· الدستور الدائم هو اهم الضمانات
لترسيخ دولة القانون
· مهمة الدستور ان يضع حدود اختصاصات
السلطة العامة في الدولة
· نظرية تدويل الدساتير نظرية ينبغي
النظر اليها باحترام
· مفارقات تحدث بين دستور 1952 م
ودستور المرحلة المؤقت الان
التقت شبكة النبأ المعلوماتية بالاستاذ المحامي شكر السماك وحاورته
حول جوانب متعددة من الدستور، وفي البدء طلبنا من الاستاذ شكر السماك
الذي سبق له وان اعد بعض الدراسات عن هذا الموضوع ان يعطينا تصوراته
الخاصة عن ماهية الدستور واهميته في حياة الشعوب فقال:ـ
الدستور يعني لغويا القاعدة او الاساس وجمعها دساتير وهي كلمة
فارسية الاصل بمقتضاها يعمل الوزير الاول في الدولة، على جمع قوانين
الملك وضبط الادارة في سجل، كما تكتب في هذا السجل اسماء الجند
ومرتباتهم، هذا التعريف اللغوي ورد في المنجد من اللغة العربية المنشور
في بيروت.
وقد اختلفت التسميات بالنسبة للدستور، فبعض الدول سمته القانون
الاساسي للدولة، وقسم منها سمته القانون الدستوري، وقسم قال بأن هذا هو
القانون الاساسي للدولة ، وطبعا ان هذا القانون الاعلى، يتميز بعلويته
على بقيته القوانين،اي انه لايمكن لاي قانون، ان يخترق او يخالف نصا
دستوريا ، فان صدر قانون من سلطة تشريعية، يعارض نصا دستوريا فلا يعتبر
هذا القانون شرعيا ويطعن بشرعيته وعدم دستوريته وبالتالي يتم العمل على
الغائه او تطويعه بما يناسب النصوص الدستورية.
الدستور بالمفهوم الحديث والشائع، انه وليد الفكر الديمقراطي، وكل
نظام حكم لايضمن السيادة للشعب، انما هو نظام حكم غير دستوري، كما ان
الدستور يعزز فكرة سيطرة القانون على الحاكمين والمحكومين على حد سواء،
وفي الحقيقة ليس هناك من هو فوق القانون ، وليس هناك من يتمرد على
القانون ويفلت من العقاب، الدستور يضمن فكرة تقييد السلطة من التطاول،
اذ لايمكن للسلطة ان تتطاول على حقوق الافراد والاعتداء على حرياتهم،
اذن الدستور وبصراحة يجعل السلطة التنفيذية مسؤولة امام الشعب او من
ينوب عنه، ولكن مع ذلك وجدت في العالم ، انظمة دكتاتورية فاشية شمولية،
لديها دساتير ولكنها تتصف بالتعسف والارهاب والخروقات، وطبعا هناك
امثله كثيرة على مثل هذه الانظمة نظام صدام ، هتلر، بينوشيه... وانظمة
كثيرة اخرى ، وحتى في بعض الدول المجاورة التي تمتلك دساتير تحتوي على
نصوص تكفل حق المواطن، الا انها بسلوكها ونهجها وتصرفها تخالف احكام
الدستور.
وللدستور اهمية بالغة من الناحية القانونية والسياسية فهو مجموعة من
القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ، والوثائق الاخرى
ذات الطابع الدستوري ، مثل قانون الانتخابات الذي ورد فيه نص عن قانون
ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وهناك بعض القوانين مثل قانون دستور
سنة 1990 الذي شرع ونشر في الوقائع العراقية، ولم يعمل به، حيث كان
المفروض ان يعرض للاستفتاء ولم يحصل الاستفتاء بسبب حرب الكويت، وكذلك
الحال بالنسبة للدساتير السابقة.
والدستور لايقف عند هذا الحد وانما يبين شكل وطبيعة النظام السياسي
القائم في الدولة والمتمثلة في الاسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية، فهل النظام السياسي الذي يتولى السلطة والحكم، ذو منحى
اشتراكي ام انه ذو منحى رأسمالي الى اخره، هذا كله منصوص عليه في
الدستور كما يبين مهام وصلاحيات الهيئات العليا في الدولة، والمقصود
طبعا بالسلطات العليا هي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وعند
مراجعة قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية يجد المواطن، ان هناك
ابوابا تنفرد بها سلطة من السلطات فهناك باب يختص بالسلطة التشريعية
واخر بالسلطة التنفيذية واخر يختص بالسلطة القضائية.
بالاضافة الى ذلك يتضمن الدستور حقوق وواجبات المواطنين الاساسية،
كما يصنع الدستور الاسس العامه لسياسة الدولة العامة الخارجيه
والداخليه ، هكذا اذن تبدو اهمية الدستور من الناحية القانونية، ولهذا
نجد ان صياغة وثيقة الدستور تأخذ اهمية بالغة في المرحلة المقبلة من
التطور السياسي.
* هل يمكن اعتبار المسلات التأريخية مثل مسلة حمورابي وغيرها هي
بدايات وضع الدستور على الارض؟
المسلات ضمت نصوصا تنظيم العلاقة بين البشر مرحلة تأريخية معينة،وقد
شهد العالم في الحقيقة اول وثيقة دستورية في عام 1787 بالمعنى الذي
عرفته لك، فما يسمى بالدستور، فان العالم لم يعرف الدستور الا في عام
1787 بعد انتصار الثورة الاميركية، وبهذا المعنى فان اول دستور في
العالم هو الدستور الامريكي ولهذا الدستور تأثير مباشر على بقية
الدساتير اللاحقة في اوربا، وحين ترجع الى التاريخ فان هناك الكثير من
الشرائع التي صدرت والتي ممكن اعتبارها ضمن مرحلتها التأريخية خطوة
كبيرة على التطور والتقدم.
يرى كثير من الفقهاء، ان وجود الدستور يرتبط بالانظمة الديمقراطية
وهذا لايمكن التسليم به فكما اشرنا فان كثيرا من الانظمة الاستبداوية
كانت لديها دساتير، فسالازار في البرتقال لديه دستور 1969 ، واثيوبيا
لديها دستور وهي دولة مستبدة مطلقة تعتمد في حكم البشر على نظرية الحق
الالهي ورغم ان لديها دستورا صادرا سنة 1955 ، وكذلك الحال رأينا العهد
المباد، كانت هناك وثائق دستورية فقد صدر دستور سنة 1964 ، وصدرا ايضا
سنة 1968، وصدر ايضا في سنة 1970 وفي سنة 1990 صدر دستور، هذه الدساتير
موجودة ، ولكن العبرة ليست بوجود الدساتير ، انما العبرة بتنفيذ وتفعيل
ماورد من نصوص في هذه الدساتير، وبالاخص ما يتعلق بحقوق الانسان ،
فالسلطات الدكتاتورية والفاشية قد تضع واجهات لدساتير موجودة على
الاوراق فهي اول من يخترق نصوص هذه الوثائق التي تضعها ، فعلى سبيل
المثال مبدأ الفصل بين السلطات اخذت به كل دساتير العالم، بينما نجد ان
مجلس قيادة الثورة في العهد المباد يجمع بين السلطة التشريعية والسلطة
التنفيذية، وهذا غير جائز، وغيرممكن ان تجتمع سلطتان بيد رجل واحد، ومع
ذلك فان هؤلاء يدعون ان لديهم دستورا، ووردت فيه نصوص تؤكد على حقوق
المواطنين.
وبصراحة فان هذا الموضوع الحيوي واعني به موضوع الدستور يؤدي بنا
الى نقطة مهمة، وهي مفهوم الدولة القانونية ، ونحن الان متوجهون في هذه
المرحلة لبناء دولة نسميها دولة القانون فما المقصود بدولة القانون؟
المقصود هو خضوع كافة انشطة هذه الدولة للقانون، اي ان تلتزم كافة
سلطات الدولة سواء كانت تشريعية او تنفيذية او قضائية بالقانون، وخضوع
جميع هذه السلطات لاحكام القانون ، والعمل على حماية حقوق وحريات
المواطنين التي كفلها الدستور من تعسف الحكام واستبدادهم ، ولابد لدولة
القانون من توفر شروط او مقومات عدة لكي نستطيع ان نسميها دولة القانون
ونحن الان مقبلون على هذه المرحلة، مرحلة بناء دولة القانون ذات
المؤسسات التي تبدا من المجلس السيادي الذي يضم رئيس الجمهورية ونائبيه
ومجلس الوزراء والسلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ،
وهذه هي الحقيقة المؤسسات الدستورية التي تقوم عليها دولة القانون ،
ودولة القانون لابد لها من مقومات اساسية، واول هذه المقومات وجود
دستور دائم للدولة ، وبعكس ذلك لن نكون امام دولة قانونية ، وحتى في
حالة وجود دستور فينبغي ان يكون هذه الدستور دائميا وليس
مؤقتا،فالدستور المؤقت يصدر استجابة لظرف استثنائي ولا توجد دولة في
العالم عاشت في ظل دساتير مؤقته للمدة 42 عاما كما حدث في العراق ، فما
ان ينتهي الظرف الاستثنائي حتى يبدا العمل على وضع اسس الدستور الدائم،
والظرف الاستثنائي لايمكن ان ياخذ مساحة ومنية وصلت الى 42 عاما، ونحن
الان مقبلون على طرح الدستور للاستفتاء مع بداية تشرين الثاني ليكون
جاهزا للتشريع الدائم خلال السنة المقبلة، وهي فترة وجيزة.
* متى بدا اول دستور في العراق؟
اول دستور بدا في العراق شهده العراق عندما كان جزءا من
الامبراطورية العثمانية سنة 1876 وهو القانون الاساسي العثماني وهذا
القانون يمثل اول وثيقة دستورية ، تلا هذه الوثيقة دستور 1925 ، وقد
استغرق وضعهمن 1921 ولم ير النور الا في سنة 1952 ، والمفارقة
التأريخية قد تؤكد على ان التأريخ يعيد نفسه ففي هذا الدستور كان هناك
12 وزيرا بلا وزارة، ونشهد الان عودة لهذه الظاهره، والمفارقة الاخرى
ان الوزارة التي تشكلت كان لها مستشار بريطاني ، وكل وزارة لها
مستشارها ،وهذا المستشار البريطاني يمثل المصالح البريطانية في العراق،
والان نشاهد في بداية الاحتلال هناك مستشارون في كل وزارة ، فالوزير
يظل مغلول اليد، ونحن نقول سيادتنا مازالت ناقصة، والمهم اولا ان
نستعيد سيادتنا الكاملة من خلال توحيد الصف الوطني والاجماع الوطني على
التخلص من الهيمنة الخارجية وبناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي ، يكون
فيه احترام كبير للانسان ،هناك رؤى لدى فقهاء القانون الدولي ، تؤكد
على مسألة ضرورية احترمها بشكل خاص هي تركيزهم على نظرية يقال لها
نظرية تدويل الدساتير في العالم ، اي ان هناك بعض المبادى الاساسية
التي يجب ان تتضمنها كل الدساتير العالم، واعني الدول التي لديها
دساتير ، وقد لاحظت ان دستور العراق للمرحلة الانتقالية انه جعل وثائق
لائحة حقوق الانسان العالمية(1949) ولائحة حقوق المراة، وكل المعاهدات
والتوصيات الصادرة من هيئة الامم، جزءا من الدستور ، ومن وجهة نظرية
فان دساتير عدد من دول المنطقة لم تأخذ نصا بهذا المفهوم وهذا الاتساع.
اذن الدستور بشكل عام يصنع حدودا لاختصاصات السلطة العامة في الدولة،
ويشكل في الوقت نفسه قيودا على كل سلطة من هذه السلطات، فلا تستطيع هذه
السلطات ان تتجاوز حدود الصلاحيات التي رسمتها الدستور، وفي حالة خرق
او اختراق بنود الدستور فان هذا يعني مخالفة دستورية ويحاسب القائم بها.
ودولة القانون يجب ان تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وهذا المبدأ
يعتمد على وجود السلطات الثلاث التي سبق ان اشرنا اليها وهي السلطات
التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكل واحدة من هذه السلطات مهام
واختصاصات خاصة بها ومكلفة بتنفيذها.. |