تأشيرة سفر للارهاب الأصولي

مازن الأشقر*

ربما تدار عجلة التاريخ إلى الخلف، رغم أننا نرى أن قاطرته تسير بأقصى سرعة لها ، هذا ما سطره الإرهاب الأصولي المتجدد في سجل التاريخ، إذ بنا نرى بصماته في كل مكان ، وملامح ظاهرته تتمدد لتصل عائدة من أوروبا وأمريكا إلى أماكن نشاطها الأول في الدول العربية/الإسلامية، فبعد هجرة الإرهاب الأصولي من الرياض و القاهرة إلى نيويورك ولندن يعود ليفجر نفسه بعنف أكبر في الرياض ثم شرم الشيخ.

بعيداً عن إخضاع تفسير النشاط الإرهابي الأصولي للتوجهات الأيديولوجية والسياسية، والتي تجعلنا نرى هذا النشاط بمنظارين:

أولاهما: أن هذا النشاط الأصولي نتاج إرهاب وإرهاب مضاد، بمعنى أن هناك حرب أصولية صليبية ضد الإسلام، وثانيهما: أنه نتاج الليبرالية الأمريكية/ الأوروبية، والتي سمحت لنمو وتطور الإرهاب الأصولي دون قيود، وبعيدا ٌعن الخوض في معترك مصطلح الإرهاب والذي لا يفضي إلا إلى إسدال صفة إرهاب (عنف) محموم وإيجابي أو إسدال صفة إرهاب مذموم وسلبي،

وأخيرا بعيداُ عن التنشئة والميلاد الحقيقي للإرهاب الأصولي سواء في بلاد غربية/أوروبية أم عربية/إسلامية، أي: من رحم الليبرالية السياسية أو من رحم السلطوية السياسية.

والآن بمعزل عن القضايا الثلاث السابق ذكرها، دعونا نقوم بتفسير الإرهاب الأصولي، والوقوف على أهم أسبابه في محاولة للتنبؤ بمستقبله.

بعد حصول الإرهاب الأصولي على جواز سفر أمريكي/أوروبي، تمرد وخرج عن الخط السياسي المرسوم له مسبقاُ آبان الثورة المضادة للشيوعية في العالم وخاصة في البلاد العربية/الإسلامية، وأصبح ينفث سمومه في كل مكان، تارة في دول عربية وتارة آخرى في دول غربية، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية بهجرة مضادة تحت طائلة الحرب على الإرهاب، مبتدئة من جحور أفغانستان، مما أخرج الإرهاب الأصولي عن منظومته السياسية في تخبط وهيجان مرتكباُ لأفضع العمليات الإرهابية والدموية هنا وهناك دون أدنى مبالاة بضحاياه، مدنيين كانوا أو عسكريين، عرب أو غربيين، فقط جل اهتمامه إثبات هويته وتجسيد شخصيته بوسيلة واحدة فقط هي العنف الدموي،

فسواء تطايرت الأشلاء في البلاد الأوربية أم البلاد العربية هي فقط أشلاء ضحايا.

هذا يعيد بنا الذاكرة إلى بدايات الثورة الفلسطينية عندما خرجت عن مسارها من الصراع ضد إسرائيل إلى الصراع ضد أوروبا مستصدرة لجواز سفر يؤكد هويتها ، وتخبطت بخطف الطائرات وتفجيرها، وإعدام الرهائن المدنيين، إلى أنها تلمست الطريق بسرعة مستعيدة الصراع مع إسرائيل، بغض النظر عن وسائل الصراع، وسائل عنف ومقاومة أو وسائل مفاوضات وسلام.

ربما لو استطعنا جدلاُ إسقاط النموذج الفلسطيني للثورة على الأصولية الإسلامية للإرهاب لعلمنا أن الإرهاب الأصولي على وشك انتهاء صلاحية جواز سفره وعودته إلى موطأ رأسه، ليحاول جاهداٌ تجسيد حركات سياسية ذات نزعات أصولية تسعى نحو الحصول على نصيبها من الإدارة والسلطة السياسية في البلاد العربية، ولا يتأتى لها ذلك إلا من خلال اللعبة الديمقراطية التي حرمت منها دوماٌ، وبالتالي سُيعاد تقسيم الكعكة في الدول العربية، وستلعب أمريكا وأوروبا دور الوسيط الحكم بين الحركات الأصولية والأنظمة العربية.

*ناشط فلسطيني في حقوق الانسان

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 28/ تموز/2005 - 20/ جمادى الأولى/1426