الأصل في الأفعال الإباحة والاستثناء هو المنع وهذه القاعدة الفقهية
القانونية تعتبر من أهم القواعد التي محلا للاعتبار عند إصدار تشريع
معين ، لذلك فان الأصل في تعدد الزوجات بالنسبة للرجل الإباحة على وفق
أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء ، وبغض النظر عما يرد من انتقاد أو
اللجوء إلى تفسير يطابق التوجه للجهة صاحبة التفسير ، وهذا الأمر قد
أفاض فيه فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا لا مجال لذكره الآن . ومما
يستحق الذكر والإشارة إليه في هذا الصدد هو موقف القانون العراقي من
مسألة تعدد الزوجات وهل يجيز المشرع العراقي للرجل في الزواج بأكثر من
امرأة أي بمعنى أن تكون تحت ذمته أكثر من امرأة واحدة ، وبما إن الأمر
يتعلق بقضايا الأسرة والأحوال الشخصية للأفراد فقد نظم القانون العراقي
هذا الامر في أحكام الباب الأول من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة
1959 المعدل واحتوى هذا الباب في طياته عدة فصول وفي المواد (الثامنة –
الحادية عشرة) وفيه فصل أحكام عقد الزواج والخطبة وكيفية تسجيل العقد
والأهلية ومن خلال ملاحظة تلك النصوص لم أجد ما يشير إلى وجود نص يمنع
الرجل من الزواج بأكثر من امرأة وهذا يدل على إن الأصل هو إباحة تعدد
الزوجات انسجاماً مع أحكام الشريعة الإسلامية ، لكن توجد هناك بعض
الأحكام التي وردت على شكل قيود تعيق أحيانا إمكانية تعدد الزوجات
وسلبت الرجل حق الخيار والاختيار وممارسة ذلك الحق الشرعي والقانوني
ففي الفقرة (1) من المادة الثالثة ورد (بان الزواج هو عقد بين رجل
وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل) ، وفي
الفقرة (2) ذكر النص (يعتبر العقد ملزم لطرفيه حين انعقاده) بمعنى إن
شروط عقد الزواج متى ما توفرت وتم بالصيغة الشرعية يكون صحيحاً ومرتباً
لآثاره الشرعية والقانونية، ولا يعتبر تسجيله في المحكمة ركناً من
أركانه بل العقد صحيح حتى لو لم يسجل في المحكمة، لكن المشرع العراقي
رتب أثار قانونية يتعرض بموجبها الزوج إلى العقوبة التي تصل إلى حد
الحبس لمدة سنة واحدة إذا عقد الزواج خارج المحكمة على وفق أحكام
الفقرة (5) من المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة
1959 المعدل ، أما إذا كان الزوج قد عقد زواجه خارج المحكمة مع قيام
الزوجية أي بمعنى أن يتزوج بامرأة أخرى مع وجود زوجة أو أكثر تحت ذمته
فقد عدها المشرع جريمة يعاقب عليها القانون وغلظ العقوبة بالقياس مع
الذي يعقد زواجه خارج المحكمة ولم يكن متزوجاً في حينه وحدد لها
العقوبة التي لا تزيد على خمس سنوات ولا تقل عن ثلاث سنوات على وفق
الشق الأخير من أحكام الفقرة (5) من المادة العاشرة من قانون الأحوال
الشخصية . فهذا الأثر الأول الذي يترتب على قيام الرجل بممارسة حقه
الشرعي في تعدد الزوجات ، ومن الجدير بالذكر إن نص هذه الأحكام قد ورد
في القانون رقم 21 لسنة 1978 قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية
العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل . علماً إن القانون العراقي يعتبر من
بين أفضل القوانين في الوطن العربي لشمولية أحكامه والتوافقية التي
اتسم بها في الموائمة والملائمة بين الواقع الراهن والأحكام الشرعية
المستمدة من الشريعة الإسلامية .
أما الأثر الآخر الذي رتبه المشرع العراقي على ذلك الرجل الذي مارس
حقه في الزواج بامرأة أخرى فقد جرمه القانون مرة ثانية وجعل فعله مخالف
لأحكام القانون ورتب عليه اثر عقابي يتمثل بالحبس لمدة لا تزيد على سنة
على وفق أحكام الفقرة (6) من المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية
إلا أن هذه المادة لا تتحقق إلا إذا خالف ذلك الرجل حكم الفقرتين (5،4)
من المادة المذكورة التي أوجبت في الفقرة (4) أن يستحصل الرجل إذن
القاضي بالزواج من امرأة أخرى مع قيام الزوجية وما سار عليه القضاء
العراقي هو إبلاغ الزوجة الأولى بضرورة الحضور أمام المحكمة وإبداء
رأيها في الموافقة من عدمه فان وافقت سار القاضي في التحقق من شروط
البنود (ا،ب) من الفقرة (4) من المادة الثالثة من القانون وهو البحث عن
الكفاءة المالية للزوج في إعالة أكثر من زوجة وهذا أمر يتم بتقديمه كشف
بما لديه من أموال وموجودات وكذلك إذا كانت هناك خشية من عدم تمكنه من
العدل بين الزوجات فقد ترك المشرع ذلك الأمر إلى القضاء على وفق أحكام
الفقرة (5) من المادة الثالثة لكن عاد المشرع العراقي فاستثنى من ذلك
الأرملة المتوفى عنها زوجها فإذا ما رام احد الزواج من أرملة على الرغم
من قيام الزوجية من امرأة أخرى فلا عقاب عليه على وفق القرار 147 في
27/11/1982 الذي عدل نص البند (أ) من الفقرة 4 من المادة الثالثة،
علماً إن المشرع جعل من هذا الأمر سبباً من أسباب التفريق بمعنى إن
الزوجة الأولى أن تطلب التفريق لمجرد قيام الزوج بالزواج بأخرى على وفق
أحكام الفقرة (5) من المادة (الأربعون) من القانون إلا انه استثنى ذلك
فيما إذا لو حركت الزوجة الأولى الشكوى ضد الزوج على وفق أحكام الفقرة
(6) من المادة (الثالثة) فإذا طلبت التفريق فعلى المحكمة أن تفرق بينهم
وتهد الكيان الأسري لتلك العائلة مع إعفاء الزوج من المسائلة على وفق
أحكام الفقرة (6) من المادة الثالثة التي تصل عقوبتها إلى حد الحبس
لمدة سنة واحدة على أن يبقى خاضع للمسائلة القانونية ومواجهة احتمال
الحبس لمدة خمسة سنوات على وفق أحكام الفقرة (5) من المادة (العاشرة)
وهنا لابد من ملاحظة أمر مهم إن الزوجة لها طلب التفريق حين حدوث واقعة
الزواج الثاني وهذا من الأمور الخطيرة لان الزوجة تكون تحت تأثير ضغط
نفسي كبير قد يفقدها القدرة على اتخاذ القرار المناسب الذي قد تكون
عواقبه وخيمة ، لذلك فان القانون العراقي رتب أثرا مهماً يتعلق بتقييد
حرية إنسان وجعل ممارسته لنشاط إباحته الشريعة الإسلامية فعل مخالف
للقانون ووصل إلى حد تجريم ذلك الشخص وجعله في مرتبة المجرمين حتى إن
الحكم القضائي الصادر بحقه يعتبره مدان ويسجل في سجلات التسجيل الجنائي
وتكون له سابقة فإذا ارتكب فعلاً مخالفاً آخر فان ذلك الحكم سيكون محل
اعتبار في تغليظ العقوبة . لذلك فان هذا النص بحاجة الى إعادة نظر بما
ينسجم والوضع الراهن من حيث نسبة العوانس وما لها من اثر على الحياة
العامة للمجتمع بالإضافة إلى تقاطع تلك الأحكام والقيود مع أحكام
الشريعة الإسلامية السمحاء . ومن أهم ما يلاحظ على النص ما يلي :-
1. إن وضع القيود باتجاه منع تكوين الأسرة يعتبر من أهم مقومات تفشي
الرذيلة في الوسط الاجتماعي مع ملاحظة الآثار الاجتماعية المهمة التي
تقود إلى تفاقم نسبة العوانس في المجتمع العراقي .
2. إن الشروط التي أوجبها المشرع أراها غير ذات نفع أو منطق ففي
مطلق النص إن الزوجة الأولى حتى لو وافقت فان الأمر لا ينتهي بل يجب أن
يستحصل اذن القاضي وهذا يدعونا إلى الانتباه إلى أن الأمر لم يكن متوفر
لمصلحة الزوجة الأولى او الأسرة بل لغاية في ذهنية وإستراتيجية المشرع
في حينه كما ان ترك تقدير ذلك الى القاضي في أمور لا تتعلق بتطبيق او
تفسير النصوص القانونية او تكيف الواقعة مع الأحكام هو أمر خارج مهمات
القضاء حيث إن الأمر يتعلق بسلوكيات وقناعات الأفراد مع الأخذ بنظر
الاعتبار إن القاضي ابن المجتمع يؤثر ويتأثر بسلوكياته ومعتقداته مما
قد ينعكس سلباً باتجاه لا يخدم ولا ينسجم مع مسيرة المجتمع تجاه
التوافق والانسجام .
3. هذه السلطة التقديرية للقاضي تدور ضمن توفر شرطين مهمين الأول
يتعلق بتوفر الملائمة المالية أو الكفاءة لإعالة أكثر من زوجة وهنا نقف
عند أهلية الزوج حيث لم يرد في الإسلام شرط توفر الملائمة المالية بل
الشرط الأوحد هو من صلح دينه وكان الإسلام له منهجاً وعقيدة فيكفي أن
يكون ذا دين لان الإسلام أفضل امتياز للإنسان ، لذا فان هذا الشرط
يتقاطع كلياً مع حكم الشريعة، كما إن الشريعة توجب على ولي الأمر أن
يعيل المسلمين وغيرهم ممن هم تحت رعايته وسلطته مما يفترض عدم وجود من
لا معيل له في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي، أما فيما يتعلق بتحقيق
مصلحة مشروعة فأي مصلحة اشرف من تكوين علاقات اجتماعية على وفق ما
يرتضيه الخالق عز وجل وتكوين أسرة إسلامية فهل يفترض وجود مصلحة أخرى
في الزواج غير تلك التي أشرت إليها، فإذا قادنا ذلك الرأي فإننا سنقف
عند نقطة تقاطع في أحكام النص ذاته إذ افترض المشرع إن عقد الزواج يهدف
إلى إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل على وفق أحكام الفقرة (1) من
المادة (الثالثة) من القانون . فهل يمكن لنا أن نتصور أي مصلحة أخرى
غير الذي ورد في ذلك وهل يجوز أن تقبل بمصلحة تتقاطع مع ما ذكر . إذن
النص قد تناقضت أحكامه في ما يتعلق بهذه النقطة .
4. ما جاء في نص الفقرة (5) من المادة (الثامنة) الذي جاء فيه ((
اذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي
)) . هذا الأمر أرى فيه مثالية نظرية أكثر من كونها واقعية، اذ كيف
يستطيع القاضي أن يتلمس القدرة على العدل وهل توجد ضوابط لتحديد ذلك،
كما ان التخوف ينصب على أمر مستقبلي غير متحقق في وقته مما يترك الأمر
إلى هوى وقناعة القاضي التي يبنيها على مدى إدراكه واستقرائه، لذا أرى
فيه تقاطع كبير مع مهمة القضاء حيث ان وظيفة القضاء تتعلق بتطبيق النص
وتفسيره وتكييف الواقعة مع النص .
لذلك ومما تقدم في هذه الاضمامة البسيطة توضح لنا إن النص بحاجة إلى
إعادة نظر وجعله منسجماً مع حكم الشريعة الإسلامية والواقع الراهن في
حفظ وصيانة حقوق وكرامة المرأة والرجل معاً والتعامل معهم على إنهم
يملكون زمام أمورهم وان نجعل من الأحكام القانونية وسيلة لتمكين الفرد
من تعزيز ثقته بنفسه وان نبتعد عن فلسفة الوصاية على المواطن ووضعه
دائماً تحت منظور القصور وغير قادر على اتخاذ القرار الذي يناسبه وانه
لا بد وان تكون للدولة الوصاية عليه ، علماً ان ذلك القاضي الذي يقدر
ويقرر والذي هو بمثابة ولي الأمر سيأتي عليه الدور ليكون قاصراً خاضعاً
لتلك الولاية من شخص آخر حتى يتمكن من ممارسة حقه الشرعي اذا ما اراد
الزواج بامراة اخرى .
وفي الختام نأمل ان يلاحظ من يملك سلطة التشريع ذلك الامر ويعيد
النظر فيه بعد ان يمزج رأي رجال الشريعة مع رأي وطروحات فقهاء القانون
وعلماء الاجتماع وغيرهم ممن لهم صلة بذلك الموضوع من اجل النهوض
بالمجتمع العراقي نحو سبل التقدم والرقي . |