هجرة الذات

مازن مرسول محمد

قد يكون العنوان مضللاً نوعاً ما حول كيفية هجرة الذات، وممكن القول ان ذلك يتم بالانفصال عن رواسب الافكار والمعتقدات والسكنات والعلاقات، او محاولة استدماجها بالجديد سواء كانت من نتاجات ذلك الفرد او مستوردة ووافدة اليه من الخارج.

فالذات الانسانية شاءت ام ابت تترك او تكاد لا تركز بشيءٍ مؤكد على القديم عند مجيء الحديث، وتبقى لديها بعض الرواسب القديمة التي تتصارع بها مع كل جديد وخاصةً اذا كان الجديد منافياً ومناقضاً للقديم، اما اذا كان موائماً له بدرجةٍ او بأخرى فشدة الصراع تكون اهون واقل.

ان الذات العربية وبشكلٍ خاص قد تعرضت الى صدمات فكروية/ قيمية / علاقاتية على مدى مسيرة حياتها، والمشكلة تكمن في ان العربي مستهلكٍ اكثر مما هو منتجٍ، لذلك تراه دائماً هو المستقبل لنتاجات الغرب، دون ان يصدر نتاجاته لهم، وبطريقةٍ تفاعلية عند وفود كل جديد على مشارب حياته المختلفة، يبقى هو اما ثلاث خيارات لابد ان يسلك احداها، وهي اما ان يغلق عينيه ولا يهتم لما يفد اليه وبالتالي يكون قد خسر خسارةٍ ثقيلة، واما ان يفتح ابوابه على مصراعيها لتلقي كل شارد ووارد من الغرب، واما ان يستقبل كل شيء بعقلانية ومنطقية من خلال معرفة الغث من السمين من هذه المواد.

وحقيقةً ان الذات العربية امام كل هذه الخيارات ستجد نفسها في مواجهةً خطرة، فعليها اما ان تهجر عاداتها وقيمها، او تتأقلم مع قيم وعادات الوافد، او ان ترفضها تماماً، وفي كل هذه الاحوال تتعرض ذات العربي لصدمات الاهتزاز وعدم الثبات والتأرجح الذي لربما لا يستقر الا بعد فترةٍ من التمحيص والتدقيق.

ان مشاهداتٍ تقويمية لواقع الذات العربية اليوم يشير الى ان العرب في محنةٍ كبيرة تتجسد في دخولهم الى حلقةٍ مفرغة من جانبهم، فهم لا يعوا ما هم عليه، ولا يعوا ما يجب عليهم فعله، لذلك جاءت ردود افعالهم متخبطة بعض الشيء في قضية التلقي المناسب للوافد الغربي، فأصبحت الذات العربية متأرجحة وحائرة بين هجران افكارها وقيمها والتلبس بلباس الغرب، وقد برز ذلك واضحاً في كثير من اركان البنية العربية، او محاولة ترك الحديث الوافد ولم تنجح في ذلك، لان ما يفد هو عصي على ان يقاوم، او انها تحاول الاقلمة بين اساسياتها والناتج الغربي، ولم تنجح ايضاً.

ان التلقي العربي اليوم تلقٍ سلبي، وذلك بحد ذاته قد ولد صاعقةً قد اقتلعت كيان الذات العربية وجعلها في هجرةٍ لآفاقها الرحبة الى عالم الغربنة وعدم النجاح في ادراك المقاصد.

لذا فالذات العربية في هجرةٍ دائمة، حيث ان مازاد من تقهقرها ودورانها المفرغ، هو تمسك بعض اطرافها بعدم هجرة مشاربها، وتردد اخرى في قبول ما يفد اليها، وحيرة غيرها في كيفية الاستجابة لذلك، وفي تلك الوضعية لا يمكن لها ان تكون ممتصة لصدمات الآيديولوجيات الغربية وما ترمي اليه، فتقع فريسةً سهلة امام كل فكرة حتى وان كانت بسيطة الا انها مجرد وافدةً من الخارج.

فمتى يمكن ان تكون الذات العربية مركزاً لاستقطاب الآيديولوجيات والثقافات الاخرى دون ان تتأثر بها تأثراً سلبياً، لبناء مرتكزات الذات العربية دون ان تكون هي المهاجرة، والذي ممكن ان يكون كفيلاً بأحالة التراث العربي الى بلدةٍ مهجورةٍ من محييها بالتشبيه المجازي.

شبكة النبأ المعلوماتية - الجمعة 22/ تموز/2005 - 14/ جمادى الأولى/1426