هل يتجاوز العراق أزمة الدستور ويصل قادته الى اتفاق؟

عقد الزعماء العراقيون من مختلف الانتماءات العرقية والطائفية اجتماعا يوم الاحد لمحاولة إنهاء الأزمة المتعلقة بصياغة الدستور.

وقبل اسبوع من الموعد المحدد لعرض مسودة الدستور على البرلمان ما زال الخلاف قائما بين ممثلي الفصائل المتنافسة بشأن عدد من القضايا الرئيسية منها مدى تطبيق الشريعة الاسلامية في العراق الجديد.

ووجه الرئيس العراقي جلال الطالباني الدعوة لزعماء الفصائل لمقابلته بمقر اقامته بالعاصمة بغداد في الساعة السابعة مساء يوم الأحد (1500 بتوقيت جرينتش) في محاولة تحقيق تقدم في تسوية الخلافات.

ودافع كل من الاكراد والعرب السنة الذين يمثلون الاقلية في العراق والذين كانوا يسيطرون على البلاد في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين والاسلاميون الشيعة الذين يقودون الحكومة التي تساندها الولايات المتحدة عن موقفه في الايام القليلة الماضية.

وتشمل موضوعات الخلاف الرئيسية الحكم الذاتي للمناطق الفيدرالية وهو مطلب محوري للاكراد يعارضه السنة بدرجة كبيرة ومدى الالتزام بالشريعة الاسلامية التي يتمسك بها بعض الشيعة بقوة.

وقال عبد العزيز الحكيم زعيم جماعة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق أمام حشد من أنصاره ومن الزعماء السياسيين ان صياغة الدستور تسير على الطريق الصحيح. جاء ذلك خلال الاحتفال باحياء ذكرى شقيق الحكيم وسلفه في زعامة المجلس الذي اغتيل قبل عامين.

وخرجت الولايات المتحدة عن الصمت الذي التزمت به بشأن الدستور العراقي بتصريحات جاءت على لسان سفيرها لدى العراق قال فيها انه لا يمكن السماح باي "حل وسط" فيما يتعلق بمبدأ المساواة في الحقوق للنساء والاقليات الدينية والعرقية.

جاء ذلك بمثابة تحذير للشيعة الذين تولوا السلطة في اعقاب الانتخابات التي اجريت في يناير كانون الثاني الماضي من ان واشنطن لن تقبل نظاما للحكم يسيطر عليه رجال الدين مثل ايران المجاورة.

وقال السفير الامريكي زالماي خليل زاد في وقت متأخر يوم السبت "الولايات المتحدة تؤمن بشدة بأن الدستور العراقي يجب ان يوفر حقوقا متساوية أمام القانون لكل العراقيين بغض النظر عن النوع والعرق والدين والمذهب."

والتقى خليل زاد بالطالباني يوم الاحد لمناقشة العملية الدستورية قبل اجتماع الزعماء العراقيين.

وأحيت محادثات أجراها الجعفري يوم الجمعة مع آية الله علي السيستاني أكبر مرجع شيعي عراقي مخاوف السنة والاكراد من ان تتولى السلطة حكومة على النمط الايراني.

وقال ليث كبة المتحدث باسم الجعفري لدى سؤاله عن هذا الموضوع في مؤتمر صحفي اليوم ان المحادثات مع السيستاني ليست "سياسية" واكد ان الزعماء الدينيين الشيعة من حقهم التعبير عن ارائهم.

والولايات المتحدة التي يسود بينها وبين طهران خلاف منذ الثورة الاسلامية في عام 1979 تتخوف ايضا من النفوذ الايراني.

غير انها في السابق حدت من تعليقاتها العلنية على الدستور حتى لا تظهر بمظهر من يسيطر على العملية التي تأمل ان تكسر شوكة المسلحين وتضفي الشرعية على الحكومة العراقية وتقويها بما يسمح لها بالبدء في سحب قواتها بعد انتخابات جديدة تجرى بحلول نهاية العام.

وعبر الجعفري والسيستاني اللذان نادرا ما يظهران علنا عن دعمهما الحذر لنوع من التركيبة الفيدرالية للدولة الجديدة وهي قضية تقلق بعض السنة الذين يخشون التجاوز من قبل الاكراد على المدن الشمالية والحقول النفطية المحيطة بها وسيطرة الشيعة على الحقول الجنوبية.

ومن جهتهم اكد الاكراد تمسكهم بدستور يضمن لمنطقتهم الحكم الذاتي داخل دولة فيدرالية.

من جهته قال الرئيس العراقي جلال الطالباني يوم الاحد ان التحديد النهائي لمصير مدينة كركوك الشمالية المتنازع عليها بين القوى الكردية والعربية داخل لجنة كتابة الدستور سيتم ترحيله الى ما بعد اقرار الدستور العراقي الدائم.

وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الجمهورية ان الطالباني أكد خلال استقباله السفير الامريكي في بغداد زلماي خليل زاده يوم الأحد ان المطالب الكردية المطروحة الآن أمام لجنة كتابة الدستور العراقي "ليست جديدة وهي محددة في قانون ادارة الدولة ومؤتمر لندن والاتفاق الموقع بين قائمة الائتلاف العراقي الموحد والقائمة الكردستانية."

واضاف البيان ان الرئيس الطالباني اكد خلال اللقاء على ضرورة تطبيع الاوضاع فيها مدينة كركوك مشيرا الى ان "الحل النهائي ومصير كركوك سيكون بعد اقرار الدستور الدائم للعراق."

وتواجه القوى والكتل التي تشكل لجنة كتابة الدستور العراقية عددا من القضايا التي باتت تشكل منعطف الطريق بالنسبة الى مهمة كتابة الدستور.

وتعارض القوى السنية من خارج البرلمان العراقي التي انضمت الى لجنة كتابة الدستور مؤخرا مبدأ الفيدرالية بينما تعارض القوى العربية بشقيها السني والشيعي المطالب الكردية الداعية الى ضم مدينة كركوك الى الاقليم الكردي في شمال العراق.

وذكر البيان ان الطالباني أعلن ان اجتماعا موسعا يضم أطرافا كثيرة من داخل الجمعية الوطنية ومن خارجها يجري الاعداد له سيعقد خلال الايام القليلة المقبلة سيتم فيه مناقشة جميع الاشكالات العالقة التي تواجه لجنة كتابة الدستور.

من جهته قال رئيس الاقليم الكردي مسعود البرزاني أمام البرلمان الكردي في اربيل عاصمة المنطقة الواقعة بشمال العراق والمتمتعة بالحكم الذاتي انه يتعين على الاكراد التحلي بالمرونة في المفاوضات ولكن هذا لا يعني بالضرورة المساومة على مطالبهم.

وتابع البرزاني ان الجدل مازال قائما بشأن بعض النقاط الاساسية مثل هوية العراق وحدود كردستان ومستقبل الميليشيا الكردية (البشمركة) واقتسام الموارد الطبيعية.

ويعتبر دور الشريعة الاسلامية وهوية العراق والسيطرة على حقول النفط في الشمال القضايا الرئيسية للمفاوضين الاكراد.

وقال السياسي الكردي غفور مخموري أمام جلسة البرلمان ان كل ما قدمه الاكراد للجنة من مطالب هي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها. واضاف ان الاكراد لن يتنازلوا بشأنها لانها الحد الادني لحقوقهم.

وتمثل الفيدرالية وكيفية اقتسام الموارد في دولة فيدرالية عقبة رئيسية. ويريد الاكراد الذين يتمتعون بحكم ذاتي واسع منذ أن صدت الطائرات الامريكية قوات صدام حسين عام 1991 تعريفا دقيقا يمد سلطاتهم التي اكتسبوها الى مناطق أخرى بالعراق.

ويوافق الشيعة بصفة عامة على المفهوم ولكنهم يريدون تفسيرا فضفاضا بشكل أكبر. ولكن العرب السنة الذين كانوا يوما القوة المهيمنة تحت حكم صدام حسين يعارضون بقوة رؤية الاكراد لدولة فيدرالية بشكل واضح ويعتبرون ذلك مقدمة لتفكك العراق.

كما يخشون فقدان السيطرة على حقول النفط بشمال العراق وحول مدينة كركوك لحساب الاكراد.

ويعتبر دور الاسلام من النقاط المثيرة للجدل. ويدفع الشيعة وهم القوة المسيطرة في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 من أجل اعتبار الشريعة الاسلامية "المصدر الرئيسي" للتشريع وتسمية الدولة "الجمهورية الاسلامية" في تقليد لايران المجاورة ذات الاغلبية الشيعية.

ولكن القادة الاكراد بخلفيتهم العلمانية القوية وأحزاب أخرى علمانية ومنظمات نسائية يعارضون التأكيد على دور الاسلام.

وقال بارزاني خلال الاجتماع الطارىء للبرلمان الكردستاني الذي عقد اليوم السبت ان "لا مساومة على الحقوق الاساسية للشعب الكردي". واضاف مخاطبا اعضاء البرلمان الكردستاني في الجلسة الطارئة التي عقدت في اربيل (350 كلم شمال بغداد) "نحن نخطو خطوات مصيرية وسيتقرر مصيرنا في هذا الدستور". وتابع "راينا من الضروري قبل الذهاب الى بغداد يوم غد للمشاركة في اجتماع القيادات السياسية العراقية بما يتعلق بالدستور العراقي القادم ان نؤكد ان لا مساومة على الحقوق المتعلقة بشعب كردستان وهذه الحقوق هي ليست للشعب الكردي انما هي لجميع العراقيين".

ووصف بارزاني مرحلة كتابة الدستور ب"الفرصة الذهبية" لكنه قال "ان الفرصة ستضيع اذا لم نقم بما هو ضروري". واشار الى ان هناك نقاطا مهمة منها "هوية العراق والحدود الجغرافية لكردستان وقضية البشمركة والموارد الطبيعية والمادة 58". وطلب ان يشارك معه في هذه المناقشات التي ستجري في بغداد وفد من البرلمان الكردي وكذلك الاحزاب السياسية الكردستانية.

وأكد ان القرار النهائي سيتخذ في البرلمان الكردي وطلب من اعضاء البرلمان ان يكونوا على استعداد لعقد جلسة اخرى طارئة في الايام القادمة بعد انتهاء المناقشات في بغداد.

وشدد بارزاني على ان الاكراد لن يقبلوا بان تكون هوية العراق اسلامية وقال "نحن نحترم كافة الاديان وبالاخص الدين الاسلامي لكونه دين الاغلبية ولكن لن نقبل بفرض هوية اسلامية على العراق". وانتقد الدعوات التي تطالب بان يكون العراق جزءا من الامة العربية.

وقال "ليكن الجزء العربي من العراق جزءا من الامة العربية ولكننا لسنا جزءا.. من الامة العربية". واضاف انه "ليس مع تأجيل الدستور لان الاوضاع ستسير نحو الاسوأ (..) قانونيا لدينا الحق في الرفض اذا لم يضمن كافة حقوقنا".

وشدد اخيرا على ان الاكراد الان شركاء في الوطن وفي اعادة بنائه قائلا "اذا كانوا يريدون منا المشاركة في بناء العراق فيجب تامين كافة حقوق شعبنا ويجب ان يعلموا بأننا لسنا قوة معارضة وانما نحن شركاء في هذا الوطن".

واستمرت الجلسة الطارئة التي عقدها البرلمان الكردستاني في اربيل ساعتين ونصف الساعة في حضور كافة اعضاء البرلمان (111 عضوا). وعقدت الجلسة عشية اللقاء المقرر في بغداد للقادة السياسيين العراقيين في محاولة لتذليل العقبات والخلافات حول نص الدستور الجديد.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 8/ اب/2005 - 2/ رجب/1426