الصحة العقلية في استراليا تواجه أزمة

ضُرب انتوني وود حتى الموت وهو نائم في الشارع في حي الاعمال المزدحم في سيدني. وكان مثل العديد من المشردين في المدينة ومثل قاتله يعاني من مرض عقلي.

وثبت أن كريستوفر دانيالز الذي دخل وخرج مرارا من عنابر الامراض النفسية بالمستشفيات غير مذنب في يوليو تموز الماضي في جريمة القتل الوحشية هذه التي وقعت عام 2003 لانه مصاب بالفصام.

وقدرت ممرضة بقطاع الصحة العقلية ان حالة عوالي محمد (31 عاما) وهو صومالي لا تشكل خطورة قبل يوم واحد من طعنه غريبا حتى الموت في مركز تجاري بسيدني في عام 2004 قبل ان ينتحر.

وقيل لمحقق في أسباب الوفاة يوم التاسع من اغسطس اب الجاري أن محمد الذي يشعر بميول انتحارية وتسيطر عليه افكار عن الاضطهاد كان يعتقد ان المدينة بكاملها تلاحقه.

ويقول العاملون في مجال الصحة والشرطة وجماعات مدافعة عن حقوق الانسان ان نظام الصحة العقلية في استراليا يواجه أزمة. فقد فشلت سياسة متبعة منذ نحو عشر سنوات تتمثل في ترك المرضى العقليين في رعاية المجتمع بسبب نقص التمويل.

ويقولون ان الافتقار للرعاية في مجال الصحة العقلية خلق نظاما غير محكم ترك العديد من المرضى العقليين مشردين ويعانون من ميول انتحارية أو ينتهي بهم الامر في السجون بعد أن أخرجوا قبل ان يشفوا.

وقال موكيش هيكروال رئيس اتحاد الاطباء في استراليا لرويترز "نظام الصحة العقلية يتسم بالفوضى الشديدة."

وأضاف "انهم (الاشد مرضا) يجوبون الشوارع او ينتهي بهم الامر في مأوى للمشردين او تتعامل معهم الشرطة بشكل أو بآخر."

ويقول مجلس الصحة العقلية في استراليا ان بريطانيا والولايات المتحدة تواجهان الازمة نفسها بسبب فشل مماثل في تحقيق ادارة جيدة لسياسة اخراج المرضى من المؤسسات العلاجية.

وفي استجواب في مجلس الشيوخ الاسترالي تردد أن مرضى نفسيين يشكلون خطورة يخرجون من المؤسسات العلاجية الى الشوارع بسبب نقص الأسرّة وان المرضى العقليين يرتكبون الجرائم ليسجنوا ويلقوا الرعاية في السجن.

والذين يتلقون الرعاية عادة ما يعطون مهدئات او يقيدون على الاسرة لان طاقم المستشفى يكون مشغولا عن تقديم الرعاية الفورية أو يخطيء في تشخيص المرض العقلي.

وتردد في الاستجواب كذلك أن المرضى العقليين يوصمون بالعار ويتعرضون للتمييز ضدهم في المعاملة وفي بعض الاحيان يتعرضون للاذى الجسدي والجنسي من جانب الطاقم الطبي.

وقالت لين اليسون عضوة مجلس الشيوخ التي شاركت في الاستجواب انها سمعت أدلة "مذهلة" من مرضى وافراد طواقم طبية في جلسات استماع عامة في مختلف ارجاء البلاد.

وأضافت "المرضى يقيدون الى أسرّة نقل حالات الطوارئ لمدة أيام بسبب عدم توافر من يمكنه تقييم حالتهم. وانتحر شبان بعد اطلاق سراحهم من المستشفيات لانهم لم يتلقوا العلاج في وقت مبكر."

وقالت مؤسسة اينسين استراليا التي تمثل المرضى العقليين ان المرضى يتعرضون لانتهاكات اثناء تلقيهم الرعاية مثل تفتيشهم بخلع ملابسهم وحبسهم واعطائهم أدوية تؤثر على حالتهم النفسية او العقلية دون موافقة من أحد.

وقالت المؤسسة في ورقتها المقدمة للاستجواب "خدمات رعاية الصحة العقلية مهملة بدرجة كبيرة في هذا البلد والكثيرون يموتون في الاغلب نتيجة للانتحار بسبب الاهمال."

ويقول المعهد الاسترالي للصحة والرفاهة أن نحو مليوني شخص يصابون بمرض عقلي كل عام في استراليا التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة.

ويمثل المرض العقلي نحو 30 بالمئة من الامراض المصنفة باعتبارها غير مميتة في استراليا لكنه لا يحصل سوى على نسبة 6.4 بالمئة من الانفاق الصحي. ويقول المعهد ان رعاية الصحة العقلية تكلف الدولة ما يقدر بنحو 13 مليار دولار استرالي (9.8 مليار دولار)(الدولار يساوي 1.32 دولار أسترالي) سنويا لكن ربع هذا المبلغ فقط يوجه للعلاج المباشر.

وقال اتحاد الاطباء ان اغلاق المصحات النفسية القديمة في التسعينات من القرن الماضي ونقل المرضى العقليين الى المجتمع لم يخلق نظاما أكثر انسانية بل فرض على العديد من المرضى العقليين حياة الوحدة واليأس.

وأدى اغلاق المصحات كذلك الى نقص في الخبرات في مجال الصحة العقلية مما ترك المستشفيات والمراكز الاجتماعية تعاني من أجل تقديم الرعاية المطلوبة.

وقال هيكروال "كان هناك الكثير من افراد الطاقم السيئين في المصحات... لكن المصحات الجيدة كان لها ايجابياتها... فهي تجمع عددا كبيرا من الناس وسط خبراء في التعامل مع المرض العقلي."

وفي جنوب استراليا يقدر قائد السجون في الولاية أن نحو ثلثي عدد السجناء البالغ 1550 يعانون من اضطرابات عقلية لكن السجون ليس لديها سوى ما يقل عن ثلاثة اطباء متفرغين لعلاجهم.

وفي نيو ساوث ويلز اكبر ولايات استراليا سكانا دعت سلطات السجون المحاكم لعدم سجن المرضى العقليين الذين يرتكبون جرائم بسيطة.

ويقول اتحاد رجال الشرطة في استراليا ان الشرطة اعتادت على سد النقص في خدمات رعاية الصحة العقلية بتأمين المستشفيات حيث ينتظر المرضى العلاج ونقل المرضى الى المستشفيات في عربات الشرطة المغلقة.

وقال مارك بيرجس رئيس الاتحاد "مازال يخلى سبيل نسبة كبيرة من المرضى الذين يشكلون خطورة... وللاسف فان الكثيرين منهم عادة ما يلقون مباشرة في طريق رجال الشرطة."

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 16/ اب/2005 -10/ رجب/1426