منذ
النشأة البشرية الأولى، ولأن الإنسان كائن اجتماعي يميل بطبعه للاجتماع
مـع غيره من بني البشر، ونتيجة تطور شكل العلاقات الإنسانية من الفردية
إلى الأسرة ثم العشيرة والقبيلة فالمدينة ثم الدولة، ظهرت الحاجة إلى
وجود تنظيم يحكم العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، لأن عدم وجود مثل
هذا التنظيم أو القانون في الوسط الاجتماعي، يعني سيادة الفوضى، وتحكيم
قانون الغاب.
ومع
تطور الحياة وتعقدها، نمى القانون وتفرع، وأصبح وجوده ضرورة حياتية لا
غنى عنها في المجالات التي تتشابك فيها العلاقات الإنسانية، وبالتالي
صار لكل فرع من فروع الاجتماع الإنساني قانون خاص يُسمى باسمه،
كالقانون المدني والقانون الجنائي والقانون الإداري، وقد عُرف القانون
الذي يعنى بشؤون السلطة والحكم وعلاقة السلطات الحاكمة، وشكل الحكم
وطرق ممارسته، والحقوق التي يتمتع بها المواطنون بالقانون الدستوري.
لقد
وجد القائمون على الشؤون السياسية، أن الاستقرار الاجتماعي في إطار
الوحدة السياسية الملتحمة لا يحصل إلا بصب المبادئ العامة التي تؤمن
بها المكونات الأساسية المؤلفة لمجموع الشعب في مدون خاص يُعرف
بالقانون الأساسي للدولة أو بالدستور، ليكون بمثابة المرجع الأول في
تحديد حقوق وواجبات المواطنة.
وقد
جرت العادة في تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، ومؤقتة ودائمة،
وربما إلى وضعية وسماوية، وسواء كانت الدساتير مكتوبة أو غير مكتوبة،
دائمة أو مؤقتة، كان مصدرها الله أو الإنسان، فهي تتضمن تحديد طبيعة
الدولة من حيث كونها بسيطة أو اتحادية، و شكل نظام الحكم فيها كما لو
كان ملكيا أو جمهوريا، كما يحدد علمها وعاصمتها ولغتها وعقيدتها
الفكرية والسياسية، وكذلك ينظم الدستور السلطات الثلاث التشريعية
والتنفيذية والقضائية، من حيث تشكيلاتها واختصاصاتها، وطبيعة العلاقة
الدستورية فيما بينها، ويُنظم الدستور الحقوق والحريات السياسية
والمدنية سواء على صعيد الفرد أو مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك آليات
تنفيذ نصوص الدستور.
لا
يزول دستور دولة ما، أو يتعرض للتبديل والتعديل إلا لظروف سياسية
واجتماعية قاهرة نظرا لاتصاف القواعد الدستورية بدرجة عالية من الثبات
والاستقرار، فقد يُستبدل أو يُعدل الدستور في حال قيام ثورة أو انقلاب
على السلطة الحاكمة بعوامل من الداخل أو من الخارج كما هو حاصل على
سبيل المثال في العراق، حيث سقط نظام حكومة صدام حسين بفعل قوى التحالف
الدولية، وأحلت محلها حكومة وطنية مؤقتة منتخبة انتخابا حرا في 2004.
ومن المسؤوليات الأساسية التي يجب أن تقوم بها هذه الحكومة أو بالأحرى
الجمعية الوطنية التي انبثقت عنها حكومة الجعفري هي كتابة دستور دائم
للعراق يُعرض على الشعب للتصويت عليه.
هناك
الكثير من المسائل الدستورية التي يجب أن يتضمنها الدستور ليكون دستورا
مقبولا عند المواطنين، يقول هاملتون في ما يتعلق بتصريف شؤون الدولة:
إن من حق الشعب أن يعرف كيف تدار أمور الدولة، وكيف تجبى الضرائب، وأين
تصرف، أي أن تكون أعمال الدولة شفافة وعلنية.
وعن
حماية حقوق الأقليات يقول هاملتون: إن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية،
وهنا تظهر مشكلة الأقليات والتعامل معها، والأقليات تعني النسبة
القليلة من الشعب المختلفة دينيا أو عرقيا أو ما شابه ذلك، فهنا يجب أن
تُصان حقوقهم ومساعدتهم على تسيير أمورهم وتمنع اضطهادهم، وان تسن
قوانين عامه تشمل كل الشعب.
أما
عن المؤسسة العسكرية فأوجب أن تكون بيد المؤسسة المدنية وان تعمل
الأولى على المحافظة على الديمقراطية والدولة، لا أن تحمي الحكم، وفي
مبدأ الفصل بين السلطات، يجب أن تعطى لكل سلطة صلاحيات محدده، والهدف
منه أن يكون الحكم متوازنا. والقضاء المستقل هو الذي يضمن حق الأقليات
بالإضافة إلى سبل أخرى. كما ان من الضمانات هو وجود محكمة خاصة تنظر
إلى دستورية القوانين التي تسنها السلطة التشريعية أو التنفيذية، إي إن
واجبها الحفاظ على الدستور، فلها حق الرفض بعلة واحدة أنها تتعارض مع
الدستور.
ولكن كيف نستطيع أن نقدم دستورا عراقيا متكاملا؟ يحظى بتأييد العراقيين
جميعا، ويكون لهم مرجعا قانونيا أعلى في تنظيم شؤون حياتهم، خاصة
السياسية منها ومتطابقا مع الرؤية الشرعية والدينية ؟
"هكذا
حكم الإسلام" كُتيب يتضمن بعض ما كتبه الإمام السيد محمد الشيرازي، حول
الأفكار الدستورية التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار عند كتابة الدستور
العراقي الدائم، وهي كالتالي:
أولا: المبادئ العامة: حدد الإمام الشيرازي
المبادئ العام في تدوين الدستور وهي:
1-الله –سبحانه- هو واضع قانون الإسلام ....
2-الإسلام نظام كامل للحياة......
3-للقوانين الإسلامية مصدران أساسيان هما: القرآن وسنة الرسول (ص)
وهناك مصدران آخران يتبعان هذين المصدرين، وهما: الإجماع والعقل.
4-القوانين على قسمين قوانين شخصية مثل وجوب الصلاة والصوم وحرمة
الخمر، وهي قوانين لا تقبل التبديل إطلاقا. وقوانين كلية، وهي قوانين
مرنة تقبل الاجتهاد .
5-
الناس سواسية، لا فرق بين أحد وأحد لا في اللون، ولا في اللغة، ولا في
الجنس، ولا في الحرفة ولا في الإقليم، لان "الإنسان إما أخ لك في
الدين، أو نظير لك في الخلق".
6-
العلم فريضة على كل مسلم فعليهم جميعا أن يتعلموا ....
7-
يجب على الدولة أن تهيئ للمواطنين المدارس والمعاهد والمكتبات
والمطابع.....وأن تمكنهم من أنواع الثقافة والعلم...
8-لا
مكان للفقر والفقراء في الدولة..
9-
يجب أن تعطي الدولة كل فقير عاجز عن الاكتساب ...
10-يجب على الدولة تسديد دين المدينين الذين لم يصرفوه في الحرام، ولا
يتمكنوا من أدائه...
11-يجب على الدولة أداء دين الأموات الذين لا مال لهم...
12-على الدولة أن تكافح الأمراض ..وأن توفر الدواء وسائر لوازم
العلاج...
13-على الدولة تأسيس المعاهد الطبية والمستوصفات والمستشفيات ...
14-لا
بنايات للسجون في الإسلام إلا لضرورة ...
15-لا
غرامة في الإسلام لأي نوع من الإجرام إلا في موارد خاصة ....
16-
كل شيء لم يدل الإسلام على وجوبه أو حرمته يكون الإنسان حرا فيه....
17
-لا ضرائب في الإسلام إلا الموارد الأربعة: الخمس، الزكاة، الجزية،
والخراج، ولا يحق للدولة أو أي شخص أن يأخذ من إنسان فلسا واحدا بالجبر
والإكراه، بل "الناس مسلطون على أموالهم" إلا في حالة الاضطرار....
18-لا
تحتاج التجارة أو الصيد أو إخراج المعادن أو سحب الماء إلى الإجازة أو
إلى الرسوم...
19
-لكل إنسان الحرية الكاملة في اختيار المهن والأعمال ومزاولتها حسب
رغبته...
20-لكل إنسان الحرية الكاملة في إنماء ثروته بأي قدر تمكن وليس لأحد أن
يأخذ منه شيء....
21-كل
إنسان حر في أن يكتب ما يشاء ويطبع ما يشاء إلا بالكفر أو المحرمات....
22-لا
رقابة في الإسلام على المطبوعات والمناشير والكتب...كما لا رقابة على
التلفون....
23-كل
إنسان حرف في أن يسافر إلى أي مكان شاء، وأن يقم في أي بلد شاء...
24-الناس سواسية إمام القضاء من غير فرق بين الرئيس الأعلى للدولة ومن
عداه...
25-
لا يجوز للقاضي أن يأخذ رشوة أو هدية أو أجر للحكم، واجر القاضي على
بيت المال...
26-يحق لكل إنسان أن يراجع القضاء بدون كتابة عريضة شكوى أو دفع الرسوم...
ثانيا: كيفية الحكم
1-
ليس في الإسلام ملوكية بمعناها الوراثي، وليس في الإسلام استبداد....
2-
تقوم إدارة شؤون الدولة على أساس مبدأ الشورى.. وهذا أمر طبيعي لكل
رئيس عاقل محنك..
3-من
شرائط قيادة الدولة التفقه والعدالة التامة والتبصر بالأمور العامة...
4-للشعب حق عزل الرئيس .... فليس للحاكم أن يبقى في الحكم بدون رضا
الأمة...
5-
يكون الرئيس منتخبا من قبل الشعب....أما قضية الانتخابات فللأمة الحق
في جعلها طريقا مباشرا لتعيين رئيس الدولة...
6-إقرار مبدأ الفصل بين السلطات.
ثالثا: واجبات الدولة
1-مكافحة الفقر ورفع مستوى المعيشة... ومطاردة الجهل...
2-حفظ
المجتمع عن الأمراض بالوسائل الوقائية وتعميم العلاج...
3-إقامة صرح العدالة الاجتماعية...
4-تنزيه المجتمع عن الرذيلة والفساد..
5-
مراعاة الحق والصدق والأمانة والعدالة في جميع معاملاتها مع سائر الدول....
6-للدولة الحق في تحديد الأسعار،إلى درجة لا يضر معها احد.
7-على
الدولة إتباع سياسة الاكتفاء الذاتي.
8-تأليف الأمة تحت لواء واحد.والقضاء على التفرقة بشتى أنواعها.
9-وأن لا تكون للدولة السيطرة على الأعمال،إلا في حالات الحرب .وذلك
لتنظيم شؤون الدفاع.
رابعا: السياسة الخارجية
1-
تتبع الدولة الإسلامية إزاء الدولة الأخرى سياسة الأخوة ... وسياسة
الصداقة والألفة والمعاهدة في جميع المرافق....
2- تتبع
الدولة الإسلامية إزاء الدولة المحاربة سياسية السلم مهما أمكن.....
مقترحات للدستور المقبل
وعلى
ضوء ما تقدم يمكن تقديم بعض المقترحات حول ماهية الدستور العراقي
القادم:
1-يجب
إشراك جميع مكونات الشعب العراقي في كتابة الدستور0
2-مشاركة الجميع في العملية السياسية وذلك عن طريق الوصول إلى حلول
توافقية حول القضايا السياسية المختلف فيها وتقديم بعض التنازلات.ولكن
ليس على حساب حكم الأقلية للأكثرية، فبهذا الشكل لا تكون ديمقراطية
حقيقية.
3-إطلاق الحريات الفردية والمؤسساتية، وتوفير شرائطها من جهة، وتحديدها
بحدود الصلاح والحكمة.
4-إتباع مبدأ الفصل بين السلطات.
5-أن
يشتمل الدستور على أمور عامة تخص البلاد ككل، وإعطاء المجالس في
المحافظات
بعض
الصلاحيات لتشريع القوانين التي تراها مناسبة للنهوض بواقع المحافظات،
بشرط أن لا تتعارض هذه التشريعات مع الدستور.
6-تشكيل محكمة عليا تنظر بدستورية القوانين المشرعة، وتتكون هذه
المحكمة من فقهاء القانون الدستوري.
7-حماية حقوق الإنسان المنصوص عليها في القرآن الحكيم، والتي نصت عليها
المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
8-الانتخابات هي الطريق الوحيد لاختيار الرئيس والمجالس النيابية.
9-التأكيد على استقلال القضاء، ووضع شروط خاصة لاختيار القضاة.
10-التأكيد على مجانية التعليم، ودعم العلم والعلماء.
11-يجب أن تكون المؤسسة العسكرية بيد المؤسسة المدنية،وتحديد صلاحية
استخدامها.
12-الشعب هو صاحب السلطة الحقيقة.
13-عرض الدستور على الشعب للاستفتاء عليه. |