فيلم أميركي إيراني: دروس حية لعالم ما بعد 11/9

أفِقِ الآن فالشمس التي طوحت بالنجوم

بعيداً عن حقول الليل

أطاحت معها بالليل من السماء

لتخترق قلعة السلطان برمحٍ من الضياء

 

 

 

 بهذه الأبيات تبدأ رباعيات عمر الخيام، أحد أشهر الأشعار في العالم، وربما أشهر قطعة أدبية فارسية. فقد تمت ترجمة مئات الرباعيات (أي المقطوعات المؤلفة من أربعة أبيات) التي يتألف منها هذا العمل الأدبي الذي يعود إلى القرن الحادي عشر إلى عشرات اللغات وألهمت بجمالها عدداً لا يُحصى من القراء والبحاثة.

وهناك حالياً تسع طبعات على الأقل للرباعيات قيد التداول في الولايات المتحدة، وما زالت تشكل قوام الكثير من المساقات الجامعية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

وترتكز معظم هذه الطبعات إلى الترجمة التي وضعها البحاثة الإنجليزي إدوارد فتزجرالد للرباعيات في القرن التاسع عشر.

ولكن الاهتمام الأميركي الفني بهذا الشاعر يتجاوز الإعجاب بأعظم أعماله الأدبية. فقد استحوذت سيرة حياة عمر الخيام نفسه على مخيلة العديد من الروائيين ومنتجي الأفلام الأميركيين عبر السنين. وقد روت ثلاثة أفلام صامتة وملحمة أنتجتها هوليوود في الخمسينات من القرن الماضي صيغاً جاءت في الكثير من الأحيان خيالية إلى أبعد الحدود لسيرة حياة هذا الرجل المتعدد المواهب الذي عاش في القرن الحادي عشر، وكان عالماً مرموقاً وشاعراً فذاً وأحد أعظم علماء الرياضيات الذين شهدهم التاريخ، وشخصية مهمة في بلاط سلاطين الإمبراطورية السلجوقية.

ويحاول فيلم خامس الآن رواية سيرة حياة عمر الخيام مجدداً. وقد بدأ عرض فيلم "القيّم: أسطورة عمر الخيام"، الذي يدور حول حياة وأعمال هذا الشاعر، في دور السينما الأميركية. وقد جاء فيلم "القيم" نتيجة شغف المخرج الأميركي-الإيراني، كيفان مشايخ، الذي أنتج وكتب وأخرج هذه النظرة الشخصية جداً إلى سيرة الشاعر، بعمر الخيام.

وتدور أحداث الفيلم، الذي تشارك في تمثيله الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار، فانيسا ريدغريف، إلى جانب مجموعة من النجوم العالميين، في بدايته في الولايات المتحدة حيث يخبر شقيق على فراش الموت شقيقه البالغ الثانية عشرة من العمر أنهما من سلالة الشاعر العظيم وأن عليهما أن يبقيا ذكراه حية. ويبدأ الفيلم بعد ذلك برواية سيرة حياة الخيام كما يرويها الشقيق الذي يكاد يلفظ أنفاسه لشقيقه الأصغر.

ولعل من المهم الإشارة إلى أن مشايخ تعرّف إلى سيرة حياة عمر الخيام هو أيضاً عن طريق أحد أقربائه: والده. وقد أوضح مشايخ في مقابلة أجرتها معه صحيفة "إيران نيوز،" أنه قصد أن يكون فيلمه تكريماً لوالده. وقال "إنني أشعر أنها طريقتي لإظهار تقديري الرسمي لماض أسهم كثيراً في خلق وصقل ثنائية شخصيتي كأميركي-إيراني."

ولعل عمر الخيام كان سيعتبر رحلة مشايخ الطويلة الصعبة لإنهاء الفيلم مغامرة بحد ذاتها. فقد صور مشايخ، الذي أراد أن يكون فيلمه أصيلاً إلى أبعد حد ممكن، معظم وقائع الفيلم في ما أصبح اليوم أوزبكستان، في سمرقند وبخارى، وهما المدينتان اللتان لعبتا دوراً بارزاً في حياة الشاعر. وعلاوة على صعوبة التصوير في ظروف مرعبة مثبطة للهمم، عانى المشروع من مشاكل مالية أدت إلى إيقاف الإنتاج مرتين، وإلى وضع علب الأفلام في غير موضعها مما كاد يؤدي إلى ضياع قسم كبير من شريط الفيلم، كما عانى من سوء الحظ؛ فقد كان مشايخ في المغرب يبحث عن أماكن تصلح لتصوير الفيلم عندما وقعت هجمات 11 أيلول/سبتمبر، 2001، مما دفع ممولي المشروع إلى التخلي عنه.

وقد احتاج هذا الفيلم الأول الذي يقوم مشايخ بإخراجه إلى أكثر من ستة أعوام كاملة، ولكنه أوضح في المقابلة التي أجرتها معه "إيران نيوز" أنه عندما يعشق شيئاً بقوة وعمق فإنه يكون على استعداد "للتضحية بكل شيء للحصول عليه."

وقد شاهد مشايخ حلمه وقد تحقق أخيراً. ففي شهر حزيران/يونيو الماضي، شهدت مدينة لوس آنجلوس العرض الافتتاحي للفيلم الذي أشادت به صحيفة لوس آنجلوس تايمز. كما تم اختياره ليكون بين الأفلام التي ستشترك رسمياً في مهرجان الأفلام الدولي في موسكو.

ويحظى الفيلم بإمكانية إقبال جمهور أميركي يعرف عمر الخيام على مشاهدته. فبالإضافة إلى الأفلام المذكورة سابقاً، وضع أميركيون العديد من الأغاني والمسرحيات التي تدور حول سيرة حياة عمر الخيام والرباعيات. وهناك حتى حلقة من مسلسل الصور المتحركة روكي وبولوِنكِل ينطلق فيها الموظ الجريء والسنجاب الشجاع باحثيْن عن "يخت عمر الخيام المصنوع من الياقوت." كما تم اللجوء عبر العقود في أحيان عديدة إلى استخدام اسم عمر الخيام بطرق أقل تبجيلاً واحتراماً لتسويق النبيذ أو السجاجيد أو كاسم للكثير من المطاعم الإيرانية في الولايات المتحدة.

ولكن هناك ما هو أهم من كون اسم الشاعر ورباعياته مألوفاً لدى المستهلكين، فكما قال مشايخ في المقابلة التي أجرتها معه "إيران نيوز"، إن "فلسفة عمر الخيام القائمة على التسامح والرحابة الإنسانية تشكل دروساً حية ينبغي استيعابها في عالم ما بعد 11/9 الذي نعيش فيه." ويستمد المنتج الأميركي الإيراني الشجاعة من قوة رسالة عمر الخيام التي لا تخبو بمرور الزمن أثناء انتظاره حكم النقاد والجماهير على فيلمه.

شبكة النبأ المعلوماتية - الجمعة 8/ تموز/2005 - 30/ جمادى الأولى/1426