لا
زال الأخ أبو مصعب الزرقاوي حامي حمى العروبة والإسلام والبوابة
الشرقية للأمة العربية يتحفنا بدرره العلمية والأخلاقية فضلا عن تلك
الجهادية التي أصبحنا نعرفها جيدا.
الأخ أبو مصعب ورغم انشغاله بالمسلخ البشري الذي نصبه في العراق لم
ينصرف عن واجبه في تنوير الأمة وتعريفها بما غاب عن وعيها من علم
ومعرفة!!.
من بين تلك الدرر وصفه للشيعة في بياناته التاريخية بالعلقميين!
فما هي حكاية العلقميين هذه؟؟!!.
يزعم المؤرخ الكبير أبو مصعب الزرقاوي أن الوزير مؤيد الدين ابن
العلقمي وكان من الشيعة هو من قام بتسليم مفاتيح بغداد للغزاة المغول
وبالتالي فالرجل ومن ثم الشيعة أجمعون من يومها إلى يوم الدين هم
المسئولون عن كارثة سقوط بغداد فضلا عن نكسة يونيو حزيران عام 1967.
ولو أن الرجل توقف برهة عن سفك الدماء وكلف خاطره قراءة التاريخ
لعلم أن بغداد لم تسقط في يد التتار منذ اللحظة الأولى حيث حاول البعض
ومن بينهم ابن العلقمي منع هذا السقوط المحتوم ولكنها سقطت بعد ذلك
بسبب الفساد والتفكك اللذين عانى ولا زال يعاني منهما عالمنا الإسلامي
المريض حيث يروي ابن أبي الحديد وكان معاصرا لتلك الكارثة (وكان مدبر
أمر الدولة والوزارة في هذا الوقت هو الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد
العلقمي ولم يحضر الحرب "أي أنه لم يكن قائدا للجيش" بل كان ملازما
ديوان الخلافة يمد العسكر الإسلامي من آرائه وتدبيراته بما ينتهون إليه
ويقفون عنده فحملت التتار على عسكر بغداد حملات متتابعة ظنوا أن واحدة
منها تهزمهم لأنهم قد اعتادوا أن لا يقف عسكر من العساكر بين أيديهم
فثبت الله لهم عسكر بغداد مما اضطر التتار للانسحاب من حولها).
أما السبب الحقيقي في الهجمة التترية على العالم الإسلامي الذي
يجهله المؤرخ الزرقاوي فكان حمق بعض حكام المسلمين وطغيانهم ويكفي أن
نورد شهادة المؤرخ المصري المعاصر الدكتور يوسف زيدان الذي نقل عن ابن
الأثير في حوادث سنة 617 هجرية ما نصه (فإن هؤلاء التتر إنما استقام
لهم الأمرُ لعدم المانع وسبب عدمه أن محمد خوارزمشاه كان قد استولى على
البلاد وقتل ملوكها وأفناهم، وبقى هو وحده سلطان البلاد جميعها فلما
انهزم من التتر لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها).
لا فارق بينه وبين حامي حمى البوابة الشرقية للأمة العربية سيئ
الذكر التكريتي!!.
ويكمل الدكتور زيدان فيقول (دفعتني هذه الملاحظة إلى التأمل فيما
كان من أمر محمد خوارزمشاه ، فوجدته حاكماً عربياً شديد المعاصرة! كان
خوارزمشاه قد ملك المنطقة الممتدة من فرغانة إلى بحر آرال ومن نهر
سيحون (سرداريا) إلى أفغانستان وهى منطقة واسعةٌ تستغرق الرحلة فيها
اليوم بالطائرات ساعاتٍ. ومع ذلك دفعه الطيش وسطوة السلطة إلى
الاستيلاء على بغداد فأرسل لها جيشاً سيطر أولاً على همذان ثم انطلق
منها قاصداً بغداد .. وفى كردستان هبت عاصفة ثلجيَّة شديدةٌ فبدَّدت
شمل الجيش وقتلت الألوف، وتخطف الأكراد ما تبقى من فلول الجيش فلم يعد
منهم إلى خوارزم إلا عدد قليل ولم يهدأ محمد خوارزمشاه بعد هذه الواقعة
وإنما واصل رعونته وأحلامه التوسعيَّة، ونجح في استفزاز أقوى قوة
عسكريَّة في العالم آنذاك جنكيز خان.. بدأ الأمر باتصالٍ بينهما
وتبادلِ سفاراتٍ وإبداء الرغبة في التعاون بين البلدين المملكة
الخوارزميَّة والدولة المغوليَّة التي كان جنكيز خان قد أقامها على
أنقاض إمبراطوريَّة الصين التي احتلها وكان خوارزمشاه يحلم بامتلاكها
وبدأ النشاط التجاري بين الدولتين بقافلةٍ أرسلها جنكيز خان مع هدايا
لخوارزمشاه ورسالة تقول ضمن كلمات تودُّد: إنه لا يخفى علىَّ عظيم شأنك
وما بلغت من سلطان وإني أرى مسالمتك من جملة الواجبات وأنت عندي مثل
أعز أولادي. ولا يخفى عليك أيضاً أنني ملكت الصين وما يليها من بلاد
الترك وقد خضعت لي قبائلهم.. فإن رأيت أن تهيِّئ للتجار في الجهتين
سبيل التردُّد والحركة عمَّت المنافع وشملت الفوائد.
واعتقد خوارزمشاه أن جنكيزخان أهانه! لأنه وصفه بأنه (مثل أعز
أولادي) فأرسل لحاكم مدينة (أوترار) الواقعة على الحدود بينهما بأن يتم
الاستيلاء على القافلة التجاريَّة التي بادر جنكيزخان بإرسالها وتُباعَ
حمولتُها (خمسمائة جمل تحمل سلعاً تجارية) ويُرسل المال إلى خوارزمشاه!
بل أكثر من ذلك ، يقتل جميع أفراد القافلة .. فقتلوا جميعاً (كانوا 450
رجلاً ، كلهم من المسلمين).
وبالطبع استشاط جنكيزخان غضباً ولم يصدق أن خوارزمشاه يفعل ذلك،
فأرسل له سفارةً مؤلَّفَه من ثلاثة رجال أحدهما مسلم والآخران
مغوليَّان ومعهم خطاب احتجاج على ما جرى من الغدر بالقافلة فما كان من
خوارزمشاه إلا أن قتل المبعوث المسلم ، وحلق لحية زميليه المغوليين
إمعاناً في إذلالهما .
وهكذا اندفع جنكيزخان بجيوشه ليجتاح مشرق العالم الإسلامي وانتقم
لكرامته بقتل كل ما كان حيّاً في البلاد التي صادفته الناس الحيوان
الشجر ومات مئات الألوف من المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً ، أما
خوارزمشاه نفسه .. فقد هرب!!.
هذا هو تاريخنا الذي لم يقرأه أحد اكتفاء بقصة وا إسلاماه وتحميل
الوزير العلقمي مأساة احتلال بغداد فضلا عن تحميل الصول إسماعيل مأساة
نكبة يونيو 1967.
المسلمون والصراعات الطائفية والغزو المغولي:
يحكي لنا ابن أبي الحديد واقعة أخرى عن الطريقة التي تصرف ولا يزال
المسلمون يتصرفون بها في عصور الانحطاط فيقول (ولم يبق للتتار إلا
أصفهان حيث نزلوا عليها مرارا سنة 633هـ فحاربهم أهلها وقتل من
الفريقين مقتلة عظيمة ولم يبلغوا منها غرضا حتى اختلف أهل أصفهان على
طائفتين حنفية وشافعية وبينهم حروب متواصلة فخرج قوم من الشافعية إلى
من يجاورهم من ملوك التتار فقالوا لهم اقصدوا البلد حتى نسلمه إليكم
فأرسل إليهم جيوشا والصراع على أشده بين الأحناف والشوافع وفتح
الشافعية أبواب المدينة على عهد بينهم وبين التتار أن يقتلوا الحنفية
ويعفوا عن الشافعية فلما دخلوا المدينة بدءوا بالشافعية فقتلوهم قتلا
ذريعا ولم يقفوا مع العهد الذي عاهدوه ثم قتلوا الحنفية ثم قتلوا سائر
الناس وسبوا النساء وشقوا بطون الحبالى ونهبوا الأموال وصادروا
الأغنياء ثم أضرموا النار في أصفهان حتى صارت تلا من الرماد).
التتار يحكمون مصر!!.
الذي لا يعرفه الكثيرون أيضا أن التتار قد حكموا مصر بالفعل وأن
(الملك العادل زين الدين كتبغا) الذي تسلطن على عرش مصر سنة 693 هـ كان
جنديا في جيش هولاكو أسر في واقعة عين جالوت ثم دارت به وبنا الأيام
ليصبح هذا العبد التتري ملكا لمصر.
أما الأسوأ من هذا فهو التمادي في وصف المخالفين في المذهب والرأي
بتهم الخيانة والعمالة وتسليم مفاتيح بغداد لا لشيء سوى أنهم فعلوا
الممكن واجتهدوا في حقن دماء المسلمين الذين أسلمهم حكامهم للتتار وهو
ما لم يكن قاصرا على مسلمي البوابة الشرقية في بغداد بل هو نفس ما فعله
شيوخ دمشق ومن بينهم ابن تيميه.
ففي العام 698 هـ غزا التتار بلاد الشام على عهد السلطان محمد بن
قلاوون حيث كان كثير من قيادات الجيش المملوكي المصري أو (الغز) من
التتر المتعاونين مع عدوهم غازان ملك التتار آنئذ وهزم الجيش المصري
يومها وكاد التتار يدخلون دمشق والعهدة على ابن تغري بردي (لما بلغ أهل
دمشق كسرة السلطان عظم الضجيج والبكاء وخرجت المخدرات حاسرات لا يعرفن
أين يذهبن والأطفال بأيديهن وصار كل واحد في شغل عن صاحبه إلى أن ورد
الخبر أن ملك التتار قازان مسلم وأن غالب جيشه على ملة الإسلام وأنهم
لم يتبعوا المهزومين وبعد انفصال الوقعة لم يقتلوا أحدا ممن وجدوه
وإنما يأخذون سلاحه ومركوبه ويطلقونه فسكن بذلك روع أهل دمشق قليلا
فاجتمعوا وتشاوروا وأرسلوا وفدا يطلب الأمان من قازان حيث حضر الوفد من
الفقهاء قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة خطيب جامع دمشق والشيخ زين
الدين الفارقي والشيخ تقي الدين ابن تيميه وقاضي قضاة دمشق نجم الدين
ابن صصري والصاحب فخر الدين بن الشيرجي وغيرهم).
لا حاجة بنا أن نوغل في التفاصيل المتعلقة بتلك التهمة الافتراء عن
خيانات ابن العلقمي المزعومة ويكفينا شهادة ابن الأثير عن السبب
المباشر لاجتياح التتار للعالم الإسلامي وكل ما يمكننا قوله أن
الزرقاويين يصرون على مواصلة التصرف على طريقة المتحاربين من أهل
أصفهان مما أدى في النهاية إلى هلاكهم وهلاك مدينتهم ولا شك أن ما
يفعله هؤلاء من تأجيج نيران الصراعات الطائفية سيقودنا جميعا إلى مصير
مشابه على الطريقة الأصفهانية. |