كانت النزعة القومية موجودة قبل الإسلام ولكنها بصورة تختلف بعض
الشيء عما موجود حالياً وعُرفت يوم ذاك بالعصبية وقد حاربها الإسلام
أيما حرب لعدة أسباب أهمها، إنها حاربت المد الإسلامي وحاولت إيقافه
ولأنها لا تناسب مقاييس الإسلام في تقييم الإنسان وتحديد ولاءاته ،
فمقاييس الإسلام في التقييم تخضع لقاعدة (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
وقاعدة (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) وتحدد ولاءات الإنسان على
وفق مبدأ (الحب في الله والبغض في الله).
والعصبية لم تكن في يوم من الأيام عنصر وحدة للعرب بل كانت عنصر
تفرق وتشتت لأنها لا تجتمع تحت عنوان القومية العربية فهناك العشيرة
الأشرف والعشيرة الأقل شرفاً فلما جاء الإسلام وجد العرب كما وصفتهم
فاطمة الزهراء (ع) في خطبتها (وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة للشارب
ونهزة للطامع وقيسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد،
أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله بأبي محمد
بعد اللتيا والتي)، وإنما لو جاز للعرب أن يفتخروا فلهم أن يفتخروا في
انتسابهم للإسلام وهذا لا يعني طبعاً أن يتنكروا لعروبتهم وإنما يجب أن
تخضع العلاقة فيما بينهم لمعيار (ليست العصبية أن تحب قومك ولكن
العصبية أن ترى شرار قومك خيراً من خيار غيرهم).
ورغم الحرب التي شنها الإسلام على العصبية إلا أنها لم تمت نهائياً
فبقيت مضمرة في نفوس البعض حتى حين، وما إن سنحت الفرصة بعد وفاة
الرسول (ص) حتى انتفضت العصبية مكشرة عن أنيابها وبدأت رحلة جديدة –
علماً إن المستفيد من العصبية عادة الفئات المتنفذة فقط – رحلة اتخذت
طابعاً جديداً توظف الإسلام لخدمتها ونجحت نجاحاً باهراً في إبعاد
الناس عن الإسلام الحقيقي (الإسلام العالمي) إلى الإسلام الأموي حيث
تمثل الفترة الأموية قمة طغيان العصبية العربية لصالح أصحاب الكراسي
وتوظيفها لخدمتهم ، ثم اتسعت العصبية وتأصلت في الفترة العباسية ولكن
بعد سقوط الدولة العباسية بدأت العصبية تضمحل بفعل عوامل قهرية لا بفعل
وعي وإدراك لخطورة تلك الصفة الذميمة. واستمر الحال هكذا إلى نهاية
الدولة العثمانية ودخول البريطانيين على خط الصراع بعد معرفتهم بدور
العصبية (القومية) في التأثير على العرب فكانت الثورة العربية الكبرى
التي يشير اسمها بكل وضوح إلى العصبية وماذا فعلت تلك الثورة؟ فرّقت
العرب وشتتهم بعد إن كانوا قوة لا يستهان بها وجعلت أراضيهم مرتعاً لمن
هب ودب ، وبعد إن فشلت الثورة في تحقيق ما تصبوا إليه بدأ العرب -وبدلاً
من الرجوع إلى الإسلام صانع عزهم ومجدهم- بدءوا بالتنظير للقومية
والتطبيل لها بأساليب جديدة فظهرت جمعيات قومية ثم أحزاب قومية أخذت من
جهد ودماء الأمة ما أخذت فكانت نتيجة هذا الجهد المتعصب للقومية
وميزاتها الخيالية أن وزعت الدول العربية على أبطال القومية!! الذين
تحولوا إلى أباطرة على عروش هاوية فانتشرت صورهم وتماثيلهم وأحاديثهم
المهذبة وتحولوا إلى رموز مقدسة -في حين إن أهم الانتقادات التي توجه
للدين من قبلهم هو التقديس- فصودرت الحريات وضاعت الحقوق وسالت دماء
المسلمين في كل مكان واستمرت الدعاية الرسمية تردد((يا حلمنا.....!!)).
واليوم بعد إن سقط القناع عن القومية –البغيضة- فلم يعد يتحدث بها
إلا العجائز ، وظهرت العصبية بلباس جديد قديم اللباس الأموي الذي هو
نتاج إبداعات معاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم ظهرت القومية –
ولم يتعلم المسلمون الدرس مجدداً والمؤمن لا يلدغ من نفس الجحر مرتين –
ظهرت من جديد لادنية وزرقاوية وغيرها بعد إن مرت بأطوار التربية
الوهابية التي ترعرعت في أحضان المخابرات البريطانية ،عصبية جديدة
قديمة فهي قد ورثت نتاج السلف الطالح بأحزمتها الناسفة وسياراتها
المفخخة ، فصار الإسلام إرهاب وبدأت تكال للإسلام والمسلمين شتى التهم
وأنواع الافتراءات وما ذلك إلا نتاج الإنجرار وراء العصبية السلفية
التي ابتدعت كثيراً حتى وصل الأمر إلى حرب موجهة توجيهاً من نوع جديد
نستطيع تسميته بالقومية الأموية السلفية التي وصل بها الأمر إلى إلغاء
حتى الجنسية العربية عن كل تابع لأهل البيت (ع) بل وحتى حق العيش الآمن
وحق الحياة..
فما هو موقف العرب من هذه العصبية الجديدة ؟هل سيفشلون في التعاطي
معها أم إن تجارب الماضي كافية لتجعل التقييم صحيحاً ؟ماذا كسب العرب
من العصبية وماذا خسروا حين تخلوا عنها؟
أما آن للعرب أن يفهموا إن العروبة بلا إسلام حقيقي عروبة فارغة -وهذا
الأمر ليس خاصاً بالعرب- أما آن لهم أن يتعلموا من التجارب السابقة (إن
تتولوا يستبدل الله قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) فبدلاً من أن
نبحث عن حلم العروبة الضائع فلنبحث عن حلمنا الحقيقي الذي وعدنا الله
بإنجازه (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ
الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الانبياء:105)
حلم الإسلام الحقيقي إسلام محمد وآل محمد لا إسلام بن تيمية وعبد
الوهاب وبن لادن والزرقاوي ، فالعروبة بعيداً عن الإسلام الحقيقي إسلام
الرحمة والعدالة ستتحول إلى قنابل ومفخخات وأحزمة ناسفة ستنسف العرب
أنفسهم قبل غيرهم .
|