بون ـ محمد محبوب: أقام المركز العراقي الألماني بالتعاون مع جامعة
بون الألمانية حلقته الدراسية الثانية حول مشروع الدستور العراقي حيث
أستضاف الدكتور فرانك شوركوبف أستاذ مادة القانون العام في محاضرة حول
التجربة الألمانية في إعداد الدستور ومعالجة آثار النازية وبناء الدولة
والنظام الديمقراطي فضلا عن الحالة العراقية موضوع البحث.
وفي بداية هذه الحلقة الدراسية التي أدارها الدكتور فرنسيس قليته
عضو مجلس إدارة المركز العراقي الألماني قدم الدكتور فرانك شوركوبف
عرضا تأريخيا للظروف التي عاشتها ألمانيا منذ العام 1945( نهاية الحرب
) وحتى العام 1949 حيث تم إعادة تأسيس الدولة الألمانية بعد أربعة
أعوام من الإدارة الأجنبية للبلاد مؤكدا على الظروف التي أحاطت بإعداد
الدستور الألماني حيث يقول:
إعداد الدستور عملية لم تكن جديدة على الألمان الذين يمتلكون تاريخا
طويلا مع الدولة والدولة والديمقراطية وكذلك مع النظام الفدرالي
ولاسيما تجربة جمهورية فايمار مطلع القرن الماضي والتي مثلت مصدر ألهام
لكتبة الدستور الذين بدأوا عملهم عام 1948 في مدينة فرانكفورت حيث
أعدوا ما سمي بوثيقة فرانكفورت ثم تم أقرار الدستور بصيغته النهائية
عام 1949 في مدينة بون الألمانية التي صارت عاصمة للدولة الجديدة.
ويصف الدكتور شوركوبف النظام الفدرالي في ألمانيا إذ يقول:
الفدرالية هي نظام إداري للحكم المحلي وتوزيع السلطات داخل الدولة
الواحدة بما يضمن الحد من خطورة مركزية السلطة التي قد تنتج لنا
دكتاتوريات مدمرة كما حدث في ألمانيا وكذلك العراق , والفدرالية مفهوم
واسع تبدأ من الحكم الذاتي وقد تصل حد الكونفدرالية التي تتشكل من
إتحاد دول فيما بينها , والفدرالية الألمانية هي خليط من كل ذلك فهي
تعكس وحدة ألمانيا بإتجاه الخارج وتنوعها بإتجاه الداخل , الولايات
الألمانية الستة عشر تتمتع بصلاحيات واسعة تصل أحيانا حد صلاحيات
الدولة المستقلة في تسيير شؤونها الذاتية وإصدار تشريعات خاصة بها وعقد
إتفاقات مع دول أجنبية , غير إن كل ذلك يتم في إطار الدستور الإتحادي
الذي ينظم العلاقة بين الحكومة الإتحادية وحكومات الولايات الستة عشر.
ويضيف الدكتور شوركوبف إن الدستورالألماني يعتمد نظام المجلسين
التشريعيين ( البرلمان الإتحادي) و ( مجلس الولايات ) بهدف توفير عدالة
في التمثيل النيابي وضمان مشاركة ممثلي الولايات الستة عشر كافة في
إقتراح وإقرار التشريعات , هذا فضلا عن وجود ستة عشر برلمان محلي الأمر
الذي يوفر مساحة واسعة للعمل السياسي ويجعل التشريعات تمر بقنوات عديدة
لتمحيصها وصقلها قبل أن يتم أقرارها.وفي مجال السلطة القضائية يقول
الدكتور شوركوبف: تتوفر ذات الأمكانيات حيث يتمتع الجهاز القضائي
بإستقلالية في كل ولاية من خلال وجود محكمة عليا للولاية ( محكمة تمييز
) تتولى البت في القرارات التي تصدرها محاكم الولاية دون الرجوع الى
محكمة عليا مركزية ( محكمة تمييز ) ولهذ نلاحظ أحيانا تفاوت في قرارات
المحاكم من ولاية الى أخرى , مؤكدا على أهمية وجود المحكمة الدستورية
وهي محكمة إتحادية مهمتها حماية الدستور الإتحادي من أي خروقات فضلا عن
البت في المنازعات بين الحكومة الإتحادية وحكومات المحلية وكذلك شكاوي
المواطنين الناشئة عن خرق الدستور والقوانين الإتحادية.
ويؤكد إن النية تتجه حاليا لمنح الولايات مزيدا من الصلاحيات في
تسيير شؤونها المحلية والتنسيق والتعاون فيما بينها بما في ذلك منح
برلماناتها مساحه أوسع في إصدار التشريعات علما إن مجلس الولايات
المتكون من ممثلي الولايات الستة عشر بواقع 3 الى 6 عضو لكل ولاية
ووفقا لكثافتها السكانيه يمتلك حق النقض على قرارات البرلمان الإتحادي
الذي ينتخب من قبل الشعب الألماني لمدة أربعة أعوام.
ويجري إنتخاب أعضاء البرلمان الإتحادي في إنتخابات عامة مباشرة حرة
وسرية ويجوز لهم تشكيل كتل برلمانية تبعا لإنتمائهم الحزبي ولكن حتى لو
أستقال عضو البرلمان من حزبه فأنه يحتفظ بمقعده البرلماني وهنا تبرز
بجلاء إستقلالية النواب عن الأحزاب أو الكتل البرلمانية التي ينتمون
أليها , أما مجلس الولايات الألماني فأن أعضاءه غير منتخبين وأنما
ترشحهم حكومات الولايات ليعكسوا مصالح ولاياتهم وحكوماتهم وذلك خلافا
لنظام مجلس الشيوخ المعتمد في بعض الدول الإتحادية مثل الولايات
المتحدة وسويسرا حيث يجري إنتخابهم عن طريق الشعب.
ويقول تقوم طريقة إنتخاب أعضاء البرلمان الإتحادي الألماني على حق
الإنتخاب الشخصي والنسبي , فلكل ناخب صوتان ينتخب بالصوت الأول أحد
المرشحين في دائرته الإنتخابية وينتخب بالصوت الثاني قائمة إنتخابية
واحدة ( حزب أو تكتل ) , وإذا مافازت أحد القوائم بمقاعد تزيد عن حصتها
من مجموع الأصوات ( النسبي ) , يحق للقائمة الأحتفاظ بالمقاعدة الزائدة
, وفي مثل هذه الحالات يتألف البرلمان من عدد نواب يزيد عن العدد
المحدد قانونيا والبالغ 656 نائبا ولذلك يبلغ عدد أعضاءه حاليا 672
نائبا.
ويوضح الدكتور شوركوبف موضوع توزيع السلطات حيث يقول إن الحكومة
الإتحادية تسيطر على قطاعات الخارجية والدفاع والمالية وبعض الدوائر
الإتحادية , بينما تظل قطاعات الخدمات مثل الصحة والأمن والتعليم
والثقافة والطاقة وغيرها من إختصاص حكومات الولايات , ويجري تقاسم
الإيراد الضريبي بنسبة 50 بالمائة بين الحكومة الإتحادية وحكومات
الولايات علما إن الأولى تمول الكثير من المشاريع الإتحادية في
الولايات نفسها في العديد من المجالات.
وبصدد معالجة آثار الدكتاتورية والنازية في المجتمع الألماني بعد
الحرب يقول الدكتور شوركوبف: هذه قضيه مهمة بالنسبة لكم في العراق في
التعامل مع بقايا حزب البعث والدكتاتورية , وقد شغلت هذه القضية
الألمان لوقت طويل ( 1995 ـ 1949 ) حيث جرى تقسيم أعضاء الحزب النازي
الى خمسة أقسام وهما الأول: قيادات وكبار أعضاء الحزب النازي الذين تمت
محاكمتهم في محكمة نورنبيرغ الخاصة وعددهم700 عضوا قياديا.
الثاني: كوادر الحزب الوسطى والمسؤولين في إدارات الدولة وضباط
الجيش وهم بضعة آلاف.
الثالث: أعضاء الحزب العاديين.
الرابع: صغار الحزبيين المتورطين.
الخامس: المغرربهم.
وتمثل الأقسام الثلاثة الأخيرة الغالبية العظمى وبلغوا أكثر من
عشرين مليونا.
وقد تباينت الأجراءات المتخذة ضد هؤلاء المتهمين في حينها وفقا
لدولة الإحتلال حيث كان الأمريكان الأكثر تشددا في هذه الإجراءات
فأصروا على محاكمة كل واحد من هؤلاء المتهمين كحالة واحدة فعقدت الكثير
من المحاكمات والتي أخذت وقتا طويلا وبلغ الإستجواب في بعض الأحيان 6
مليون سؤال للحالة الواحدة , أما البريطانيون والفرنسيون فأبدوا مرونة
في الموضوع ولاسيما مع أعضاء الحزب النازي من الأقسام الثلاث الأخيرة
وهم الغالبية العظمى.
وذكر الدكتور شوركوبف بعض الإحصاءات حيث تم إعدام معظم قيادات الحزب
النازي من خلال محكمة نورنبرغ الخاصة , وتم سجن 9 ألاف عضو بأحكام
متباينة وحرمان 29 ألف عضو من العمل في الدولة وفرض غرامات على 500 ألف
عضو آخر.
أما بصدد العلاقة بين الدين والدولة فأكد الدكتور شوركوبف إن هناك
فصلا تاما في العلاقة بين الطرفين , الدولة مؤسسة محايدة تقدم خدمات
لجميع المواطنيين دون تمميز ولذا فهي لاتتبنى دينا محددا على حساب دين
آخر بل هي تضمن للأديان حريتها في ممارسة طقوسها ونشاطاتها , والأكثر
من ذلك إن الدولة تحصل ضرائب لصالح الكنائس.
كما شارك في هذه الحلقة الدراسية نخبة من الأكاديميين والمثقفين
العراقيين حيث قدموا مداخلات ذات قيمة بحثية عالية ونظرا لإهميتها
سنقدم عرضا لمضامينها في تقرير لاحق. |