احداث لندن: المسلمون يفقدون مساحة الحرية ويتعرضون للمزيد من حالات الكراهية

وضعت اعتداءات 7 تموز/يوليو في لندن حدا لما اصطلح على تسميته "لندنستان" او مساحة الحرية التي اعطيت للاسلاميين الاصوليين منذ 15 عاما في بريطانيا.

واكد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الجمعة ان "قواعد اللعبة تغيرت" بين الحكومة والمتشددين عارضا سلسلة اجراءات قد تفضي الى العديد من عمليات التسليم والطرد.

والواقع ان اعتقاد المتشددين لم يكن خاطئا.

وينتقد رجل الدين السوري عمر بكري مشروع الحكومة لمعاقبة اي تحريض على الكره الديني والعنصري بمفعول رجعي معتبرا انه "يعبر عن جنون كامل". ويقول "اخطب في هذا البلد منذ عشرين عاما وافهم ان يصبح الامر غير قانوني اليوم ولكن لماذا تطبيق القانون الجديد بمفعول رجعي انه جنون كامل ولا اصدق انني ساطرد على ما قلته العام الماضي".

ويحض بكري كل مسلم على العمل لتكريس الخلافة الاسلامية في العالم واشاد في اذار/مارس 2004 باعتداءات مدريد (191 قتيلا) وايد في حديث الى هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) الجمعة الهجمات على الجنود البريطانيين في افغانستان والعراق. وهو الوحيد الذي لا يزال حرا بين الائمة الاصوليين الذين لجاوا الى العاصمة البريطانية منذ التسعينات.

واستقطبت لندن الاسلاميين من كل الاتجاهات لانها تحتل موقعا ماليا متقدما وتستضيف وسائل اعلام عربية وتمتاز باحترام عريق لحرية التعبير اضافة الى سهولة الحصول على اللجوء السياسي فيها. ويعزو معظم الخبراء هذه الظاهرة الى اتفاق غير منظور يقوم على المعادلة الاتية: الحكومة تمنح الاسلاميين هامش تحرك في مقابل عدم تعرض بريطانيا لاي اعتداء ارهابي. وشكا القضاة الفرنسيون من هذه المقاربة زمن تعرض باريس لاعتداءات. لكن كل شيء تبدل مع اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر في الولايات المتحدة.

فتوني بلير دفع بلاده الى التزام "الحرب ضد الارهاب" التي اعلنتها واشنطن وعمل على اقرار قوانين تتيح اعتقال المشتبه فيهم دون محاكمة وكان رجل الدين الفلسطيني ابو قتادة في مقدم من اعتقلوا بموجب الاجراءات الجديدة. وهو اليوم في الاقامة الجبرية بعد عامين ونصف عام امضاها في السجن.

وفيما اقفل "مسجد الكره" في فينسبوري بارك ينتظر امامه المصري ابو حمزة خلف القضبان محاكمته بتهمة التحريض على الكره العرقي والقتل والارهاب. ولكن في راي الباحثة سلمى بلعلع في صحيفة "لوموند" الفرنسية ان اقفال المسجد المذكور "جعل منطقة النفوذ الاصولي غير مرئية" اما الخطب العنيفة فلا تزال حاضرة على شبكة الانترنت.

بعد هذه الضربة الموجعة للاصوليين يعتبر عمر بكري ان "بريطانيا برمتها تحولت ساحة حرب" حتى ان المدافن في رايه صارت هدفا.

وكان لكلامه هذا صدى مرعب بعد اعتداءات 7 تموز/يوليو (56 قتيلا و700 جريح) ومحاولات التفجير الفاشلة في 21 منه.

ويقوم رد توني بلير على عمليات طرد وتفكيك للمجموعات الاصولية فضلا عن امكان اعادة النظر في القوانين المتصلة بحقوق الانسان. لكن العديد من الاصوات نبهت الى وجوب عدم تخلي بريطانيا عن قواعدها الاساسية.

وقال زعيم كتلة الليبراليين الديموقراطيين تشارلز كينيدي "سواء كنا في الحكومة او لا يظل واجبنا الاساسي الدفاع عن دولة القانون وامن المواطنين والحريات المدنية وحرية التعبير".

النساء المسلمات في بريطانيا يرفضن اقتراحا لخلع الحجاب في اعقاب التفجيرات 

 لكن مسلمي بريطانيا قد بدأوا يشعرون اكثر مما هو فقدان لحرياتهم وهو انتشار الكراهية، فقد بدت الصدمة على وجه صديق علي (65 عاما) وهو يعرض في مسجد تعرض لعملية تخريب في شرق العاصمة البريطانية لندن مثالا واحدا على رسائل تعبر عن الكراهية يتلقاها مسلمو بريطانيا منذ الهجمات على شبكة المواصلات في لندن في السابع من يوليو تموز. وجاء في الرسالة المكتوبة بخط اليد "أيتها الكلاب المسلمة القذرة. ستحرقون يوم الجمعة. العديد من الخنازير المسلمين سيحرقون."

وقال علي عضو اللجنة التي تدير المسجد "نحن نشعر بالخوف." وأضاف "هؤلاء الناس يحذروننا. لكن اذا واجهونا ووقفوا امامنا يمكننا ان نرد او نحاول ان نفهم لكنهم لن يأتوا."

وأفادت احصاءات الشرطة أن الهجمات ذات الدوافع المتعلقة بالكراهية الدينية زادت الى ستة امثالها في لندن منذ الهجمات الانتحارية التي نفذها اربعة من مسلمي بريطانيا وقتل فيها 52 شخصا وموجة ثانية من الهجمات الفاشلة بعد أسبوعين.

ويوجد في بريطانيا 1.6 مليون مسلم أي ما يقل قليلا عن ثلاثة بالمئة من سكانها. وتأتي الغالبية العظمى منهم من شبه القارة الهندية وليس من الشرق الاوسط.

والعلاقات بين أفراد المجتمع في بريطانيا ذات الثقافات المتعددة كانت سلمية بشكل عام رغم ان التوترات بين افراد الطوائف والاعراق المختلفة تتحول الى أعمال عنف بين الحين والاخر مثلما حدث في أعمال شغب عرقية في عام 2001 في بلدات برادفورد واولدهام وبيرنلي الشمالية.

ويقول مسلمون بريطانيون انهم شهدوا تصاعدا في سوء المعاملة بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول على نيويورك في وقت لاحق من ذلك العام لكن هذه التوترات تراجعت بدرجة كبيرة قبيل تفجيرات لندن.

وبعد يومين من تفجيرات السابع من يوليو تموز حطم مخربون نحو 20 نافذة في معهد مزاهر العلوم التعليمي الثقافي وهو في مسجد ازرق اللون في حي ستيبني جرين في شرق لندن.

ورصد صالح احمد امام المسجد الاضرار مع علي.

قال أحمد "كنت نائما في الطابق العلوي وفي ساعة متأخرة من الليل في نحو الساعة الثالثة صباحا سمعت أصواتا ... نزلت فرأيت هذه النوافذ المحطمة والزجاج المنتاثر على الارض."

وتفيد احصاءات أن 269 جريمة كراهية ارتكبت منذ السابع من يوليو تموز الا أن خبراء الجريمة يرون أن هذا الرقم أقل من الحقيقة اذ لم يبلغ عن العديد من الهجمات. والتقديرات غير الرسمية حول 20 مثل هذا الرقم.

ويدرج منتدى سلامة المسلم جرائم قتل وحرق واعتداء وتهديدات بتفجير بين الوقائع.

وفي احدى الحالات في جنوب لندن تعرض امام لهجوم وهو يتوجه بدراجته لحضور صلاة العصر وضرب حتى فقد الوعي.

وقال الامام محمد حق (27 عاما) لصحيفة مسلم نيوز ان مهاجمه "ظل يصرخ قائلا القاعدة وهو يضربني."

وشملت وقائع أقل عنفا تقارير عن سائقي حافلات منعوا مسلمات يرتدين الحجاب من الصعود الى الحافلات وكتابات عنصرية على مدخل مسجد في ويلز.

وقال منصور مياه (17 عاما) في ستيبني جرين "ما حدث بعد 11 سبتمبر وأثره على المجتمع الاسلامي كان مروعا...وهو ما يحدث من جديد الان."

وبلغت مخاوف المجتمع الاسلامي حدا دفع زكي بدوي رئيس مجلس المساجد والائمة الى اقتراح ان تخلع النساء المسلمات الحجاب اتقاء للمضايقات.

لكن جمعية حماية الحجاب وهي جمعية نسائية اسلامية رفضت الفكرة وقالت أن ارتداء الحجاب فرض.

ويخشى منتدى سلامة المسلم ان تؤدي هجمات السابع من يوليو تموز الى انتشار التمييز ضد المسلمين في بريطانيا.

وقال متحدث "الناس تحاول تبرير ما حدث... اذا القت وسائل الاعلام اليمينية اللوم على المسلمين فان ذلك سيلقى صدى بين أقلية فقط في الداخل."

وأضاف "لكن ذلك ستكون له تداعيات أوسع نطاقا مثل القدرة على الحصول على الخدمات والوظائف. يجب ان نكون مستعدين."

ولكن في لندن متعددة الاعراق في ضاحية بريكستون وعلى مسافة تقطع سيرا في ثلاث دقائق من المكان الذي اطلقت فيه الشرطة النار على برازيلي وقتلته معتقدة انه مهاجم قالت نساء مسلمات انهن لم يعانين حتى الان من التمييز بسبب التفجيرات.

وقالت مالكة ادامز (29 عاما) "في الاماكن التي يكون البيض اكثر فيها ربما تكون (هناك مشكلة) ... الاعراق كثيرة هنا ولا أشعر أنني مختلفة."

وأضافت "لكني لا أعرف ما يمكن أن يحدث غدا."

من جهته أعرب نائب بارز في حزب المحافظين البريطاني المعارض عن قناعته بوجوب مغادرة كل مسلم يعارض النمط البريطاني في العيش سواء كان مواطنا أو لم يكن.

ورأى وزير الدفاع في حكومة الظل المحافظة جيرالد هووارث في حديث لصحيفة (سكوت مان) نشر اليوم ان يعامل المسلمين المتطرفين الذين يعتبرون الحملة العسكرية لتحرير العراق "حرب على الدين الاسلام كخونة مثلما كان يعامل المتعاطفين مع الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة".

الا ان هووارث أكد ان أغلبية المسلمين في بريطانيا متمسكين و معجبين بالقيم البريطانية معربا عن الفخر للشعور الذي أظهره المسلمين للعلم البريطاني في احدى اجتماعاتهم التي حضرها في اجازة نهاية الاسبوع الماضية.

وقارن النائب المحافظ كل من يكره و يعارض الطريقة البريطانية في العيش وقيمها "بالخونة والجواسيس الذين كان يتجسسون لصالح الاتحاد السوفيتي".

واختتم حديثه بتأكيد قناعته "اذا كانوا يكرهون طريقتنا بالعيش و الحياة فهناك حل بسيط .. ارحلوا اذهبوا الى دولة أخرى وستكونون أنتم سعداء ونحن سنكون سعداء" موضحا أن هذا الامر او الموقف ينطبق على المواطن البريطاني المسلم ايضا.

يذكر ان هذه المواقف المتشددة بدأت بالظهور بصورة قوة بعد التفجيرات الارهابية التي وقعت في لندن الشهر الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 8/ اب/2005 - 2/ رجب/1426