسيطة
الواضحة الموجزة ، غير القابلة للتأويل والتفسير ، والمدعومة بالآليات
والضمانات والتوازنات التقنية الفنية المعروفة ، والمطلوبة ، ولاسيما
حين تكون الديمقراطية فتية ، وأزمة الثقة مستشرية ، والمراهقة
الدستورية والسياسية متحكمة ، والأمل في خلق فوري لمحكمة دستورية
مستقلة وفاعلة مثاليا ، فمثلا ورد التخصيص في المسودة المذكورة ( )
مرة ، وتم تفويض تشريعات اساسية إلى المشرع العادي ، ودون تحديد
للمبادئ للجهة التي تم التفويض اليها ، أي ترحيل جملة وتفصيلا .
ومن المؤسف ان هذه الاشكالية الكبيرة والأساسية والخطيرة لم تستحوذ
اهتماما متناسبا مع حجمها ، وخاصة في أروقة البرلمان ، وبين الكتل
البرلمانية ، وداخل لجنة صياغة الدستور ، والتي راحت ومؤخرا تسابق
الزمن لوضع الدستور الدائم ، فاذا كان عدد محاور الاختلاف مايزال( 18 )
محورا لامناص من اضافة هذا المحور وفي الصدارة ، فالدستور بالشكل
المتقدم يفتح الباب ، وخاصة في ظل واقعنا للتأويل والتفسير ، ليفرغ عن
محتواه ، ويتحول إلى ديكور ، فلابد ممايحول دون خرق مبادئ الدستور أو
على الأقل يقلل من احتمال ذلك ، قال الامام علي بن أبي طالب ( عليه
السلام ) :
( من العـصـمـة تـعّــذّر المعاصي )
وبناءا على كل ماتقدم أقول :
التمديد أو التعديل كان قرارا حكيما ، وانْ جاء متأخرا ليتضمن
مخالفة في الشكلية المطلوبة لا صدار التشريع اللازم في تعديل قانون
ادارة الدولة المؤقت ، فالفراغ الدستوري ، وكما هو الفراغ السياسي هو
الكارثة بعينها ، فحتى نقطة النظام اذا كانت واردة على البرلمان
العراقي في شكلية التطبيق فالتريث كان مطلوبا ، وربما سيرى البرلمان
حاجة إلى تريث محدد ومحدود آخر ، وخاصة اذا كان الهدف معالجة المحاور
الـ 19 المتقدمة ودون ضغوط لفرض توفيق قهري بين الأطراف المختلفة، ولم
يتم ترحيلها دون قيود وأطر واضحة .
نعم يجب التركيز على المواعيد النهائية ، لكن ذلك لايعني الهروب من
القضايا الجوهرية ، أو فرض التوافق فإذا تم التوصل إلى اتفاق مفروض
لوضع مسودة الدستور الدائم و من دون حل عادل للقضايا الكبرى، فإن هذا
سيمثل مشكلة أكبر بكثير للعراق واصدقائه من مجرد عدم التوصل إلى اتفاق
بحلول الموعد المحدد ، وما يحققه الصبر لاتحققه القوة ، والطريق إلى
النجاح مليء بالمنعطفات والحواجز ،ومن لا يغامر في الفشل لايحرز النجاح
، فالطريقة يجب ان تكون سريعة وصحيحة، في نفس الوقت ، ولابد تحاشي
إساءة الممارسة الدستورية،
منذ البداية ، لان التأسيس أهم المراحل في البناء ، وأكثرها تعقيدا
، وصعوبة ، وممارسة الضغوط للوفاء بالجدول الزمني يسبب انقساما بين
العراقيين اكثر مما يسبب من اجماع ، ويضرب مصداقية الممارسة الدستورية
العراقية الفتية ، مما يساعد للاصطياد في الماء العكر لكن :
التريث يجب ان يكون محددا ومحدودا ودستوريا وبجهد دؤوب ومتواصل
ومكثف للبرلمان ، و بالاستعانة بالمستشارين والخبراء من العراق والعالم
، لابداع ما يضمن النجاح النسبي للدستور المرتقب توفيقا وتوافقا
واستفتاءا وتطبيقا بعيدا عن الخطاب السياسي والكليات والترحيل تلو
الترحيل و...... ، مع التأكيد على تفرغ الحكومة لادارة البلاد ، ودعم
الأمن ، وتوفير الخدمات الأساسية ، ومحاربة الفساد ، فالفشل في تكريس
سياسات مواطنية ملموسة.. ملموسة وعاجلة سيوجه لمشروع العراق الجديد
ضربة قاصمة وموجعة ، فالاستفتاء على الدستور قادم ، والانتخابات اتية ،
وليكن سقوط الد ستور الأوروبي الاستفتاء عليه في فرنسا وهولندا حاضرا
في الأذهان .
معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن
Siironline.org |