مشرف باكستان في مواجهة مسلحة ودستورية مع طالبان باكستان

تثير الحملة التي تشنها باكستان للقبض على المتشددين غضب اليمين لكنها تحظى بدعم من المعتدلين في البلاد مما يكشف عن وجود انقسامات في المجتمع الباكستاني الذي يندد بالتطرف لكنه يتعاطف مع قضية الاسلاميين.

ورغم ان المسلمين يمثلون اكثر من 90 بالمئة من تعداد باكستان البالغ 150 مليون نسمة ورغم ان الامة الباكستانية خرجت الى الوجود بعد احداث عنف مروعة عام 1947 من رحم المناطق ذات الاغلبية المسلمة في الهند ابان الاحتلال البريطاني الا ان معارضة الاسلام المتشدد راسخة للغاية في باكستان.

ولكن هناك مشاعر قوية ضد الولايات المتحدة والغرب بالاضافة الى شبكة قوية من الجماعات الاسلامية الاصولية في البلاد.

ومعالجة هذه التناقضات مهمة رئيسية للرئيس برويز مشرف لكن البعض يقول ان قائد الجيش السابق يبقي على الانقسامات لضمان استمرار حصوله على دعم من الغرب.

وقال عرفان حسين وهو معلق سياسي مقره كراتشي "العلمانية تمثل مفهوما غريبا على معظم الباكستانيين لكنهم لا يريدون العنف والتطرف. انهم يريدون فقط مواصلة حياتهم."

ويوافق قطاع عريض من الشعب على وجهة النظر هذه.

قالت الطالبة فايزة جامشيد اثناء تسوقها في منطقة كليفتون في كراتشي "اذا حمل مشرف على الاشخاص الذين يتحدثون عن التطرف فستؤيده الاغلبية."

اما عاطف شيرازي الذي يحصل على 67 دولارا شهريا مقابل ادارة كشك للهاتف العمومي في مدينة روالبندي القريبة من اسلام اباد فيقول انه يوافق على خطة مشرف لمراقبة المدارس الدينية لضمان انها لا تروج للتطرف.

وقال شيرازي "يجب ان يقوم بكل هذا ليظهر للعالم اننا لسنا من الارهابيين."

ولكن الاحصاءات والسياسة تظهران انه قد لا يكون من الملائم بالنسبة لمشرف ان يفعل ما بوسعه للقضاء على المتطرفين.

ففي الشهر الماضي اظهرت احصاءات نشرها مركز بيو للابحاث ومقره الولايات المتحدة ان 52 بالمئة من الباكستانيين يعتقدون ان التطرف الاسلامي يشكل خطرا على بلادهم.

من ناحية اخرى يضع 51 بالمئة من الباكستانيين القليل او الكثير من ثقتهم في اسامة بن لادن "ليفعل ماهو صواب فيما يخص امور العالم" وهي نسبة ترتفع عن 45 بالمئة منذ عام واحد.

ويقول العديد من المحللين انه لا مجال في المعادلة الخاصة بمشرف لنوعية الاحزاب السياسية العلمانية التي كانت في الحكم قبل قيامه بانقلاب منذ ست سنوات. كانت هذه الاحزاب تمثل المسلمين المعتدلين لكنها وجدت نفسها الان بلا نصير.

ويقول المحللون انه فيما يبدو يوجد تفاهم ضمني بين الحكومة ومجلس العمل المتحد وهو تحالف معارض يضم ستة احزاب دينية محافظة.

ولم يحصل مجلس العمل المتحد قط على أكثر من ستة بالمئة من اصوات الناخبين حتى عام 2002 حينما حصل على 11 بالمئة مما جعله اكبر كتلة معارضة في البرلمان ليحصل على قدر من السلطة في بلوخستان وعلى سيطرة كاملة في الاقليم الحدودي الشمالي الغربي وهما اثنان من اقاليم باكستان الاربعة.

وتساءل خاوار ممتاز وهو ناشط من اجل التنمية مقره لاهور قائلا "اذا تم دمجهم في التيار الرئيسي وسمحنا لهم بمساحة اكبر فهل يعني ذلك انه قد تم احتواؤهم بالفعل.."

ويقول المحللون ان الجماعات المتطرفة لديها جمهور جاهز بسبب الفقر المنتشر وسط جيوب من الغني الفاحش.

ويقول حسين حقاني الذي كان مستشارا سابقا لثلاثة من رؤساء الوزراء في باكستان وهو عضو الان في مؤسسة كارينجي للسلام الدولي "كيف يمكن ان نقضي على دعم بن لادن دون ان نقضي على دعم افكار بن لادن.."

ويقول اخرون ان اساس المشكلة يكمن في دور الجيش في ادارة شؤون باكستان. في اوائل الثمانينات اصبح الرئيس الباكستاني وقتها محمد ضياء الحق حليفا للغرب بسبب معارضته للغزو السوفيتي لافغانستان المجاورة. وكان ضياء الحق ايضا جنرالا عسكريا اطاح بحكومة منتخبة.

واشرف ضياء الحق على اضفاء الصبغة الاسلامية على الجيش الباكستاني وسمح للمجاهدين العرب على غرار اسامة بن لادن بقتال السوفيت خلال الثمانينات بتمويل من السعودية والولايات المتحدة.

يأتي مشرف بعد عشرين عاما ليحاول تهدئة الاوضاع في اعقاب هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة.

تشعر الجماعات المتطرفة بغضب بالغ من هذا التحول ووقعت محاولتان على الاقل لاغتيال مشرف. ولكن على الرغم من ان الرئيس اطلق حملة اخرى للقضاء على المتشددين في اعقاب تفجيرات لندن في يوليو تموز الا ان البعض يعتقد انه يحجم عن استخدام كل ما لديه من قوة.

وقال حقاني "تم التحايل على مقدار قوة الاسلاميين للسماح للجيش بالاستمرار في السيطرة."

واضاف حقاني ان مشرف يحتاج الى ظل من التطرف والا ضاق به ذرعا الشعب الباكستاني وواشنطن.

وقال "انه يريد تقنين التطرف لا القضاء عليه."

من جهتها منعت المحكمة العليا الباكستانية حكومة اقليم يسيطر عليها اسلاميون من اصدار قانون شرعي اسلامي على غرار قوانين حركة طالبان المخلوعة في افغانستان.

وأصدرت المحكمة حكمها بناء على طلب الرأي القانوني الذي كان الرئيس برويز مشرف قدمه اليها بشأن قانون الحسبة الذي أقره المجلس التشريعي لولاية الحدود الشمالية الغربية في بيشاور في الشهر الماضي.

وقال افتخار محمد شودري كبير قضاة المحكمة العليا المكونة من تسعة قضاة انه "لا يحق لحاكم اقليم الشمالي الغربي التصديق على قانون الحسبة في شكله الحالي."

وأضاف أن المحكمة ترى عدم دستورية عدة مواد في القانون.

وقالت المحكمة إن رأيها استشاري وليس بإمكانها إسقاط مسودة القانون.

ويقول الرئيس الباكستاني برفيز مشرف إن مشروع القانون يعد خرقا لحقوق الإنسان الأساسية، فيما تقول حكومة إقليم الحدود الشمالية الغربية إنها مخولة بتمرير مشروع القانون استنادا على انتخابها.

ويتضمن مشروع القانون إجراءات تضمن توجه الناس للمساجد في أوقات الصلاة وعدم التشجيع على الغناء والرقص.

ولكي يصحب التشريع قانونا سيتعين أن يوقع عليه حاكم الإقليم بالمصادقة.

ومن شأن هذا أن يزيد من حدة الضغوط على الجنرال مشرف، الذي يقوم بحملة على التطرف ويعمل على طمأنة العالم إلى أن باكستان دولة معتدلة.

وكان الرئيس الباكستاني برويز مشرف الذي يسعى لجعل باكستان مجتمعا اسلاميا تقدميا قد طلب رأي أعلى محكمة في البلاد بعد موافقة برلمان الاقليم الحدودي الشمالي الغربي في بيشاور على قانون الحسبة المثير للجدل.

ودفع خالد أنور المحامي الذي يمثل الحكومة الاقليمية في بيشاور بأن قانون الحسبة وضع بناء على توصيات مجلس العقيدة الاسلامية وهو هيئة استشارية دستورية مكلفة بضمان اتساق القوانين مع الشريعة.

وقال المحامي امام هيئة المحكمة المؤلفة من تسعة قضاة "هذا المشروع لا يخرق أي بند من بنود الدستور أو ينتهك أي أمر من أمور الاسلام."

وقال انور ان قانون الحسبة لا يخول استخدام القوة ولكنه يستهدف اقناع الناس بتطبيق تعاليم الاسلام.

وتساءل أنور قائلا "هل هناك أي خطأ في نهي الناس عن ارتكاب أعمال خاطئة ... قانون (الحسبة) قضية نبيلة يجب أن يحظى بالاشادة والتأييد."

واذا طبق القانون فان الحكومة الاقليمية ستشكل قوة من الشرطة الدينية يسيطر عليها رجال الدين وهو نظام يقول منتقدون انه سيكون على غرار وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حكومة طالبان.

وقبل الاطاحة بطالبان من السلطة أواخر عام 2001 كانت الشرطة الدينية تجوب الشوارع الافغانية وتأمر الناس باداء الصلاة وتمنع النساء من الخروج دون ارتداء البرقع الذي يغطي كامل جسدها وتتصدى للرجال الذين لا يطيلون لحاهم.

والجدل الدائر حول قانون الحسبة هو الاحدث من نوعه في صراع طويل بين رجال الدين المعتدلين والمحافظين من أجل السيطرة على مستقبل باكستان.

وتفجرت القضية وسط حملة تشنها الحكومة في الاونة الاخيرة على المتشددين والنشطين الاسلاميين والوعاظ المحرضين تم خلالها اعتقال أكثر من 600 مشتبه به الشهر الماضي.

وحقق مجلس العمل المتحد وهو تحالف من الاحزاب الدينية المعارضة انتصارا ساحقا وتولى السلطة في الاقليم الحدودي الشمالي الغربي عام 2002 مستفيدا من مشاعر مناهضة للولايات المتحدة اذكتها الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في افغانستان المجاورة.

واتخذت الحكومة الجديدة بالاقليم عدة خطوات تشبه ما كان لدى طالبان اذ حظرت الموسيقى في وسائل النقل العام ومنعت الاطباء الرجال من فحص النساء أو قيام الرجال بتدريب النساء في المجال الرياضي وكذلك منعت الصحفيين الرجال من تغطية احداث المنافسات الرياضية النسائية.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 8/ اب/2005 - 2/ رجب/1426