صناعة الـحـقــد

بقلم الباحث العراقي:  فـؤادعباس*

أحد أهم الأهداف الستراتيجية للإرهابين صناعة الحقدالأسود الأعمى، تغذيته، نشره، تجذيره وترسيخه في العالم، لأن الحقد ولا سيما المؤدلج منه يُعّبدُ الطريقَ لتفخيخ الأدمغة، وتجنيد البعض كأرهابيين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لأن الحقد الذي يزرعه الإرهابيون بأعمالهم الإرهابية يمكن أن يدفع بعض ضحايا الإرهاب كحكومات وشعوب وتنظيمات لتبنّي ردود أفعال أُحادية غير مستوعبة، فيجيّر الإرهابيون تلك الردود مرة اُخرى لصالح تنظيراتهم الديموجاجية البربرية، وتسويقها إلى البسطاء في البقاع الموبؤة، وتزريقها في الأدمغة المريضة  أو الضعيفة، وهكذا يستمّر المسلسل، وتزداد الهوّة مع كلّ قطرة دم تراق هنا وهناك، واّياً كان التبرير، فلابدّ من إ تحاد العالم رسمياً وشعبياً في خطابٍ واحد، وخطّة مرحلية موّحدة، وسياسات عملية متوازية تعمل على زراعة  الحب، بل وتدرّب العالمَ عليه، وتشلّ ماكنة الحقد من الإنتاج، بما يسحب الذرائع، كلّ الذرائع من الإرهابيين.

يبدو أنّه لا سبيل إلى ذلك إلابالبدء بردم الهوّة بين الشرعية والمشروعية دولياًوداخلياً: في كلّ دولة، بشكل مُلزِم لجميع أعضاء المجتمع الدولي في سياساتها الخارجية والداخلية، حكومات وشعوب ومؤسسات، وفي إطار الديمقراطية، بعد دمقرطة الأمم المتحدة، وبما لايغفل معالجة سلبيات العولمة الواقعية أو المتصورة، وإشكاليات التجارة الحرة الحقيقية أو الوهمية فحين تفترق الشرعية عن المشروعية في دولة ماتبتعد القوانين والقرارات والسياسات الداخلية في المجالات المختلفة عن العدالة والقيم الأخلاقية الكونية، وينمو الظلم ويستشري ويتراكم، فيكون الإنفجار تلو الإنفجار، والإضطراب والتخلّف، والعالم بدوله ومؤسساته يقف لسبب، أو لآخر متفرجاً او متحالفا مع النظام، متذّرعاً بعدم التدّخل في الشأن الداخلي، حتى يُصار إلى تدّخل عسكري مباشر متأخر، وغير مدروس، يفتقر إلى الإجماع الدولي أو الحيادية أو الشفافية، مما يخلق ثغرة دولية كبيرة تجعل الإرهاب يراهن عليها لشقّ الصّف الدولي ويمنح الإرهابيين المبررات والذرائع لتصدير حججهم وتبريراتهم الواهية التي تجد لها مرتعاً في غياب الوعي والسياسات المواطنيّةوتفشّي المعرفة الناقصة، والقصف الإعلامي المكثّف فالمطلوب اِذن على طريق سحب الذرائع: ـ                    

1ـ إصلاح ودمقرطة الأمم المتحدة، بماو يجعلها ملتزمة ومُلزِمة لجميع أعضاءها بالمشروعية في القرارات الدولية، لأن إستناد القرار إلى المشروعية، يجعل القرار أو السلوك عادلاً، والقيم الأخلاقية الكونية مرعية، فيسدّ الأبواب أمام الظلم والتظلّم والمزايدات وخرق الشرعية، ويضمن قاعدة شعبية عالمية عريضة للقانون والتشريعات والقرارات، ويعيد للأمم المتحدة مصداقيتها وحيادتها وعدالتها فمرجعيتها

2ـ يجب على الأمم المتحدة بعد إصلاحها ـ كما تقدم ـ إلزام أعضاءها( تدريجياً وبعيداً عن الثورية والمصلحية والإزدواجية والتسيّس والتسويف) بتطابق الشرعية والمشروعية في قراراتها وتشريعاتها الخارجية والداخلية بما يهدِ للإصلاح والدمقرطة وإرساء اُسس الحكم الرشيد والتنمية الشاملة المتوازية، ففى ذلك وقاية من تفاقم الأوضاع، وتصدير أو إنتقال الأزمات، والحاجة إلى التدّخل العسكري المباشر، الذي يستفّز الشعوب، ويخلق مبررات منطقية أو غير منطقية للعنف والإرهاب تحت عنوان المقاومة وما إلى ذلك، فالإصلاح ومواجهة الظلم بانواعه: السياسي والإقتصادي والثقافي و........ مهمة أخلاقية سامية تفرضها المصلحة العليا للبشرية، وتمليها إنتزاع الذرائع من الإرهاب بانواعه، وإذا تمَّ تقنيين تنفيذها بإرادة دولية مشتركة طبقاً للأكثرية وبالشكل المتقدم في البند الأول فلا يبقى مجال لدعوى التعارض بين السيادة والوطنية من جهة وضغوط المراجعة والإصلاح والتصحيح، بل على العكس، فذلك الإلزام والرقابة والترشيد الآتي من قبل الأمم المتحدة يكرّس السيادة الوطنية، ويؤصلها، ويحميها من الإنهيار، كما حدث للعراق بعد سقوط النظام، وقبل إنهاءالإحتلال، ونقل السلطة إلى العراقيين حسب القرار (1546)، وكل ذلك بحاجة إلى آليات فاعلة وميزانيات كبيرة وتعاون عالمي رسمي وشعبي لكن: 

لا أتصوّر ان ميزانيات ذلك تفوق الميزانيات التي صُرفت في الحملات العسكرية الإستباقية، وما يبذل لدحر

الإرهاب في العالم، حتى لو اقتصرت المقارنة على الجانب الإقتصادي البحت فهناك جدوائية إقتصادية للإستثمار في مشروع الإصلاح العالمي المذكور، وليس بعيداً عن العدالة صياغة موازين لتقسيم حصص إعادة الإعمار والإستثمار والبناء وفقاً لنسب مساهمة الدول في إنقاذ وإصلاح وتنمية دولة من الدول للحيلولة دون وقوع الكبار في صراع المصالح، الذي يغري الصغار، أو يعيد إحياء الحرب بالوكالة، ويفتح الأبواب للارهاب ومعارضي الإصلاح للمراهنة على شقّ الصف، ويسمح لمعارضى الإصلاح التملص من الإصلاح الذي يفرضه الداخل وشروطه قبل الخارج منذ ردح طويل من الزمن، ويهئ الأجواء لقيام تحالفات وإتفاقيات بين الإرهاب والمعارضين للاصلاح.

3ـ إنّ تعميم خطّة واحدة لإصلاح جميع الدول، وفي آن واحد ليس صائباً، فلكلّ مجتمع ودولة خصوصياتها

ومتطلّباتها وأولوياتها، وذلك لايؤول إلا إلى الفوضى والقلاقل التي لاتخدم الإصلاح، ولايدعم جهود مقارعة

الإرهاب، كما يخيف الشعوب من الإصلاح والتغيير، ويجبرها على تغيير موقفي قسري، فمن الضروري

جعل الإصلاح إلزامياً ومرحلياً ومن قبل الأمم المتحدة ـ بعد إصلاح ذاتها ـ، مع إحترام هويته المستقلة الخاصة به وعبر دعم البُنى التحتية المطلوبة، وعن طريق مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، وبما لا يتعارض مع قيم ومبادئ ذلك المجتمع فالإصلاح لايولد من الفراغ، كما لايمكن أن يحيا في الفراغ، فمشروع إصلاح دولة من الدول حين يدعم من الخارج، ولايراعي تعدد الطرق إلى الإصلاح، ولايحترم قيم ومبادئ المجتمع ويرافقه إنتشارالفوضى والقلاقل مع الإبقاء على الفقر أوغياب الأمن الرفاه والسياسات المواطنيّة......حين يكون مشروع الإصلاح كذلك يهجره الشعب ويُوصم بالأجنبي والعميل والإستعماري، فيُجهض الإصلاح، وتتجذر دواعي العنف، وينتعش الظلم والتخلّف، مما يمنح الإرهاب مناخات جديدة لصناعة الحقد وتصديره.

4 ـ الإصلاح في الإطار المتقدّم بجب ان يكون سلمياً وهادئاً ومبرمجاً وحضارياً ملئه العفو والتسامح بعيداًعن العنف أو الفوضى أو إراقة الدماء، وحاشداً بالمكتسبات لجميع الشرئح، ليتمكن من جذب قاعدة عريضة، ويُحيّد أعداءه ومعارضيه داخلياً وخارجياً، ويكسبهم لصالح تنفيذ الإصلاح ونجاحه واستقراره، ولذلك كلّه لابدّ من ان يتضمن المشروع الإصلاحي لأي دولة خطّة لإعادة تأهيل، وتوظيف السياسيين القدماء في ترشيد الحكم وإدارة البلاد ومؤسساته، كفتح المجال لمن يرغب منهم في إنتخابات مجلس الأعيان أو الشيوخ بعد إستحداثه، أ و دراسة صيغة الملك الذي يملك، ولايحكم لمرحلة محدودة وفترة معيّنة كحلّ وسط، وما إلى ذلك من الحلول السلمية التي تزرع الحب والإستقرار والرفاه والسلام، وتوقف صناعة الحقد في كلّ مكان.

5- للعولمة سلبيات: بعضها واقعي، وبعضها غير واقعي، متوهّم، أو مختلق لاغراض التسويق التحريضي، فلابد من تنمية إيجابياتها، وتطويق سلبياتها، بما يجعل أهدافها وتطلعاتها غير متعارضة مع الديمقراطية ومشروعة عادلة مستندة  إلى العدالة والقيم والمصلحة المشتركة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وتسويق تلك الإصلاحات إعلامياً مع تطبيقها ميدابياً، وذلك لأنّ سلبيات العولمة الواقعية يمكن أن تساعد على إعاقة التنمية المحلية، فاشاعة الفقر والجوع والبطالة والفساد، وبالتالي إعداد البيئة المساعدة للعنف والإرهاب، فتسويق الخطاب الإرهابي لصناعة الحقد، والمساعدات المالية تخفف الألم ومؤقتاً فقط، هذا إذا وصلت إلى الضحايا، فلابدّ من وضع قطار التنمية عى السّكة.وما قيل عن العولمة يمكن أن يُقال عن منظّمة التجارة الحرة، والبنك الدولي والشركات المتعددة الجنسيات.                                   

6ـ إلغاء الإقصائية فيما يرتبط بالظلم في التمثيل السياسي، فإقصاء هذه المجموعة، أو تلك الطائفة، أو هذا الحزب، أو القومية من الحياة السياسية يجذّر الشعور بالظلم ويضرب مصداقية الديمقراطية في الصميم ويقود تلك الجهة إلى طريق مسدود والتحليق بعيداً في سماء الخيال، والإبتعاد عن الواقع، فالانحراف السلوكي، وذلك مما يعيق زراعة الحب، ويُفعّل التطّرف والغضب، ليأتي الإرهاب فيُجنّدنتائج الإقصاء لصالح الإرهاب فصناعة الحقد.                                          

وماقيل عن الظلم السياسي يصدق على الظلم بانواعه الإجتماعي والإقتصادي و......، وبناءاًعلى ذلك ينبغي:

شرعنة ما يُحرّم الإقصاء دولياً، ويوجب الدعم والتأهيل للمشاركة السياسية لمن ينبذ العنف والإرهاب جملة وتفصيلاً، قولاًوعملاً، ويلتزم بالديمقراطية والعمل السياسي كوسيلة وحيدة مثلى لتحقيق رسالته واهدافه وتطلّعاته ولا يتجاوز حدود العصيان المدني في مواجهة الإنسداد السياسي المحلي، أو الدفاع عن حقّ تقرير المصير، ومواجهةالإحتلال، ولايُقال::                                                  

ماذا لو دُفِعَ العصيان المدني إلى طريق مسدود ؟    

لأن الكلام بعد إصلاح الأمم المتحدة في الإطار المتقدّم، والذي يجعلها مرجعاً له آلياته ووسائله الضاغطة لحلّ الأزمات في إطار الديمقراطية والعدالة والقيم الكونية المشتركة، بعد إلتزامها بالمشروعية.

7 ـ تكريس الوحدة إلى جانب اللامركزية في إدارة الحكم بالصيغ الفيدرالية أوالكونفيدرالية ينعش التعايش والتفاهم، ويبعد شبح الإنفصال، الذي يُسوّق كفزّاعة، لإجهاض مشاريع ترشيد الحكم، كما يرفع الظلم، أو الشعور بالظلم، ويمهّد للمشاركة الفاعلة، والسياسات المواطنيّة وبذلك فلا ظلم ولاخوف من تجزئة الدول، كى يصطاد الإرهاب في الماء العكر ويواصل مسيرته في صناعة الحقد. 

8 ـ المكاشفة ضرورة لإرساء اُسس التفاهم والتعايش والتعاون العالمي، والحيلولة دون تصدير الإرهاب للحقد لتفخيخ الأدمغة، فهناك أخطاء اِرتكبت في الماضي، لها تفسيراتها وسياقاتها، والإرهاب يتوسل بهذه الأخطاء، ويحرّفها، ويُضخّمها، ويُسّوقها، ويُجنّدها لصناعة الحقد، فمن شأن المكاشفة، الإعتذار، فالعفو، والتسامح المتبادل المدعوم بخطوات عملية ميدانية ذات مصداقية عالية ترسخ طيّ صفحة الماضي أن توقف إنتاج الحقد وتوحِّد الشعوب، وتُفَعّلها في مكافحة الإرهاب، ومساندة الإصلاح الذ ي لابدّمنه لإقتلاع جذور الإرهاب، وكمثال جزئي، وربما محدود ايضاً (في ضوء ماتقدم ) يمكن ذكر إشارة الرئيس الامريكي دبليو بوش إلى خطأ الإدارة الأمريكية طيلة (60) عاماً في تحالفها مع الأنظمة غير الديمقراطية لحماية الأمن الأمريكي.

 والأمر ذاته مطلوب بين الحكومات، فما وقع من إختلاف وتصدّع جراء إسقاط نظام صدام الديكتاتوري الشمولي، مازال يعيق توحّدالعالم وتعاونه جديّاً في مواجهة الإرهاب بسياسات متوازية شاملة، مما يمنح الإرهاب الأمل بالنصر، والإستمرار في إنتاج الحقد ونشره.                                

9 ـ إستخدام العنف في مواجهة العنف، والسماح بخرق القيم الكونية كحقوق الإنسان قصوراً، أوتقصيراً يساعد  الإرهاب، ومعارضي الإصلاح لزعزعة مصداقية المدافعين عن الإصلاح وحقوق الإنسان ومقارعة العنف، ويمنح الإرهابيون فسحة كبيرة للتغلغل في النفوس والعواطف والافكار لاعادة تصنيع الحقد وتصديره                                              

10 ـ معالجة المعرفة الناقصة بمحو الأُمية ونشر الوعي وترشيده تساهم في تفعيل الحوار، والتعايش، والتفاهم، والتفهم ويكشف للإنسان والمجتمعات والحكومات بدائل سلمية وحضارية وأخلاقية للدفاع عن الحقوق، والقيام بالواجبات، فتنفتح الطرق التي تبدو مسدودة، ويُستبدل اليأس بالأمل، ويتفهم الواحد الآخر، والمجموعة الأخرى، فتنحسر دائرة الظلم، التي يحاول الإرهاب عبرها صناعة الحقد، وتأجيج الصراع، فالجهل يقود إلى التطّرف في هذا الإتجاه، أو ذاك، كما عن الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام )

(لاترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطاً )

(فما وجدت أحداً من العالمين يتعصب لشئ من الأشياء إلاعن علّة تحتمل تمويه الجهلاء )  

والجهل لايدفع بالانسان لمخالفة، أو معارضة ما يجهله، بل إلى معاداة ذلك، كما عنه (عليه السلام ) ايضاً:

(الناس أعداء ماجهلوا )    

وليس هذا فحسب بل معالجة المعرفة الناقصة تقوم بترشيد عملية إستنباط الحكم الشرعي من النصوص الدينية، لأن الحكم يتغيّر بتغيّر موضوعه، فلا يبقى مجال لتنسيب أحكام تجزئية إسقاطية إلى الاديان التي تجمعها العدالةوالإعتدال والتسامح والأخوة والتعايش ونبذ العنف بكل اشكاله ومظاهره.

هذه بض الملاحظات للدراسة والبحث على طريق رفع إنتاجية الحب وجودته عالمياً وإيقاف ماكنة الحقد من الإنتاج والإتجار بالحقد، وليس هناك للإرهاب مايبرره أياً كان مصدره وحجمه ومسوغاته ومكانه وأهدافه وضحاياه، فرفع الظلم الواقعي، أوالمتوهم وزرع العدالة من المهمات الأخلاقية الملّحة علاوة على قدرتها لسحب الذرائع من صنّاع الحقد، وهي بحاجة إلى آليات وخطط على المدى القصير والمتوسط والبعيد والسياسات المواطنيّة المتفاعلة، ودور وسائل الإعلام الحديثة كبير، والتقليدية أكبر في الدول النامية، وما عساي أن أقول لكاتب المقال:

في الجارديان ( 16-7-2005 ) الذي حلّق بعيداً ليدافع عن الحوار مع الإرهابين في العراق قائلاً:

  (منْ هو الإنسان العاقل الذي يعتقد بوجود عدالة في التاريخ ) ! ! !

على حدّ قول كاتب المقال في الجارديان......اجل ماعساي أن أقول له الا انه تخبط آخر في مواجهة الإرهاب  وكما في الرواية الشريفة المتقدمة:

( لاترى الجاهل الا مفرطاً أو مفرّطاً).        

*معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات - واشنطن

Siironline.or

شبكة النبأ المعلوماتية - االثلاثاء  19/ تموز/2005 - 11/ جمادى الأولى/1426