يرجع تاريخ شارع المتنبي المحصور بين نهر دجلة وشارع الرشيد الى
فترة الحكم العثماني ويعد مركزا لتجارة الكتب في العاصمة العراقية
بغداد.
وساء حال الشارع بعد أن كان في يوم من الايام قلب النشاط التجاري في
المدينة وكان باعة الكتب يصطفون على جانبيه لعرض افضل المطبوعات في
الشرق الاوسط.
لكن رغم حالته الرثة استمر نشاط بيع الكتب في شارع المتنبي وترى
الناس يتزاحمون في مجموعات حول أكوام الكتب القديمة والحديثة المعروضة
على الارصفة أو فوق عربات صغيرة.
وغالبية محال بيع الكتب الموجودة في الشارع صغيرة الحجم ويتركز اغلب
نشاطها يوم الجمعة حيث ينشر الباعة الكتب العربية والانجليزية على حصير
فوق ارصفة الشارع المتربة والمتهدمة ليقوم الجمهور بالاطلاع عليها
وشرائها ليتحول شارع المتنبي إلى سوق مفتوح للكتب في قلب بغداد.
ويحمل الشارع أسم الشاعر العربي الكبير الذي أصيب بجنون العظمة
وادعى النبوة لكن تاريخ الشارع مع الكتب يعود إلى العصر العباسي الذي
بدأ في القرن التاسع وتزايدت فيه أعمال التأليف والترجمة للكتب العلمية
وازدهر خلاله الشعر العربي في بغداد بالاضافة إلى الفنون والآداب
الاخرى.
وفي فترة لاحقة خلال الحكم العثماني حمل الشارع اسم "الخامنيه" وهي
كلمة تركية تعني ثكنات الجيش التي يمكن مشاهدتها من احد المقاهي
الموجودة فيه.
واثار عشق العراقيين للقراءة والكتب مازالت موجودة بوضوح في نهاية
شارع المتنبي حيث توجد مطبعة يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر تحولت
اليوم الى مقهى يرتاده أصحاب الفكر والقلم.
وقال محمد كاظم الخشالي صاحب مقهى الشابندر "شارع المتنبي تاريخه
تاريخ قديم يمتد إلى زمن العباسيين حيث كان يدعى بهذا "بدرب زاخي" أي
يوصل صوب الرصافة بالكرخ الطريق الوحيد الذي يمتد من الباب الشرقي إلى
هذه المكان إلى الصافي إلى الجانب الثاني. أشتهر الشارع المتنبي بالعهد
الملكي على الاكثر."
وفي عام 1917 بدأ شارع المتنبي في الازدهار كمركز رسمي لبيع الكتب
في وسط بغداد.
وبعد الغزو العراقي للكويت والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الامم
المتحدة على بغداد عام 1991 تراجع الاقتصاد العراقي وكان لذلك اكبر
الاثر على شارع المتنبي حيث اختفت المجلدات والمطبوعات الفاخرة وتحول
الشارع إلى سوق للكتب المستعملة بعدما باع الناس كل ما لديهم من أشياء
وكتب للحصول على أموال لشراء قوت يومهم.
وفي فترة حكم صدام حسين كان الشارع يخضع لرقابة الامن العام الذي
كان يعمل على ضمان حظر تداول كتب تتناول التاريخ الحديث للعراق ومعظمها
مذكرات كتبها منفيون وأعمال لرجال دين شيعة وسنة.
ومع ذلك كان يتم تهريب الكتب الممنوعة والتي غالبا ما كانت تطبع في
بيروت إلى العراق عبر الاردن وسوريا وتركيا.
ويقيم نعيم الشطري صاحب أشهر مكتبة في شارع المتنبي مزادا للكتب كل
يوم جمعة يبيع خلاله الكتب النادرة لأشهر الكتاب ومن بينها كتب منع
نظام الرئيس العراقي صدام حسين تداولها مثل قصائد الشاعر العراقي
الشهير محمد مهدي الجواهري وغيره.
وقال الشطري "قبل 15 سنة جاءتني فكرة تأسيس مزاد للكتب القديمة
والحديثة فأسست يوم الجمعة قبل 15 سنة. أسست مزاد للكتب يعني ولاقيت
تشجيع من العلماء وخيرة المثقفين من العراقيين."
وبدأ مزاد على كتاب للجواهري بنحو 4500 دينار عراقي أو ما يعادل
ثلاثة دولارات امريكية.
وبسبب عشقه للكتب باع الشطري مكتبته في البصرة بجنوب العراق وجاء
للعيش في بغداد للعمل بتجارة الكتب منذ عام 1963.
وحب العراقيين للقراءة كبير مثل حبهم للبنان الذي يعشقه رواد شارع
المتنبي حيث تاتي منه معظم المطبوعات والكتب التي تباع هناك.
ولعقود كان الشارع احد المراكز الرئيسية للحياة الفكرية في العراق
وهو ما يعكسه العدد الكبير من المكتبات المتراصة على جانبيه.
واعتاد المفكرون ورجال الدين واستاذة الجامعات والعراقيين العاديين
التجمع في الشارع لمناقشة القضايا وتبادل الافكار.
وقال الخشالي "شارع المتنبي يصبح الشريان الثقافي للمواطن العراقي
منها وإلى الامة العربية بكاملها حيث تروج جميع الكتب الادبية الدينية
والثقافية والكتب التي تصدر في جميع أنحاء العالم وعلى الخصوص العربية
منها."
وفي عهد النظام المخلوع كانت الكتب التي حظرها حزب البعث الحاكم
تتداول بشكل سري وكان صاحب أي مكتبة لا يعطيها لاي زبون يطلبها إلا إذا
كان يثق به كثيرا. لكن اليوم تغير الوضع وباتت جميع الكتب متاحة للقراء
في الشارع وتباع علنا على الارصفة.
وفي السبعينيات سحق صدام حسين الحياة الفكرية في العراق مما أدى إلى
قيام اصحاب المكتبات في شارع المتنبي ببيع الكتب سرا. وكان هناك مخبرون
سريون يبلغون السلطات باي كلمة يتفوه بها معارض في مقاهي الشارع.
لكن الشارع عاد للازدهار مرة ثانية بعد سقوط صدام.
ويقول الصحفي ثائر عبد السادة "عانى المتنبي في ظل النظام البائد من
حرمان حيث ان المواطن العراقي وبالاخص المثقف كان يحاول بشكل أو باخر
ان ينتقي الكتاب الذي يشكل ذاته أو اللي يحاوره الكتاب ولذلك كانت هذه
الامور ممنوعة في ظل النظام وكانت هناك كتب تعبر عن النظام ورأيه
وأفكاره." |