ندوة لمركز الحوار عن الليبرالية العربية: الليبراليون الجدد الذراع الخفي للمحافظين الجدد!

نظم "مركز الحوار العربي" في واشنطن ندوة عن الليبرالية الجديدة وما الذي تعنيه بالنسبة للمطالب العربية بالتحول الديمقراطي والإصلاح، تحدث فيها الدكتور رشدي سعيد العالم المصري الأمريكي الذي بلغ عمره خمسة وثمانين عاما حيث عاصر خلالها تطور كثير من الحركات السياسية العربية والدولية.

في بداية الندوة شرح الدكتور رشدي سعيد أهم سمات الليبرالية التقليدية كما ناضل من أجلها جيله في أعقاب الحرب العالمية الثانية فقال إنها استندت إلى مبدأين أساسيين:

أولا: تحرير الفرد من القيود التي كانت تحدد حقوقه وواجباته طبقا لموقعه في المجتمع الأبوي والطبقي، وتحريره من تسلط رجال الدين على المجتمع وذلك بانتهاج مبدأ فصل الدين عن الدولة، وإتاحة الفرص المتكافئة أمام كل المواطنين للتقدم على أساس طاقة كل منهم. وقال الدكتور رشدي إن الولايات المتحدة كانت سباقة في تطبيق الفكر الليبرالي الذي شكل أحد الأعمدة الرئيسية لتوجهات كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وفي عهد الرئيس ليندون جونسون في سبعينيات القرن العشرين اكتسى النظام الرأسمالي وجها إنسانيا عندما تم تمرير عدد من القوانين التي استهدفت بناء ما سمي بالمجتمع العظيم والتي كان من بينها الحقوق المدنية للملونين والبرامج الاجتماعية للرعاية الصحية للفقراء والمسنين.

 وفي إطار استناد الليبرالية إلى ضرورة التأكيد على حرية الفرد، رفض المجتمع الأمريكي التجاوزات التي قامت بها أجهزة الأمن والتجسس بإيعاز من السناتور ماكارثي في خمسينيات القرن العشرين لملاحقة كبار المفكرين والعلماء بحجة انتمائهم إلى اليسار، وسرعان ما شكل الكونجرس الأمريكي لجنة للتحقيق حدت من تدخل السلطات الأمنية في الحياة الشخصية للأمريكيين.

ثانيا: مبدأ نبذ الحرب كوسيلة لحل النزاعات، والعمل على الحفاظ على السلم العالمي وكان إنشاء منظمة الأمم المتحدة أحد أهم الأدوات التي اعتقد الليبراليون بأهميتها كمنبر دولي لتسوية النزاعات التي يمكن أن تؤدي إلى نشوب الحروب.

وقال الدكتور رشدي سعيد في ندوته بمركز الحوار إن تيار الفكر الليبرالي كان أحد أهم التيارات السياسية التي شكلت النظام العالمي على مدى العقود الثلاثة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا الغربية خاصة عندما تولى الحكم فيها أحزاب يسار الوسط حيث شهدت أوروبا سنوات طويلة من الرخاء والسلام الاجتماعي الذي توطد بفضل توفير خدمات التعليم المجاني وضمان التأمين الصحي وتأمين الحياة الكريمة للمسنين والمهمشين في المجتمع، وأيضا تم تثبيت حقوق الفرد الأساسية في القوانين وعمت سيادة القانون واستقلالية القضاء.

وانتقل الدكتور رشدي سعيد بعد ذلك إلى الحديث عن نوع آخر من الليبرالية أسماه الليبرالية الجديدة التي ظهرت مع سقوط الاتحاد السوفييتي في أواخر الثمانينات من القرن العشرين ببزوغ نظام عالمي جديد أصبحت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم وأصبح لها الغلبة الاقتصادية باتساع نفوذ الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي امتد نشاطها الاقتصادي في أنحاء العالم عن طريق عمليات الخصخصة التي فرضت على كثير من دول العالم. وأعرب الدكتور سعيد عن اعتقاده بأن تنامي تسلل التيار الديني إلى السياسة واكب ظهور النظام العالمي الجديد وقال إن الحزب الجمهوري كان أول من سارع للاستفادة من ذلك التوجه لبناء قاعدة أعرض له من الأنصار والمؤيدين مما نأى بالحزب رويداً رويداً عن المبادئ الليبرالية فرفع الحزب شعارات جديدة ضد الإجهاض وحقوق المثليين جنسياً، وتراجعت في برامج الحزب القضايا التي تخص الفقر أو حقوق الإنسان. ومع تعرض الولايات المتحدة لهجمات سبتمبر الإرهابية تمكن الجمهوريون من الضغط لتمرير حزمة من القوانين المقيدة للحريات الفردية وزيادة سلطة أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية في التصنت وملاحقة الأنشطة الفردية. وفي مثل تلك الأجواء تراجعت الحركة الليبرالية التقليدية في الولايات المتحدة حتى أصبحت كلمة ليبرالي وصمة تستخدم في النيل من الغرماء والمنافسين السياسيين.

وتطرق الدكتور رشدي سعيد بعد ذلك إلى محاولة تمرير أفكار الحزب الجمهوري واليمين المحافظ الأمريكي الجديد إلى العالم العربي من خلال من يصفون أنفسهم بالليبراليين الجدد في العالم العربي مستغلين في ذلك بريق كلمة الليبرالية، وتطلع الشعوب العربية إلى التحول نحو الديمقراطية والخلاص من نظم غير منتخبة وتتسم بالدكتاتورية. وقال إن دعاة الليبرالية الجدد في العالم العربي يعتنقون مبادئ تختلف تماما عن مبادئ الليبرالية التقليدية حيث تبنوا أفكارا وبرروا أعمالا لا تمت للتجربة الليبرالية بصلة ما دام القيام بها سيسهم في التحرك نحو هدف إحلال نظم ديمقراطية في الدول العربية تلحق بالعالم الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة وتعيش في سلام مع إسرائيل. واستشهد الدكتور رشدي سعيد بعدة أمثلة على غلو أفكار الليبراليين الجدد في العالم العربي فقال يكفي أنهم برروا العدوان الأمريكي على العراق في سبيل الخلاص من نظام صدام حسين الدكتاتوري ولا مانع لديهم من تكرار محاولات أخرى قد تقوم بها أمريكا لتغيير نظم عربية أخرى وبغض النظر عن كل التجاوزات التي قامت بها القوات الغازية سواء في مسألة حقوق الإنسان أو استخدام العقاب الجماعي في العراق.

ولفت الدكتور رشدي سعيد في ندوته بمركز الحوار النظر إلى أن الليبراليين الجدد في العالم العربي يربطون بين العدل الاجتماعي ودور الدولة المطلوب تدخلها من أجل توزيع أكثر عدالة للثروة القومية، وبين النظم الشمولية التي ثبت فشلها.

 وخلص إلى أنه لولا يقينه بحسن نية من يسمون أنفسهم بالليبراليين الجدد في العالم العربي وبحبهم لبلادهم ورغبتهم في تغيير أحوالها إلى ما هو أفضل لكان قد وصفهم بالذراع الخفية للمحافظين الجدد الذين يعتمدون على القوة وفرض أجندتهم على العالم بالحروب الاستباقية. وقال الدكتور رشدي سعيد إن مثقفي الدول العربية أبدوا انزعاجهم من ارتفاع أصوات دعاة الليبرالية الجديدة فأصدروا في شهر يونيو الماضي بيانا بعنوان "صرخة ضد التبسيط" نددوا فيه بتوجهات الليبراليين الجدد وأكدوا فيه على أن احترامهم للحضارة الغربية التي أفرزت المبادئ الليبرالية التي يؤمن بها المثقفون العرب، لا يعني موافقتهم على كل ما تقوم به حكومات غربية تستظل بتلك الحضارة ولكنها خرجت عن المبادئ الليبرالية وأصبح لها توجهات أصولية وبانتهاك حقوق الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية - الاربعاء 27/ تموز/2005 - 19/ جمادى الأولى/1426