عرّف سماحة الإمام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) السياسة
بالقدرة والنفوذ والإدارة، في الساحتين الداخلية والخارجية، وللداخل
شعبتان الأولى حفظ الأمن بما هو وظيفة الدولة في ضبط النظام وأخذ زمام
العدل، والإنماء وما إلى ذلك والثانية الحيلولة دون تسرب السياسات
الخارجية إلى الداخل وللخارج شعبتان الأولى وضع التأثير على سائر
الشعوب في الإسهام بنظمها وكف الظلم عنها وذلك لأن الإنسانية وحدة
واحدة واللازم على الإنسان بما هو إنسان خدمة الإنسان الآخر مهما كان
لونه وعقيدته واتجاهه والنظام المسيطر عليه، لقد اختزل سماحته قراءته
لمفهوم الدولة بصورة عصرية وحضارية مدنية مؤشراً على أن لا تكون الدولة
بوظيفتها الحصرية ضبط النظام والعدل والإنماء، وفي سياق أخذ تشكل
الدولة الإسلامية الحديثة في نهايات القرن الحالي ليأخذ هذا الشكل
مفهوماً آخراً مبتعداً عن ما سمي بالدولة الرشيدة الصالحة، والذي يؤشر
على غياب المحددات الوظيفية للدولة بالمفهوم الإسلامي الصحيح، وما يؤكد
تعثر تجارب مختلف الدول، هنا وهناك من جراء الابتعاد عن أسس الدولة
الإسلامية ومما استشهد به سماحته بقوله قال سبحانه: (وما لكم لا
تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين) وقال صلى الله عليه وآله وسلم الناس
سواسية كأسنان المشط) وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه
إلى مالك الأشتر: (أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق) وفي الشعر
المنسوب إليه عليه السلام:
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
وفي تشخيص سماحته لانعدام الرؤية الدقيقة للمستقبل عند السياسي في
كثير من الأحيان يعود إلى سببين الأول: عدم اهتمامه بالمقدمات اهتماماً
كافياً وحيث غلطت عنده المقدمات لم تكن النتيجة متوخاة ثانياً عدم دركه
لكل الأسباب والشرائط والموانع ومن الواضح أن النتائج تابعة للمقدمات
لا لما أدرك الإنسان من الإدراكات الناقصة غير الواقعية وإلا فحتى
العلوم الرياضية، إذا لم يهتم الرياضي بالمقدمات حق الاهتمام، أو لم
يدركها حق الإدراك، لم يصل إلى فهم النتيجة الصحيحة، في مقاربة لما جرى
ويجري في فهم وتطبيقات السياسة، في المجتمعات الإسلامية أول ما نلحظ
غياب الرؤية المستقبلية للأوضاع الداخلية والخارجية، وذلك في عدم معرفة
سلم الأوليات للحاجات الضرورية لتقدم مجتمعاتنا، وكذلك عدم وعي ودراية
لمعرفة الأسباب الجذرية والأساسية الفاعلة لموانع التطور والتقدم وفي
مقدمتها تغييب دور الإنسان المتعلم الملتزم باعتباره شرطاً أساسياً لكل
عوامل النجاح فقد نجحت المجتمعات الإسلامية في أن تكون سوقاً مستهلكة
لكل حاجاتها من الغرب، وبالتالي خضعت قراراتها الاقتصادية والثقافة
والسياسية إلى الغرب مستبعدة كلياً ضرورة المشروع العربي الإسلامي
المشترك فأوجدت كل أنواع السلبية المجتمعية من فقر وبطالة وأمراض وما
حال المجتمعات الإسلامية إلا مؤشر دامغ على خضوع السياسة للمصالح
الضيقة لبعض الأفراد، واستبعاد المشاركة المجتمعية وحتى أن تعود
السياسة بمفهومها الحقوقي والقانوني والديني الصحيح المبنية على العدل
والإنماء، وضبط النظام ووقف التدخل الأجنبي بكل أنواعه وأشكاله، وتصحيح
الكثير من المفاهيم والقرارات المتناقضة مع مصالح الأمة الإسلامية دعوة
إلى قراءة كتاب الفقه السياسي لسماحة الإمام الراحل محمد الحسيني
الشيرازي (قدس سره) حيث تعرض بشمولية لكل المعوقات والتحديات التي
تواجه السياسة والسياسيين في عالمنا المضطرب، والذي يحتاج حقيقة إلى
بوصلة ترشده إلى بر الأمان والاستقرار.
aboalibassam@gawab.com |